الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استوطنوا المدينة قبل المهاجرين إليها. فهم الذين استوطنوا المدينة واعتقدوا الإيمان وأخلصوه يحبون المهاجرين ولا يحسدونهم على فضل الله أعطاه الله لهم. (1)
2 -
3 -
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ". (2)
4 -
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الأنصار: "اللهم أنتم مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، اللهمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ". (3)
5 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الْأَنْصَارَ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَإِنَّ النَّاسَ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئهِمْ". (4)
وفي حديث أبي هريرة "لَوْلَا الهجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنْ الْأنصَارِ".
وعن أنس رضي الله عنه قال: "خَرَجْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله الْبَجَليِّ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَخْدُمُنِي، فَقُلْتُ لَهُ: لَا تَفْعَلْ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الْأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا آلَيْتُ أَنْ لَا أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا خَدَمْتُهُ. وَكَانَ جَرِيرٌ أسن مِنْ أَنَسٍ". (5)
ثالثا: ذكر بعض مواقف الأنصار من المهاجرين عند الهجرة:
1 -
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه: لمَّا قَدِمْنَا المدِينَةَ آخَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَا حَاجَةَ لِي
(1) تفسير القرطبي (18/ 20) بتصرف.
(2)
مسلم (2506).
(3)
مسلم (2508).
(4)
مسلم (2510).
(5)
مسلم (2513).
فِي ذَلِكَ. هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعٍ. قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَاتى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ. قَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ. فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: تَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ؟ قَالَ: امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ. قَالَ: "كَمْ سُقْتَ؟ قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". (1)
2 -
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} قَالَ: كَانَ المُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا المدِينَةَ تُوَرَّثُ الْأَنْصَارَ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ، فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} مِنْ النَّصْرِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرِّفَادَةِ وَيُوصِي لَهُ وَقَدْ ذَهَبَ الميرَاثُ. (2)
3 -
عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَبَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فزَارَ سَلْمَانُ أبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتبَذِّلَةً، فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ مُتبَذِّلَةً؟ قَالَتْ: إِنَّ أَخَاكَ أَبَا الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؛ فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ. قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيَقُومَ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ: نَمْ فَنَامَ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ قَالَ لَهُ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ، فَقَامَا فَصَلَّيَا فَقَالَ: إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًا، وَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ:"صَدَقَ سَلْمَانُ". (3)
(1) البخاري (1943).
(2)
أبو داود (2922)، والنسائي في الكبرى (6417)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2536).
(3)
البخاري (1867).
رابعًا: أن ما سماه الظروف المحيطة بالإفك تناقض أوله مع آخره. فبينما قال في الأول بانتقام الأنصار من المهاجرين وهذا في حد قوله يدل علي أن الحادث لا أصل له لأن المفروض أن الأنصار اختلقوه لينتقموا من المهاجرين. ثم عاد فذكر في الظرف الثاني أن عائشة انتقصت من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تزوج عليها ففعلت ذلك مع صفوان.
فأي الأمرين يريد أن يقول؟ على أي حال الأمر الأول يدل على براءة عائشة، والثاني يدل على براءة الأنصار. ومن يضلل الله فما له من هاد.
خامسًا: وإذا كان هذا هو موقف الأنصار بصفة عامة، فما هو موقفهم من حديث الإفك؟
1 -
لم يشارك أحد من الأنصار في حديث الإفك إلا ما كان من حسان نقلًا عن لسان المنافقين، وتاب الله عليه، وكفر عنه سيئته، وأقيم عليه الحد. وشهدت له بذلك عائشة رضي الله عنها.
2 -
بل خرج من الأنصار من جزم ببراءة السيدة الصديقة رضي الله عنها، وهو أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه والذي سأل زوجته أكنت تفعلين ذلك؟ قالت: لا. قال فعائشة أطهر منك وأولي أن لا تفعل ذلك. فنزل فيه وفي أمثاله قوله تعالي {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)} (النور: 12)(1).
وما موقف سعد بن معاذ وأسيد بن حضير ببعيد وهما من رهط الأنصار الذي يتحدث عنهم هذا الكاتب ويتهمهم بالانتقام من المهاجرين عن طريق حديث الإفك؟ .
