الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشتم جيش معاوية بن أبي سفيان، مع حدوث القتال فيما بينهم.
ومما يدل على التلاحم الأخوي والتراحم الديني بين أمير المؤمنين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما مع ما كان بينهما من اختلاف اجتهادي - فقد كان معاوية كلما تذكر عليًا بعد استشهاده بكى على فقده وترحم عليه.
فعن الأصبغ بن نباتة قال: (دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فقال له: صف لي عليًا؟ قال: أو تعفيني؟ فقال: لا، بل صفه لي. قال ضرار: رحم اللَّه عليًا! كان واللَّه فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويقربنا إذا زرناه، لا يغلق له دوننا باب، ولا يحجبنا عنه حاجب، ونحن -واللَّه- مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته، فإذا تبسم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم.
فقال معاوية: زدني في صفته. فقال ضرار: رحم اللَّه عليًا كان -واللَّه- طويل السهاد، قليل الرقاد، يتلو كتاب اللَّه آناء الليل وأطراف النهار.
قال: فبكى معاوية وقال: حسبك يا ضرار! كذلك واللَّه كان عليّ، رحم اللَّه أبا الحسن).
هذا هو حال الإخوة في الزمن الماضي، لم يمنع اختلافهم في الاجتهاد من تراحمهم وخلو قلوبهم من الغل والبغضاء، والتاريخ خيرُ معين لفهم حوادث الزمن الماضي، بعيدًا عن أقوال مبناها عاطفة هوجاء تتقاذف بالمسلم في كل صوب، وليس له من بعد ذلك إلا زيغ الشيطان وشبهاته تتحكم به، والعياذ باللَّه. (1)
ثالثًا: ما عند النصارى من الاقتتال على حطام الدنيا وفيهم نبيهم وقد خذله بعضهم
.
1 -
ومن أعظم المخازي في ذلك أن يهوذا الإسخريوطي أحد أصحاب عيسى الاثنا عشر هو الذي أسلمه للصلب، وهذا في العهد الجديد ففي إنجيل (متى 10/ 4) قال وهو يعد أصحاب عيسى ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه.
وفي نفس الإنجيل (26/ 16: 14): حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ 15 وَقَالَ: "مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ
(1) من مقالة الثقلان في أولياء الرحمن. عبد اللَّه بن جوران الخضير.
إِلَيْكُمْ؟ " فَجَعَلُوا لَهُ ثَلَاثِينَ مِنَ الْفِضةِ. 16 وَمنْ ذلِكَ الْوَقْتِ كَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ.
ثم جاء فيه (26/ 25: 20): وَلَمَّا كَانَ المُسَاءُ اتَّكَأَ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 21 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ قَالَ: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي". 22 فَحَزُنوا جدًّا، وَابْتَدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُوُل لَهُ:"هَلْ أَنَا هُوَ يَارَبُّ؟ " 23 فَأَجَابَ وَقَالَ: "الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي! 24 إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ! ". 25 فَأَجَابَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ وَقَالَ: "هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟ " قَالَ لَهُ: "أَنْتَ قُلْتَ". ثم قال في كيفية القبض على المسيح (26/ 50: 47): وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ. 48 وَالَّذِي أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ عَلَامَةً قَائِلًا:"الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ". 49 فَلِلْوَقْتِ تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: "السَّلَامُ يَا سَيِّدِي! " وَقَبَّلَهُ. 50 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا جِئْتَ؟ " حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوْا الأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ.
2 -
ومن العجب في قصة يهوذا الإسخريطي هذا أن صلب المسيح لم يكفر عنه خطيئته مع أنه أسلم للصلب ليكفر خطايا بني آدم ولذلك شنق نفسه.
كما في إنجيل متى (27/ 7: 1): وَلمَّا كَانَ الصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْب عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ، 2 فَأَوْثَقُوهُ وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلَاطُسَ الْبُنْطِيِّ الْوَالِي.
3 حِينَئِذٍ لما رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلَاثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ 4 قَائِلًا:"قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا". فَقَالُوا: "مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ! " 5 فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. 6 فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا:"لَا يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الخزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ". 7 فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ.
