الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب من وجوه:
أولا
- أن هذه فرية نسبت إليها، ولا تصح، وإسنادها واه، وانظر التفصيل في الحاشية.
ثانيًا: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
-: وأما قوله: إن عائشة كانت في كل وقت تأمر بقتل عثمان، وتقول في كل وقت: اقتلوا نعثلًا، قتل الله نعثلًا، ولما بلغها قتله فرحت بذلك.
فيقال له أولًا: أين النقل الثابت عن عائشة بذلك؟
ويقال ثانيًا: المنقول الثابت عنها يكذب ذلك، ويبين أنها أنكرت قتله، وذمت من قتله، ودعت على أخيها محمد وغيره لمشاركتهُم في ذلك.
ويقال ثالثًا: هب أن واحدًا من الصحابة عائشة أو غيرها قال في ذلك على وجه الغضب إنكاره بعض ما ينكر فليس قوله حجة، ولا يقدح ذلك لا في إيمان القائل ولا المقول له، بل قد يكون كلاهما وليًا لله -تعالى- من أهل الجنة، ويظن أحدهما جواز قتل الآخر، بل يظن كفره وهو مخطئ في هذا الظن، ومن الأمثلة على ذلك:
1 -
ما ثبت في الصحيحين عن علي وغيره في قصة حاطب بن أبي بلتعة، وكان من أهل بدر والحديبية، وقد ثبت في الصحيح أن غلامه قال: يا رسول الله، والله ليدخلن حاطب النار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كذبت إنه قد شهد بدرًا والحديبية، وفي حديث علي أن حاطبًا كتب إلى المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أراد غزوة الفتح، فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال لعلي والزبير: اذهبا حتى تأتيا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب، فلما أتيا بالكتاب، قال: ما هذا يا حاطب؟ فقال: والله يا رسول الله، ما فعلت هذا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر، ولكن كنت امرءًا ملصقًا في قرش ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من
= وأما سيف بن عمر التميمي: فقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 255).
قال عباس الدوري، عن يحيى: ضعيف، وقال أبو جعفر الحضرمي، عن يحيى: فليس خير منه. وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي. وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة.
وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر. وقال ابن حجر: ضعيف الحديث عمدة في التاريخ (التقريب 1/ 408)، (الجرح والتعديل (4/ 278)، المجروحين لابن حبان (1/ 345).
المهاجرين لهم بمكة قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت إذا فأتني ذلك أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: إنه شهد بدرًا، وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وأنزل الله عز وجل أول سورة الممتحنة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} ا (لممتحنة: 1)، وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها، وهي متواترة عندهم، معروفة عند علماء التفسير، وعلماء الحديث، وعلماء المغازي والسير والتواريخ، وعلماء الفقه، وغير هؤلاء، وكان علي رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة، وروى عنه كاتبه عبد الله بن أبي رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى.
فإن عثمانَ، وعليًا، وطلحة، والزبير أفضل باتفاق المسلمين من حاطب بن أبي بلتعة، وكان حاطب مسيئًا إلى مماليكه، وكان ذنبه في مكاتبة المشركين وإعانتهم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أعظم من الذنوب التي تضاف إلى هؤلاء، ومع هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله وكذب من قال أنه يدخل النار؛ لأنه شهد بدرًا والحديبية، وأخبر بمغفرة الله لأهل بدر، ومع هذا فقد قال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فسماه منافقًا واستحل قتله، ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ولا في كونه من أهل الجنة.
2 -
وكذلك في الصحيحين وغيرهما في حديث الإفك لما قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا على المنبر يعتذر من رأس المنافقين عبد الله بن أُبي، فقال: من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي؛ والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، فقام سعد بن معاذ سيد الأوس- وهو الذي اهتز لموته عرش الرحمن، وهو الذي كان لا تأخذه في الله لومة لائم بل حكم في حلفائه من بني قريظة بأن يقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم؛ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة- فقال: يا رسول الله، نحن نعذرك منه، إن كان من إخواننا من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة فقال: كذبت؛ لعمر الله لا تقتله ولا تقدر
على قتل، فقام أسيد بن حضير فقال: كذبت؛ لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، وكادت تثور فتنة بين الأوس والخزرج حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم وخفضهم.
وهؤلاء الثلاثة من خيار السابقين الأولين، وقد قال أسيد بن حضير لسعد بن عبادة: إنك منافق تجادل عن المنافقين، وهذا مؤمن ولي لله من أهل الجنة وذاك مؤمن ولي الله من أهل الجنة؛ فدل على أن الرجل قد يكفر آخر بالتأويل ولا يكون واحد منهما كافرًا.