(1) تفسير ابن كثير (6/ 27)، وقد قال رحمه الله في تفسير هذه الآية كلامًا - ما أحسنه - حيث قال: وقوله: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي: هَلاّ ظنوا الخير، فإن أم المؤمنين أهله وأولى به، هذا ما يتعلق بالباطن، {وَقَالُوا} أي: بألسنتهم {هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} أي: كذب ظاهر على أم المؤمنين، فإن الذي وقع لم يكن ريبة، وذلك أن مجيء أم المؤمنين راكبة جَهْرَة على راحلة صفوان بن المعطل في وقت الظهيرة، والجيش بكماله يشاهدون ذلك، ورسول صلى الله عليه وسلم أظهرهم، لو كان هذا الأمر فيه ريبة لم يكن هكذا جَهْرَة، ولا كانا يُقدمان على مثل ذلك على رؤوس الأشهاد، بل كان يكون هذا - لو قُدر - خفية مستورا، فتعيَّن أن ما جاء به أهل الإفك مما رَمَوا به أم المؤمنين هو الكذب البهت، والقول الزور، والرّعُونة الفاحشة والصفقة الخاسرة.
وأما موقف سعد بن عبادة ورده على سعد بن معاذ فأعاذه الله أن يكون أراد بموقفه هذا موافقة علي قول الإفك في عائشة ولا اعتراضًا علي عقوبة القائل. وهذا واضح من قول عائشة (وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ اِحْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّة) أي: أغضبته وحملته علي الجهالة. فهذا كلام خرج من سعد بن عبادة ساعة الغضب الذي عذر الله فيه ولم يقصد رمي أم المؤمنين.
وحمله بعض العلماء على أنه أراد أن يقول لسعد بن معاذ لا يجعل أمره إليك لأنه ليس من رهطك ولذلك لا تقتله ولا تقدر علي قتله. وقال الحافظ: وهو حمل جيد. (1)
وبعض الروايات: أن سعد بن عبادة ظن سعد بن معاذ يريد عود ما مضى من الحرب.
قال الحافظ: وَفي رِوَايَة اِبْن حَاطِب (فَقَالَ سَعْد بْن عُبَادَةَ: يَا ابْن مُعَاذ، وَالله مَا بِك نُصْرَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنَّهَا قَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا ضَغَائِن فِي الجاهِلِيَّة وَإِحَن لَمْ تَحْلُلْ لَنَا مِنْ صُدُوركُمْ، فَقَالَ اِبْن مُعَاذ: الله أَعْلَم بِمَا أَرَدْت).
قَالَ اِبْن التِّين: قَوْل اِبْن مُعَاذ (إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْس ضَرَبْت عُنُقه) إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوْس قَوْمه وَهُمْ بَنُو النَّجَّار، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْخَزْرَج لمَا كَانَ بَيْنَ الْأَوْس وَالْخَزْرَج مِنْ التَّشَاحُن قَبْلَ الْإِسْلَام، ثُمَّ زَالَ بِالْإِسْلَامِ وَبَقِيَ بَعْضه بِحُكْمِ الْأَنَفَة. قَالَ: فَتكلَّمَ سَعْد بْن عُبَادَةَ بِحُكْمِ الْأَنَفَة وَنَفَى أَنْ يَحْكُم فِيهِمْ سَعْد بْن مُعَاذ وَهُوَ مِنْ الْأَوْس. قَالَ: وَلَمْ يُرِدْ سَعْد بْن عُبَادَةَ الرِّضَا بِمَا نُقِلَ عَنْ عَبْد الله بْن أُبَيٍّ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْل عَائِشَة (وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا) أَيْ لَمْ يَتَقَدَّم مِنْهُ مَا يَتَعَلَّق بِالْوُقُوفِ مَعَ أَنفَة الْحَمِيَّة، وَلَمْ تَرِدْ أَنَّهُ نَاضَلَ عَنْ المُنَافِقِينَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِلَّا أَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ بَنِي النَّجَّار قَوْم سَعْد بْن مُعَاذ خَطَأ وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ رَهْط سَعْد بْن عُبَادَةَ، وَلَمْ يَجْرِ لَهُمْ فِي هَذه الْقِصَّة ذِكْر (2).