3 -
ومن الفضائح والمخازي في ذلك ما فعله بطرس وهو من أصحاب المسيح فيما سطره
كتابهم حيث تبرأ منه حال كونه يحاكم قبل الصلب وحلف أنه لا يعرفه كما في إنجيل (متى 26/ 35: 31): حِينَئِذٍ قَالَ لهُمْ يَسُوعُ: "كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ. 32 وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ". 33 فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: "وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لَا أَشُكُّ أَبَدًا". 34 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ". 35 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: "وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لَا أُنْكِرُكَ! " هكَذَا قَالَ أَيْضًا جَمِيعُ التَّلَامِيذِ.
ثم تحققت النبوءة عند القبض على الرب كما يلي (26/ 75: 69): أَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ جَالِسًا خَارِجًا فِي الدَّارِ، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ جَارِيَة قَائِلَةً:"وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ الْجَلِيليِّ! ". 70 فَأَنْكَرَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ قَائِلًا: "لَسْتُ أَدْرِي مَا تَقُولينَ! ". 71 ثُمَّ إِذْ خَرَجَ إِلَى الدِّهْلِيزِ رَأَتْهُ أُخْرَى، فَقَالَتْ لِلَّذِينَ هُنَاكَ:"وَهذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ! " 72 فَأَنْكَرَ أَيْضًا بِقَسَمٍ: "إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ! " 73 وَبَعْدَ قَلِيل جَاءَ الْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: "حَقًّا أَنْتَ أَيْضًا مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ! " 74 فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: "إِنِّي لَا أَعْرِفُ الرَّجُلَ! " وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ. 75 فَتَذَكَرَ بُطْرُسُ كَلَامَ يَسُوعَ الَّذِي قَالَ لَهُ: "إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ". فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا.
قلت وماذا ينفعه بكاؤه وقد سلم إلهه ومعبوده فلمن يتوب؟
ثم يقال: أين هذا التصرف من قول خبيب بن عدي رضي الله عنه وهو مصلوب واللَّه ما أحب أن أكون معافى في أهلي ورسول اللَّه تصيبه شوكة في مكانه الذي هو فيه.
3 -
ومن العيوب اللاصقة بالجبين أمام كل ناظر هروب الأصحاب عند القبض على الرب فقد جاء في إنجيل متى 26/ 56 قوله بعد القبض على المسيح حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا.
قلت: حتى لو نهاهم عن القتال فما كان ينبغي لهم أن يتركوه ولو ماتوا معه، فالهرب في مثل هذا الموقف عار، فإن عثمان رضي الله عنه نهى المسلمين عن القتال وأقسم عليهم وقد ثبت معه في الدار جماعة.
4 -
ولم لا يفعلوا ذلك وقد عاتبوا امرأة ولاموها على أنها سكبت على رأسه قارورة طيب
وقالوا لها كان يمكن أن يباع بثمن غال كما في (متى 26/ 12: 6): وَفِيْمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، 7 تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طيبٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَكِئٌ. 8 فَلَمَّا رَأَى تَلَامِيذُهُ ذلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِيْنَ:"لِمَاذَا هذَا الإِتْلَافُ؟ 9 لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا الطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ". 10 فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: "لِمَاذَا تُزْعِجُونَ الْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلًا حَسَنًا! 11 لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 12 فَإِنَّهَا إِذْ سَكَبَتْ هذَا الطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي.
5 -
ثم هم يعتذرون عن تسليم المسيح وعن قتله بأن الكتب بشرت بذلك كما جاء في (متى 26: 56) وأما هذا كله، فقد كان لكي تكمل كتب الأنبياء حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا.
فلماذا يستنكرون قتل عثمان، وقد أخبر بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإذا كان قتل المسيح لتكتمل الكتب فقتل عثمان لتتحقق البشارة، فيكون قتله دليلًا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا خيرًا لكم.
