الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جمرة حتى يحرق لسانه، كان خيرًا له مما تأول على صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)
الوجه الرابع [*]: قوله: "لتتركن" أي: الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها
.
عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: (لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس). (2)
قل ابن كثير: وهذا محمول من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ، فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك (3).
وقد بينا مذهب عمر في ذلك. وأن هذا ليس خاصًا بأبي هريرة.
ثالثا: بالنسبة لقولهم إنه لما أصر أبو هريرة على الرواية، حبسه مع من كان يكثر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
-.
والرد على ذلك من وجوه.
الوجه الأول: في نسبة هذا الفعل إلى عمر رضي الله عنهم شك
.
عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال: بعث عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود، وإلى أبي الدرداء، وإلى أبي مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسهم بالمدينة حتى استشهد (4).
قال محمد عجاج: هؤلاء ثلاثة من جلة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتقاهم وأورعهم، هل
(1) نقض الإمام الدارمي على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله عز وجل من التوحيد (2/ 617: 632).
(2)
أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه 1/ 514، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (50/ 172) من طريق مروان بن محمد قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن السائب بن يزيد رجاله ثقات إلا أن سعيد بن عبد العزيز التنوخي قد اختلط ولا يدرى أسمع منه مروان قبل أم بعد الاختلاط. فالإسناد ضعيف.
(3)
البداية والنهاية 8/ 109.
(4)
أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل بين الراوي والواعي (1/ 553)، من طريق عبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، وأخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث (صـ 87) من طريق إسحاق بن موسى. كلاهما (عبد الله، إسحاق) عن معن بن عيسى، عن مالك بن أنس، عن عبد الله بن إدريس، عن شعبة بن الحجاج، عن سعد بن إبراهيم به. وسيأتي الكلام على الرواية في أصل المبحث.
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع «الثالث»
يعقل مَنْ مثل عمر بن الخطاب أن يحبسهم؟ وهل يكفي لحبسهم أنهم أكثروا من الرواية؟ .
إن المرء ليقف متسائلًا أمام هذا الخبر ويعتريه الشك فيه، وأن يتبادر إلى نفسه أن يتساءل عن الحد الذي يمكن أن يعرف به الإقلال والإكثار، وقد ناقش الإمام ابن حزم هذا وردَّه، وقال: هذا مرسل ومشكوك فيه من شعبة فلا يصح، ولا يجوز الاحتجاج به، ثم هو في نفسه ظاهر الكذب والتوليد؛ لأنه لا يخلو عمر من أن يكون اتهم الصحابة، وفي هذا ما فيه، أو يكون نهى عن نفس الحديث وعن تبليغ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين، وألزمهم كتمانها وجحدها وأن لا يذكروها لأحد، فهذا خروج عن الإسلام، وقد أعاذ الله أمير المؤمنين من كل ذلك، ولئن كان سائر الصحابة متهمين في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فما عمر إلا واحد منهم، وهذا قول لا يقوله مسلم أصلًا، ولئن كان حِسِبَهم وغيرهم متهمين لقد ظلمهم، فليختر المحتج لمذهبه الفاسد بمثل هذه الروايات الملعونة أي الطريقتين الخبيثتين شاء، ولا بد له من أحدهما.
ثم قال: إن عمر قد حدث بحديث كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى عنه خمسمائة حديث ونيف، على قرب موته من موت النبي صلى الله عليه وسلم، فهو كثير الرواية، وليس في الصحابة أكثر رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب، ألا بضعة عشر منهم فقط.
ولو سلمنا جدلًا بصحة الرواية فهناك خلاف في المحبوسين، فالذهبي يذكر ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري، بينما ذكر ابن حزم ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا ذر، فهل تكرر الحبس من عمر؟ ولو تكرر لاشتهر، ثم إن حادثة كهذه سيطير خبرها في الآفاق من غير أن تحتمل الشك في المحبوسين؛ لأنهم من أعيان الصحابة، ولو سلمنا أن العبرة في الحادثة نفسها من حيث حبسه بعض الصحابة، دون نظر إلى أعيانهم وأشخاصهم؛ لأنهم أكثروا الرواية، قلنا: قد كان غير هؤلاء أكثر منهم حديثًا، ولم يردنا خبر عن حبسهم، فلا يعقل أن يحبس أمير المؤمنين بعضًا دون بعض في قضية واحدة هم فيها سواء، وهي كثرة الحديث، معاذ الله أن يفعل هذا عمر رضي الله عنه.