3 -
وكذلك في الصحيحين حديث عتبان بن مالك لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم منزله في نفر من أصحابه فقام يصلي وأصحابه يتحدثون بينهم، ثم أسندوا عظم ذلك إلى مالك بن الدخشم، وودوا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه فيهلك، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته وقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قالوا: بلى، وإنه يقول ذلك وما هو في قلبه، فقال: لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه.
وإذا كان ذلك فإذا ثبت أن شخصًا من الصحابة، إما عائشة، وإما عمار بن ياسر، وإما غيرهما كَفَّرَ آخر من الصحابة عثمان أو غيره أو أباح قتله على وجه التأويل، كان هذا من باب التأويل المذكور ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ولا في كونه من أهل الجنة، فإن عثمان وغيره أفضل من حاطب بن أبي بلتعة، وعمر أفضل من عمار وعائشة وغيرهما، وذنب حاطب أعظم فإذا غُفر لحاطب ذنبه فالمغفرة لعثمان أولى، وإذا جاز أن يجتهد مثل عمر وأسيد بن حضير في التكفير أو استحلال القتل ولا يكون ذلك مطابقًا فصدور مثل ذلك من عائشة وعمار أولى.
ويقال رابعًا: إن هذا المنقول عن عائشة من القدح في عثمان إن كان صحيحًا فإما أن يكون صوابًا أو خطأً، فإن كان صوابًا لم يذكر في مساوئ عائشة، وإن كان خطأ لم يذكر في مساوئ عثمان، والجمع بين نقص عائشة وعثمان باطل قطعًا، وأيضًا فعائشة ظهر منها من التألم لقتل عثمان، والذم لقتلته، وطلب الانتقام منهم ما يقتضي الندم على ما ينافى ذلك، كما ظهر منها الندم على مسيرها إلى الجمل، فإن كان ندمها على ذلك يدل على فضيلة علي
واعترافها له بالحق فكذلك هذا يدل على فضيلة عثمان واعترافها له بالحق وإلا فلا.
وأيضًا في ظهر من عائشة وجمهور الصحابة وجمهور المسلمين من الملام لعلي أعظم مما ظهر منهم من الملام لعثمان فإن كان هذا حجة في لوم عثمان فهو حجة في لوم علي، وإن لم يكن حجة في لوم علي فليس حجة في لوم عثمان، وإن كان المقصود بذلك القدح في عائشة لما لامت عثمانَ وعليًا فعائشة في ذلك مع جمهور الصحابة لكن تختلف درجات الملام، وإن كان المقصود القدح في الجميع في عثمان وعلي وطلحة، والزبير، وعائشة، واللائم والملوم، قيل: نحن لسنا ندعى لواحد من هؤلاء العصمة من كل ذنب؟ بل ندعى أنهم من أولياء الله المتقين، وحزبه المفلحين، وعباده الصالحين، وأنهم من سادات أهل الجنة، ونقول: إن الذنوب جائزة على من هو أفضل منهم من الصديقين ومن هو أكبر من الصديقين ولكن الذنوب يرفع عقابها بالتوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وغير ذلك، وهؤلاء لهم من التوبة والاستغفار والحسنات ما ليس لمن هو دونهم، وابتُلوا بمصائب يكفر الله بها خطاياهم لم يُبتلَ بها من دونهم، فلهم من السعي المشكور والعمل المبرور ما ليس لمن بعدهم وهم بمغفرة الذنوب أحق من غيرهم ممن بعدهم. (1)
4 -
أيضًا من الروايات التي تنسب في حق عائشة أنها كانت سببًا في مقتل عثمان:
قول محمد بن طلحة: دم عثمان ثلاثة أثلاث: ثلث على صاحبة الهودج يعني: عائشة، وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني: طلحة، وثلث على عليّ. (2)
(1) منهاج السنة (4/ 329) وما بعدها.