6 -
تزعمون أن الصحابة اقتتلو على الخلافة وهى من أمر الدنيا فهل احتياج الرب إلى أتان من أمر الآخرة؟ (متى 21/ 11: 1): وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ فَاجِي عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، حِينَئِذٍ أَرْسَلَ يَسُوعُ تِلْمِيذَيْنِ 2 قَائِلًا لهُمَا:"اذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا، فَحُّلَاهُمَا وَأْتِيَاني بِهِمَا. 3 وَإِنْ قَالَ لكُمَا أَحَدٌ شَيْئًا، فَقُولَا: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَما. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُما". 4 فَكَانَ هذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: 5 "قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعًا، رَاكبًا عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ". 6 فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ وَفَعَلَا كَمَا أَمَرَهُمَا يَسُوعُ، 7 وَأَتَيَا بِالأَتَانِ وَالْجَحْشِ، وَوَضَعَا عَلَيْهِما ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا. 8 وَالْجَمْعُ الأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ. 9 وَالجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ:"أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي". 10 وَلمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: "مَنْ هذَا؟ " 11 فَقَالَتِ الجُمُوعُ: "هذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ".
قلت: ويلاحظ في هذا النص أمور منها:
1 -
أنه الرب في أول النص
2 -
أنه محتاج إلى أتان!
3 -
وفي آخر النص أنه النبيّ!
6 -
يستنكرون على الصحابة وقوع الفتنة في عهدهم على أيدي من ليس منهم ولا يستنكرون على ربهم -في زعمهم- نحو هذا، بل أشد كما في (متى 15/ 36: 34): لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلامًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلامًا بَلْ سَيْفًا. 35 فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36 وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ.
وبناءً على ذلك كانوا يسمون المجازر عقابًا وتأديبًا لبسط الهيبة وترويع الناس كانت سياسة الاجتياح المسيحي: أول ما يفعلونه عندما يدخلون قرية أو مدينة هو ارتكاب مجزرة مخيفة فيها. . مجزرة ترتجف منها أوصال هذه النعاج المرهفة).
وأنه كثيرًا ما كان يصف لك القاتل والمبشر في مشهد واحد فلا تعرف من تحزن: أمن مشهد القاتل وهو يذبح ضحيته أو يحرقها أو يطعمها للكلاب، أم من مشهد المبشر الذي تراه خائفًا من أن تلفظ الضحية أنفاسها قبل أن يتكرم عليها بالعماد فيركض إليها لاهثًا يجرجر أذيال جبته وغلاظته وثقل دمه لينصرها بعد أن نضج جسدها بالنار أو اغتسلت بدمها، أو التهمت الكلاب نصف أحشائها.
إن العقل الجسور والخيال الجموح ليعجزان عن الفهم والإحاطة، فإبادة عشرات الملايين من البشر في فترة لا تتجاوز الخمسين سنة هول لم تأت به كوارث الطبيعة. ثم إن كوارث الطبيعة تقتل بطريقة واحدة. أما المسيحيون الأسبان فكانوا يتفننون ويبتدعون ويتسلون بعذاب البشر وقتلهم. كانوا يجرون الرضيع من بين يدي أمه ويلوحون به في الهواء، ثم يخبطون رأسه بالصخر أو بجذوع الشجر، أو يقذفون به إلى أبعد ما يستطيعون. وإذا جاعت كلابهم قطعوا لها أطراف أول طفل هندي يلقونه، ورموه إلى أشداقها ثم أتبعوها بباقي الجسد. وكانوا يقتلون الطفل ويشوونه من أجل أن يأكلوا لحم كفيه وقدميه قائلين: إنها أشهى لحم الإنسان.
رأى لاس كازاس كل ذلك بعينيه، وأرسل الرسائل المتعددة إلى ملك أسبانيا يستعطفه ويسترحمه ويطالبه بوقف عذاب هؤلاء البشر. وكانت آذان الملك الأسباني لا تسمع إلا رنين الذهب. ولماذا يشفق الملك على بشر تفصله عنهم آلاف الأميال من بحر الظلمات ما دامت جرائم عسكره ورهبانه في داخل إسبانيا لا تقل فظاعة عن جرائم عسكره ورهبانه في العالم الجديد؟ كان الأسبان باسم الدين المسيحي الذي يبرأ منه المسيح عليه السلام يسفكون دم الأندلسيين المسلمين الذين القوا سلاحهم وتجردوا من وسائل الدفاع عن حياتهم وحرماتهم. وكان تنكيلهم بهم لا يقل وحشية عن تنكيلهم بهنود العالم الجديد. لقد ظلوا يسومون المسلمين أنواع العذاب والتنكيل والقهر والفتك طوال مائة سنة فلم يبق من الملايين الثلاثة الثلاثين (حسبما ذكر الكتاب) مسلم واحد كما ساموا الهنود تعذيبًا وفتكًا واستأصلوهم من الوجود. كانت محاكم التفتيش التي تطارد المسلمين وتفتك به ورجال التبشير الذين يطاردون الهنود ويفتكون بهم من طينة واحدة.