وَأَمَّا قَوْله: (لَا تَقْدِر عَلَى قَتْله) أي إِنْ كَانَ مِنْ الْخَزْرَج لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يَأْمُر غَيْر قَوْمه بِقَتْلِهِ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ الحمِيَّة الَّتِي أَشَارَتْ إِلَيْهَا عَائِشَة، وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ مَا فَهِمَهُ المَذْكُور أَنَّهُ يَرُدّ أَمْر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ وَلَا يَمْتَثِلهُ. واِعْتَذَرَ عَنْ قَوْل أُسَيْدِ بْن حُضيْرٍ لِسَعْدِ بْن
(1) فتح الباري (8/ 329).
(2)
فتح الباري (8/ 329).
عُبَادَةَ (إِنَّك مُنَافِق تجادل عن المنافقين) بأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ عَلَى جِهَة الْغَيْظ وَالْحَنَق وَالمُبَالَغَة فِي زَجْر سَعْد بْن عُبَادَةَ عَنْ المُجَادَلَة عَنْ اِبْن أُبَيٍّ وَغَيْره، وَلَمْ يَرُدّ النِّفَاق الَّذِي هُوَ إِظْهَار الْإِيمَان وَإِبْطَان الْكُفْر. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ يُظْهِر المَوَدَّة لِلْأَوْسِ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّة ضِدّ ذَلِكَ فَأَشْبَهَ حَال المُنافِق لِأَنَّ حَقِيقَته إِظْهَار شَيْء وَإِخْفَاء غَيْره، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي تَرْك إِنْكَار النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ (1).
قلت: فظهر بهذا أن خلافهم كان عصبية وأنفة وسببه اختلافهم فيمن يباشر قتل عبد الله بن أبيّ، وليس اختلافًا في حديث الإفك هل وقع أو لا. وظهر أيضًا أن جميع الأنصار من الأوس والخزرج كانوا على اتفاق في أمر براءة الصديقة رضي الله عنها وإنما خلافهم كان في قتل القائل إن كان من الخزرج فمن الذي يباشر قتله. وهل تقدر الأوس على مباشرته أم لا. والله أعلم.
فما سبق هو موقف الأنصار. والفرق واضح بين الأنصار وبين المنافقين. ومن وقع من الأنصار وهو حسان أقيم عليه الحد تطهيرًا له.
وأما الفرية الثانية وهي أن عائشة فعلت هذا انتقامًا من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه تزوج عليها بزينب وجويرية:
والرد عليها من وجوه: الوجه الأول: أن هذا الكلام مبني على أنها فعلت ذلك فعلًا.
وقد قامت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول على براءة أم المؤمنين رضي الله عنها.
فأما من الكتاب فالآيات من سورة النور من (11 - 20)، والسنة فحديث القصة المذكور، وأما الإجماع فواضح إلا ما كان من الروافض ولا عبرة بخلافهم.
وأما المعقول: فمن مجيئها رضي الله عنها علي ظهر البعير في نحر الظهيرة أمام الكل، ولو كان في الأمر ريبة لما كان كذلك أبدًا ولحاولت هي وصفوان إخفاءه (2).
الوجه الثاني: بمعرفة موقف عائشة رضي الله عنها يوم زواج النبي صلى الله عليه وسلم يكون بطلان هذه الفرية أكثر ظهورًا وتجليًا. فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ
(1) السابق (8/ 330).
(2)
تفسير ابن كثير، بتصرف سورة النور 11.
وَلحمٍ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله، مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ قَالَ:"ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ". وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَقَالَ:"السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ الله"، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ الله كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ - بَارَكَ الله لَكَ؟ فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا ثَلَاثَةٌ مِنْ رَهْطٍ فِي الْبَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ - وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَدِيدَ الْحَيَاءِ - فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَمَا أَدْرِي آخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا، فَرَجَعَ حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ دَاخِلَةً وَأُخْرَى خَارِجَةً أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الحجَابِ). (1)
وفي رواية عند البخاري أيضًا. قال أنس: .. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صبِيحَةَ بِنَائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ ويُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُنَّ وَيَدْعُونَ لَهُ). (2)
3 -
وكذلك قرارها النهائي في جويرية رضي الله عنها يجلي لنا هذا الأمر أكثر.
فعن عائشة قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن شماس - أو لابن عم له - فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستعينه في كتابتها. قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي، فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت. فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شماس - أو لابن عم له - فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي. قال:"فهل لك في خير من ذلك"؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: "أقضى عنك كتابك وأتزوجك". قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت. قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
(1) البخاري (4793).
(2)
البخاري (4794).