(2)
موضوع. رواه الطبري في تاريخه (3/ 116) قال: وفيها ذكر نصر بن مزاحم، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد قال: وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة وكان محمد رجلًا عابدًا فقال: أخبرني عن قتلة عثمان؟ فقال: نعم؛ دم عثمان ثلاثة أثلاث: ثلث على صاحبة الهودج يعني: عائشة، وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني: طلحة، وثلث على عليّ بن أي طالب، وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال ولحق بعلي، وقال في ذلك شعرًا، سألت ابن طلحة عن هالك بجوف المدينة لم يقبر فقال: ثلاثة رهط هم أماتوا ابن عفان واستعبر، فثلث على تلك في خدرها، وثلث على راكب الأحمر وثلث على ابن أبي طالب، ونحن بدوية قرقر فقلت صدقت على الأولين، وأخطأت في الثالث الأزهر. وإسناده تالف، وتقدم الكلام عليه في الأثر السابق.
5 -
قولهم: إن عائشة كانت تؤلب على عثمان ليتولى طلحة الخلافة فلما علمت أن عليًّا بويع بالخلافة طالبت بدم عثمان، وهذا ذكره البلاذري تعليقًا عن الزهري من غير إسناد، فقال: قال الزهري: وكانت عائشة تؤلب على عثمان، فلما بلغها أمره، وهي بمكة، أمرت بقبتها فضربت في المسجد الحرام، وقالت: إني أرى عثمان سيشوم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدرٍ، وقتل عثمان؛ فزعم بعض الناس أنه قُتل في أيام التشريق، وقال بعضهم: قتل يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، وولي قتله محمد بن أبي بكر ومعه سودان بن حمران، وبايع الناسُ عليًّا، ومكث عثمان في الدار يومًا أو يومين حتى أخرجه أهله على باب من جريد النخل صغير خرجت عنه رجلاه، وتلقاهم قوم فقاتلوهم حتى طرحوه وتوطأه بعضهم، ثم حملوه وقد حُفر له قبر إلى جانب البقيع ودفنوه.
وخرجت عائشة من مكة حتى نزلت بسرف، فمرَّ راكب فقالت: ما وراءك؟ قال: قتل عثمان، فقالت: كأني أنظر إلى الناس يبايعون طلحة وإصبعه تحس أيديهم، ثم جاء راكب آخر فقال: قتل عثمان وبايع الناسُ عليًّا فقالت: واعثماناه، ورجعت إلى مكة فضربت لها قبتها في المسجد الحرام وقالت: يا معشر قريش، إن عثمان قد قتل، قتله عليّ بن أبي طالب، والله لأنملةٌ - أو قالت لليلةٌ - من عثمان خير من عليّ الدهر كله، وخرجت أم سلمة إلى المدينة وأقامت عائشة بمكة. (1)
(1) أنساب الأشراف للبلاذري (2/ 294)، ولا إسناد له إلى الزهري كما أنه منقطع بين الزهري والواقعة فإن الزهري ولد سنة خمسين والحادث كان سنة خمس وثلاثين، وهو خبر منكر يخالف الأخبار الصحيحة وعلى فرض أنه بالإسناد الذي قبله وهذه حكايته كما عند البلاذري في أنساب الأشراف: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورق، حدثنا وهب بن جرير بن حازم، حدثنا أبي، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، وهو إسناد حسن إلا أن الزهري أرسله ومراسيل الزهري وأهية. قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وخرج البيهقي من طريق أبي قدامة السرخسي، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكلما يقدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه.
وقال يحيى بن معين: مراسيل الزهري ليست بشيء، وقال الشافعي: إرسال الزهري عندنا ليس بشيء؛ وذلك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم. اهـ من شرح علل الترمذي (1/ 284)، وانظر: تدريب الراوي (167).
