الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - شبهة: ادعاؤهم تطاول عائشة على النبي صلى الله عليه وسلم
-
نص الشبهة: لقد زعم القوم أن عائشة بصغر سنها كانت تمتلك إمكانيات لا تمتلكها غيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كانت تسيطر على عقل النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يتساهل معها ويتبع هواها مما أدى إلى تطاولها عليه إلى حدود لا تليق به كبشر عادي فضلًا عن كونه نبيًا.
والجواب على هذا الإفك من وجوه:
الوجه الأول: أن حسن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وحسن أخلاقه مع عائشة لم يكن نابعًا من متابعة الهوى ولا من سيطرة عائشة رضي الله عنها بإمكانياتها عليه، ولكن الأمر كما يلي:
1 -
لقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى حسن الأخلاق بصفة عامة، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم.
2 -
لقد أوصى صلى الله عليه وسلم بحسن عشرة النساء عامة. وذلك لأن طبيعتهن تتطلب ذلك.
3 -
ومن هذا المنطلق كان صلى الله عليه وسلم خير الناس لنسائه.
4 -
ولا ننكر ولا نماري في أن عائشة رضي الله عنها كانت مقدمة عليهن في الحب القلبي لما لها من خصوصيات عند الله ورسوله ليست لغيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
5 -
ولكن هذا الحب لم يكن ليحمله صلى الله عليه وسلم لحظة واحدة على قبول الظلم منها لغيرها من نسائه، أو ليمكنها من مخالفة شرعية.
الوجه الثاني: حسن خلق عائشة رضي الله عنها والكلام على ذلك في محورين:
1 -
وهذا شيء من سيرتها يبين ذلك.
2 -
أما الروايات التي توهم ذلك فمنها ما لم يصح، ومنها ما صح وأسيء فهمه.
الوجه الثالث: استنكار حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة تبعًا لاحتقار مكانة المرأة أصلًا عند النصارى.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: أن حسن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وحسن أخلاقه مع عائشة لم يكن نابعًا من متابعة الهوى ولا من سيطرة عائشة رضي الله عنها بإمكانياتها عليه، ولكن الأمر كما يلي:
أولًا: لقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى حسن الأخلاق بصفة عامة، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم.
1 -
عن عائشة قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمًا له قط، ولا امرأة له قط، ولا ضرب بيده إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء فانتقمه من صاحبه إلا أن تنتهك محارم الله عز وجل فينتقم لله عز وجل، وما عرض عليه أمران أحدهما أيسر من الآخر إلا أخذ بأيسرهما إلا أن يكون مأثمًا، فإن كان مأثمًا كان أبعد الناس منه)(1).
ثانيًا: لقد أوصى صلى الله عليه وسلم بحسن عشرة النساء عامة. وذلك لأن طبيعتهن تتطلب ذلك، ومن ذلك ما يلي:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا". (2)
ولفظه عند مسلم: "إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها". (3)
2 -
وعن عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم". (4)
3 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر، أو قال غيره". (5)
ثالثا: ومن هذا المنطلق كان صلى الله عليه وسلم خير الناس لنسائه:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا. (6)
2 -
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". (7)
(1) أحمد (6/ 32) واللفظ له، والنسائي (9163)، وصححه الألباني في الصحيحة (507).
(2)
البخاري (3153)(4890).
(3)
مسلم (1468).
(4)
البخاري (4904).
(5)
مسلم (1469).
(6)
الترمذي (1162) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد (2/ 250)، وابن حبان (4176).
(7)
الترمذي (3895)، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
قال الحليمي: دل على أن حسن الخلق إيمان وعدمه نقصان إيمان، وأن المؤمنين يتفاوتون في إيمانهم فبعضهم أكمل إيمانا من بعض. ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا لكونه أكملهم إيمانًا "وخياركلم خياركم لنسائهم" أي من يعاملهن بالصبر على أخلاقهن ونقصان عقلهن وطلاقة الوجه والإحسان. وكف الأذى وبذل الندى وحفظهن من مواقع الريب. ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس معاشرة لعياله وهل المراد بهن حلائل الرجل من زوجة وسرية أو أصوله وفروعه وأقاربه أو من في نفقته منهن أو الكل؟ والحمل على الأعم أتم. (1)
3 -
عن الأسود قال: سألت عائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. (2)
رابعًا: ونحن لا نشك ولا نماري في أن عائشة أم المؤمنين كانت مقدمة عليهن في هذا الحب بتقديم الله لها لا بمجرد الهوى كما فهم على غير الصواب، وبيان ذلك فيما يأتي:
1 -
عن عروة بن الزبير قال: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان أو حيثما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأعرض عني فلما عاد إلي ذكرت له ذلك، فأعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال:"يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها". (3)
(1) فيض القدير (1441).
(2)
البخاري (676).
(3)
البخاري (3775).
قال الذهبي رحمه الله: وهذا الجواب منه دال على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها (1).