إن أحدًا لا يعلم كم عدد الهنود الذين أبادهم الأسبان المسيحيين ثمة من يقول إنه مائتا مليون، ومنهم من يقول إنهم أكثر. أما لاس كازاس فيعتقد أنهم مليار من البشر، ومهما كان الرقم فقد كانت تنبض بحياتهم قارة أكبر من أوروبا بسبعة عشر مرة، وها قد صاروا الآن أثرًا بعد عين.
أما المسيحيون فعاقبوهم بمذابح لم تعرف في تاريخ الشعوب. كانوا يدخلون على القرى فلا يتركون طفلًا أو حاملًا أو امرأة تلد إلا ويبقرون بطونهم ويقطعون أوصالهم كما يقطعون الخراف في الحظيرة. وكانوا يراهنون على من يشق رجلًا بطعنة سكين، أو يقطع رأسه أو يدلق أحشاءه بضربة سيف.
كانوا ينتزعون الرضع من أمهاتهم ويمسكونهم من أقدامهم ويرطمون رءوسهم بالصخور. أو يلقون بهم في الأنهار ضاحكين ساخرين. وحين يسقط في الماء يقولون: ((عجبًا إنه يختلج)). كانوا يسفدون الطفل وأمه بالسيف وينصبون مشانق طويلة ينظمونها مجموعة مجموعة كل مجموعة ثلاث عشر مشنوقًا، ثم يشعلون النار ويحرقونهم
أحياء. وهناك من كان يربط الأجساد بالقش اليابس ويشعل فيها النار.
كانت فنون التعذيب لديهم أنواعًا منوعة. بعضهم كان يلتقط الأحياء فيقطع أيديهم قطعًا ناقصًا لتبدو كأنها معلقة بأجسادهم، ثم يقول لهم:((هيا احملوا الرسائل)) أي: هيا أذيعوا الخبر بين أولئك الذين هربوا إلى الغابات. أما أسياد الهنود ونبلاؤهم فكانوا يقتلون بأن تصنع لهم مشواة من القضبان يضعون فوقها المذراة، ثم يربط هؤلاء المساكين بها، وتوقد تحتهم نار هادئة من أجل أن يحتضروا ببطء وسط العذاب والألم والأنين.
ولقد شاهدت مرة أربعة من هؤلاء الأسياد فوق المشواة. وبما أنهم يصرخون صراخًا شديدًا أزعج مفوض الشرطة الأسبانية الذي كان نائمًا (أعرف اسمه، بل أعرف أسرته في قشتالة) فقد وضعوا في حلوقهم قطعًا من الخشب أخرستهم، ثم أضرموا النار الهادئة تحتهم.
رأيت ذلك بنفسي، ورأيت فظائع ارتكبها المسيحيون أبشع منها. أما الذين هربوا إلى الغابات وذرى الجبال بعيدًا عن هذه الوحوش الضارية، فقد روض لهم المسيحيون كلابًا سلوقية شرسة لحقت بهم، وكانت كلما رأت واحدًا منهم انقضت عليه ومزقته وافترسته كما تفترس الخنزير. وحين كان الهنود يقتلون مسيحيًا دفاعًا عن أنفسهم كان المسيحيون يبيدون مائة منهم لأنهم يعتقدون أن حياة المسيحي بحياة مائة هندي أحمر.
وشهد شاهد من أهلها. . . كما يقولون. .
ألم تذكرنا هذه الفظاعات والوحشية بما حصل في البوسنة والشيشان؟ من وراء ذلك كله أليسوا هم دعاة المسيحية الذين يتشدقون بالحرية والإنسانية والمساواة والعدالة؟ ويتهمون الإسلام بالإرهاب؟
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم (1)
7 -
بولس يعترف أنه كذاب! !