وسليمان بن أرقم الذي يروي عنه الزهري في كلام الشافعي هو أبو معاذ البصري؛ قال أحمد: ليس بشيء، =
وقال ابن تيمية: وأما قوله: أنها سألت مَنْ تولى الخلافة؟ فقالوا: عليُّ، فخرجت لقتاله على دم عثمان، فأي ذنب كان لعلي في ذلك؟ فيقال له:
أولًا: قول القائل: إن عائشة، وطلحة، والزبير اتهموا عليًّا بأنه قتل عثمان وقاتلوه على ذلك كذب بين، بل إنما طلبوا القتلة الذين كانوا تحيزوا إلى علي وهم يعلمون أن براءة علي من دم عثمان كبراءتهم وأعظم، لكن القتلة كانوا قد أووا إليه فطلبوا قتل القتلة ولكن كانوا عاجزين عن ذلك هم وعلي؛ لأن القوم كانت لهم قبائل يذبون عنهم، والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء فصار الأكابر رضي الله عنهم عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها، وهذا شأن الفتن كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} ، وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله. (1)
6 -
وهذه رواية تصور الصحابة كلهم في جانب وعثمان في جانب آخر:
قال البلاذري: وحدثني هشام بن عمار الدمشقي أبو الوليد، حدثنا محمد بن سميع، عن محمد بن أبي ذئب، عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن السيب: أن المصريين لما قدموا فشكوا عبد الله بن سعد بن أبي سرح، سألوا عثمان أن يولى مكانه محمد بن أبي بكر، فكتب عهده وولاه ووجه معهم عدة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح، فشخص محمد بن أبي بكر وشخصوا جميعًا، فلما كانوا على مسيرة ثلاث من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير وهو يخبط البعير خبطًا كأنه رجل يطلب أو يُطلب، فقال له أصحاب محمد بن أبي بكر: ما قصتك، وما شأنك، هارب أو طالب؟ فقال لهم مرةً: أنا غلام أمير
= وقال البخاري، وأبو حاتم: ليس بشيء، وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ليس بشيء؛ ليس يسوى فلسًا. وقال عثمان بن سعيد، عن يحيى: ليس بشيء، وقال عمرو بن علي: ليس بثقة، روى أحاديث منكرة، قال: وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: كانوا ينهونا عنه ونحن شباب، وذكر عنه أمرًا عظيمًا.
وقال البخاري: تركوه. وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن سليمان بن أرقم، قال: متروك الحديث، قلت لأحمد: روى سليمان بن أرقم عن الزهري، عن أنس في التلبية، فقال: لا نبالي روى أو لم يروَ، انظر تهذيب الكمال (11/ 351).
(1)
منهاج السنة (4/ 343).
المؤمنين، وقال مرة أخرى: أنا غلام مروان وجهني إلى عامل مصر برسالة، قالوا: فمعك كتاب؟ قال: لا، ففتشوه فلم يجدوا معه شيئًا، وكانت معه إداوة قد يبست وفيها شيء يتقلقل، فحركوه ليخرج فلم يخرج، فشقوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح. فجمع محمد من كان معه من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه:"إذ أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتاب محمد، وقر على عملك حتى يأتيك رأيي، واحبس من يجيء إلي متظلمًا منك إن شاء الله"، فلما قرأوا الكتاب فزعوا وغضبوا ورجعوا إلى المدينة، وختم محمد بن أبي بكر الكتاب بخواتيم نفر ممن كان معه ودفعه إلى رجل منهم، وقدموا المدينة فجمعوا عليًّا، وطلحة، والزبير، وسعدًا، ومن كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم وأخبروهم بقصة الغلام وأقرأهم الكتاب فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك من غضب لابن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبي ذر حنقًا وغيظًا، وقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمنازلهم ما منهم أحد إلا وهو مغتنم لما في الكتاب، وحاصر الناس عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم، وأعانه على ذلك طلحة بن عبيد الله، وكانت عائشة تقرصه كثيرًا، ودخل عليّ، وطلحة، والزبير، وسعد، وعمار في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم بدري على عثمان، ومع عليّ الكتاب والغلام والبعير، فقال له علي: هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم، قال: والبعير؟ قال: نعم، قال: وأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب، ولا أمرت به، ولا علمت شأنه، فقال له علي: أفالخاتم خاتمك؟ قال: نعم، قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به؟ فحلف بالله ما كتبت الكتاب، ولا أمرت به ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط، وعرفوا أنه خط مروان فسأله أن يدفع إليهم مروان فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من عنده غاضبًا وعلموا أنه لا يحلف بباطل، إلا أن قومًا قالوا: لن يبرأ عثمان في قلوبنا إلا بأن يدفع إلينا مروان حتى نبحثه عن الأمر، ونعرف حال الكتاب وكيف يؤمر بقتل رجال من أصحاب رسول الله بغير حق، فإن يكن عثمان كتبه