2 -
ومن أجل هذا الفضل أحبها حبًا شديدًا كان يتظاهر به، بحيث إن عمرو بن العاص، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة، سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: "عائشة" قال: فمن الرجال؟ قال: "أبوها"(2).
وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الشانئين، وما كان عليه السلام ليحب إلا طيبًا، وقد قال:"لو كنت متخذًا خليلًا من هذه الأمة، لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن أخوة الإسلام أفضل" فأحب أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حري أن يكون بغيضًا إلى الله ورسوله، وحبه صلى الله عليه وسلم لعائشة كان أمرًا مستفيضًا، ألا تراهم كيف كانوا يتحرون بهداياهم يومها تقربًا إلى مرضاته. (3) كما مر في الحديث السابق.
3 -
ومن فضائلها على غيرها أنها ابنة أبي بكر الصديق السبّاق إلى الخيرات، وليس غيرها كذلك بهذه الدرجة فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي بنية ألست تحبين ما أحب"؟ فقالت: بلى، قال:"فأحبي هذه"، قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدًا قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر
(1) سير أعلام النبلاء (2/ 143).
(2)
البخاري (4358، 3662).
(3)
سير أعلام النبلاء (2/ 142).
امرأة قط خيرًا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثًا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا سورة من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة. قالت فاستأذنت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها؟ قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم: "إنها ابنة أبي بكر". (1)
قلت: واضح من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بفضيلة ليست لواحدة من النساء غيرها وهي أنها ابنة أبي بكر وليست واحدة من النساء لأبيها من السابقة والفضل والمكانة وحسن التأديب لابنته ما لأبي بكر، فكيف تريدون أن تكون مكانتكم تضاهي مكانتها؟ ! لعل ذلك لو حصل يكون منافيًا للعدل الذي تنشدنه فعند ذلك عرفن فضلها وسكتن، فلم يعاودن السؤال مرة ثانية، والله أعلم.
فثبت بهذا وبغيره مما لم أذكره أن عائشة كانت مقدمة في الحب القلبي لما حباها الله به من خصائص ليست لغيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لاينقص من شأن أيتهن أبدًا، ولكن سنة الله أن يكون لكل قدره.
(1) مسلم (2442)، (العدل في ابنة أبي قحافة) معناه: يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب (ينشدنك) أي يسألنك، (تساميني) أي: تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة مأخوذ من السمو وهو الارتفاع، (سورة) السورة الثوران وعجلة الغضب (من حد) هكذا هو في معظم النسخ سورة من حد وفي بعضها من حدة وهي شدة الخلق وثورانه، (الفيئة) الرجوع ومعنى الكلام أنها كاملة الأوصاف إلا أن فيها شدة خلق وسرعة غضب تسرع منها الرجوع أي إذا وقع ذلك منها رجعت عنه سريعا ولا تصر عليه، (ثم وقعت بي) أي نالت مني بالوقيعة في (لم أنشبها) أي لم أمهلها، (حين) في بعض النسخ حتى بدل حين وكلاهما صحيح ورجح القاضي حين، (أنحيت عليها) أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة. انظر: شرح النووي على مسلم.
خامسًا: ولكن هذا الحب لم يكن ليحمله صلى الله عليه وسلم على الظلم لبقية النساء ولم يكن يحمله كذلك على السكوت على مخالفة شرعية تصدر من عائشة رضي الله عنها فأما بقية النساء فتظهر قمة العدل منه صلى الله عليه وسلم فيما يلي:
1 -
عندما كان في مرضه الذي توفي فيه فأراد أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فاستأذنهن ولم يفوت حقهن في الاستئذان حتى وهو في هذا الموقف العصيب الشديد فلو أن الأمر نابع من الهوى ومن سيطرة عائشة رضي الله عنها عليه لما حصل هذا الاستئذان.
فعن عائشة قالت: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي، فأذن له فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين تحط رجلاه في الأرض (1).
2 -
ما كان صلى الله عليه وسلم يأخذها معه في سفر إلا إذا أصابتها قرعة ولم يحرم سودة من ليلتها حتى وهبتها لعائشة رضي الله عنه فلو أن الأمر أمر أمر هوى لأقبل على الشابة وترك العجوز، وأين المقارنة بين فتاة بكر وامرأة عجوز حتى يكون لها ليلة تهبها لعائشة ليكون لها فضل الهبة بعد ذلك إلا في ظل العدل المحمدي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هي الصديقة تحفظ لنا هذا الخبر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
3 -
لقد كانت رغبتها رضي الله عنها تخالف أحيانًا فلا تستطيع أن تقول شيئًا لأنها تتعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على أنه زوج فحسب بل على أنه زوج ورسول من عند الله تعالى.
فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث فقالت حفصة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنظر؟ فقالت: بلى، فركبت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه
(1) البخاري (198).
(2)
البخاري (2593).