فهو القائل: ((وَلكِنْ، إِنْ كَانَ كَذِبِي يَجْعَلُ صِدْقَ اللَّهِ يَزْدَادُ لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ
(1) هذا الكتاب من تأليف المطران برتولومي دي لاس كازاس. ترجمة سميرة عزمي الزين. من منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية. لمن أراد أن يستزيد فالكتاب ملىء بالفضائح التي تقشعر لها الأبدان.
بِاعْتِبَارِي خَاطِئًا؟ )) [رومية 3: 7].
أنه ينشر دين اللَّه بالكذب والطرق الملتوية، وهذا هو حال المبشرين اليوم.
أما نحن فأصحاب نبينا كلهم عدول بفضل اللَّه على أمة الإسلام.
8 -
بولس يعترف أنه إنسان تعيس ولا يسكن في جسده الصلاح!
يقول في رسالته إلي أهل روما (7: 15 - 24): ((فَإِنَّ مَا أَفْعَلُهُ لَا أَمْلِكُ السَّيْطَرَةَ عَلَيْهِ: إِذْ لَا أُمَارِسُ مَا أُرِيدُهُ، وَإِنَّ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَعْمَلُ. 16 فَمَا دُمْتُ أَعْمَلُ مَا لَا أُرِيدُهُ، فَإِنِّي أُصَادِقُ عَلَى صَوَابِ الشَّرِيعَةِ. 17 فَالآنَ، إِذَنْ، لَيْسَ بَعْدُ أَنَا مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ، بَلِ الْخَطِيئَةُ الَّتِي تَسْكُنُ فِيَّ. 18 لأَنَّنِي أَعْلَمُ أَنَّهُ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، لَا يَسْكُنُ الصَّلَاحُ: فَأَنْ أُرِيدَ الصَّلَاحَ ذَلِكَ مُتَوَفِّرٌ لَدَيَّ؛ وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَهُ، فَذَلِكَ لَا أَسْتَطِيعُهُ. 19 فَأَنَا لَا أَعْمَلُ الصَّلَاحَ الَّذِي أُرِيدُهُ؛ وَإِنَّمَا الشَّرُّ الَّذِي لَا أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أُمَارِسُ. 20 وَلكِنْ، إِنْ كَانَ مَا لَا أُرِيدُهُ أَنَا إِيَّاهُ أَعْمَلُ، فَلَيْسَ بَعْدُ أَنَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، بَلِ الْخَطِيئَةُ الَّتِي تَسْكُنُ فِيَّ. 21 إِذَنْ، أَجِدُ نَفْسِي، أَنَا الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ مَا هُوَ صَالِحٌ، خَاضِعًا لِهَذَا النَّامُوسِ: 22 أَنَّ لَدَيَّ الشَّرَّ. فَإِنَّنِي، وَفْقًا لِلإِنْسَانِ الْبَاطِنِ فِيَّ، أَبْتَهِجُ بِشَرِيعَةِ اللَّه. 23 وَلكِنَّنِي أَرَى فِي أَعْضَائِي نَامُوسًا آخَرَ يحارِبُ الشَّرِيعَةَ الَّتِي يُرِيدُهَا عَقلي، وَيَجْعَلُنِي أَسِيرًا لِنَامُوسِ الخطِيئَةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. فَيَا لِي مِنْ إِنْسَانٍ تَعِيسٍ! ))
إن هذا الكلام الذي قاله بولس يتعارض مع ما قال يوحنا في رسالته الأولى: ((كل من هو مولود من اللَّه لا يفعل خطيةٍ، لأَنَّ طَبِيعَةَ اللَّه صَارَتْ ثَابِتَةً فِيهِ. بَلْ إِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمَارِسَ الْخَطِيئَةَ، لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللَّه. 10 إِذَنْ، هَذَا هُوَ الْمِقِيَاسُ الَّذِي نُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ أَوْلَادِ اللَّهِ وَأَوْلَادِ إِبْلِيسَ.)) (رسالة يوحنا الأَولى 3: 9).
وللمزيد انظر: فصل تحريف الكتاب المقدس من هذه الموسوعة.
* * *