عزلناه، وإن يكن مروان كتبه عن لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان، فلزموا بيوتهم وأبى عثمان أن يخرج مروان، فحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء، فأشرف على الناس فقال: أفيكم علي؟ فقالوا: لا، قال: أفيكم سعد، فقالوا: لا، فسكت ثم قال: ألا أحدٌ يبلغ فيسقينا ماءً؟ فبلغ ذلك عليًّا فبعث إليه بثلاث قربٍ مملوءة ماءً في كادت تصل إليه، وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصلت.؟ وبلغ عليًّا أن القوم يريدون قتل عثمان فقال: إنما أردنا مروان، فأما قتل عثمان فلا، وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدًا يصل إليه، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث طلحة ابنه على كره، وبعث عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبناءهم ليمنعوا الناس من الدخول على عثمان وسألوه إخراج مروان، فلما رأى محمد بن أبي بكر، وقد رمى الناس عثمان بالسهام حتى خُضب الحسن بالدماء على بابه، وأصاب مروان سهم وهو في الدار، وخُضب محمد بن طلحة، وشُج قنبر مولى علي، خشي محمد بن أبي بكر أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسين فيثيروها فتنةً، وأخذ بيد رجلين فقال لهما: إن جاءت بنو هاشم فرأت الدماء على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما تريدون، ولكن مروا بنا حتى نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد، فتسور محمد وصاحباه من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان وما يعلم أحد ممن كان معه، لأنهم كانوا فوق البيوت ولم يكن معه إلا امرأته، فقال محمد بن أبي بكر: أنا أبدأ كما بالدخول، فإذا أنا ضبطته فادخلا فتوجاه حتى تقتلاه، فدخل محمد فأخذ بلحيته فقال له عثمان: والله، لو رآك أبوك لساء مكانك مني، فتراخت يده، ودخل الرجلان عليه فتوجآه حتى قتلاه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، وصرخت امرأته إلى الناس فلم يُسمع صراخها، لما كان في الدار من الجلبة، وصعدت امرأته إلى الناس فقالت: إن أمير المؤمنين قد قتل، فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوا عثمان مذبوحًا، فانكبوا عليه يبكون، وخرجوا ودخل الناس فوجدوه مذبوحًا، وبلغ عليًّا بن أبي طالب الخبر، وطلحةَ، والزبيرَ، وسعدًا، ومن كان بالمدينة، فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم
حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولًا فاسترجعوا، وقال على لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب، ورفع يده فلطم الحسن، وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة، ولعن عبد الله بن الزبير، وخرج عليّ وهو غضبان يرى أن طلحة أعان على ما كان، فلقيه طلحة فقال: ما لك يا أبا الحسن، ضربت الحسن والحسين، فقال: عليك لعنة الله أبيت إلا أن يسوءني ذلك، يقتل أمير المؤمنين رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدريٌّ لم يقم عليه بينة ولا حجة، فقال طلحة: لو دفع مروان لم يُقتل، فقال علي: لو أخرج إليكم مروان لقتل قبل أن تثبت عليه حكوم، وخرج عليُّ فأتى منزله وجاء الناس كلهم يهرعون إلى علي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهم يقولون: إن أمير المؤمنين علي، حتى دخلوا داره فقالوا له: نبايعك فمد يدك فإنه لا بد من أمير، فقال علي: ليس ذاك إليكم إنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليًّا، فقالوا: ما نرى أحدًا أحق بها منك فمد يدك نبايعك، فقال: أين طلحة والزبير؟ وكان طلحة أول من بايعه بلسانه وسعدٌ بيده، فلما رأى عليُّ ذلك صعد المنبر وكان أول من صعد إليه، فبايعه طلحة بيده، وكانت إصبع طلحة شلاء فتطير منها عليُّ وقال: ما أخلقه أن ينكث، ثم بايعه الزبير، وسعد، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا، ثم نزل فدعا الناس وطلب مروان وبني أبي معيط فهربوا منه.
وخرجت عائشة باكية تقول: قُتل عثمان رحمه الله، فقال لها عمار بن ياسر: عبد الملك، أنت بالأمس تحرضين عليه ثم أنت اليوم تبكينه، وجاء عليّ إلى امرأة عثمان فقال لها: من قتل عثمان -رحمه الله تعالى-؟ فقالمت: لا أدري، دخل عليه رجلان لا أعرفهما إلا أن أرى وجوههما، وكان معهما محمد بن أبي بكر، وأخبرت عليًّا والناس بما صنع محمد، فدعا عليُّ محمدًا فسأله عما ذكرت امرأة عثمان، فقال محمد: لم تكذب فقد دخلت والله عليه وأنا أريد قتله، فذكر أبي فقمت عنه وأنا تائب، والله ما قتلته ولا أمسكته، قالمت امرأة عثمان: صدق أدخلهما. (1)
(1) منكر. أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف (2/ 283)، وابن عدي في الكامل (6/ 256)، وابن شبة في تاريخ المدينة (4/ 1157)، العقيلي في الضعفاء (4/ 115)، تاريخ دمشق (39/ 415) كلهم من حديث هشام بن عمار عن محمد بن عيسى بن سميع عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن الزهري به. =