الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: الأحاديث الصحيحة في موقف علي رضي الله عنه.
ثالثًا: الأحاديث الصحيحة في موقف سائر الصحابة رضي الله عنهم.
الوجه الرابع: أن الروايات التي تُدين الصحابة في هذه القضية تدور بين الكذب، وأفراد عائلته، وأبناء عمومته، فلا يجوز قبولها لا في هذا الأمر ولا في غيره، وهذا كسابقه في تفصيل عناصره.
الوجه الخامس: أن ما صح عن هؤلاء أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه يدل على خلاف هذا.
الوجه السادس: أن قتل عثمان أمرٌ قدره الله، وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأدلة على صدق نبوته.
وبيان ذلك مفصلًا كما يلي:
الوجه الأول: أسباب الفتنة في قتل عثمان رضي الله عنه
-:
اولًا: أثر السبئية في أحداث الفتنة (عبد الله بن سبأ): في كتب التاريخ الإسلامي -المصادر القديمة- روايات مختلفة من نشاط سري لأفراد وجماعات من الموالي أظهروا الإسلام وأخفوا معتقداتهم القديمة بغية تحطيم الدولة الإسلامية من داخلها، وإثارة الفتنة والفرقة بين المسلمين وذلك ببث العقائد الفاسدة، ونشر الإشاعات بدوافع نفسية أو عرفية، بعدما عجزت تلك الفئات عن مجابهة المسلمين في العلن، وكان اليهود في مقدمة هؤلاء نظرًا لحقدهم المكين على المسلمين والإسلام، وقد لعب عبد الله بن سبأ الدور الفعال في إشعال هذه الفتنة، والذي تنتمي إليه هذه الفرقة السبئية في تحريك الفتنة، وفي تهييجها، وهو يهودي من صنعاء أظهر إسلامه في زمن عثمان بن عفان وأشتهر أكثر من غيره لأنه أسلم متأخرًا وظهر له نشاط ملحوظ في الشام والعراق ومصر خاصة، كما ظهر مع الخوارج والناقمين برسم خطط ويدلي بآراء هدامة، وخلاصة ما جاء به أن أتى بمقدمات صادقة وبني عليها مبادئ فاسدة راحت لدى السذج والغلاة وأصحاب الأهواء من الناس وقد سلك في ذلك مسالك ملتوية لبس فيها على من حوله حتى اجتمعوا عليه فطرق باب القرآن يتأوله على زعمه الفاسد، حتى ادعى رجعة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ادعى طريقة القياس الفاسد في ادعاء إثبات الوصية بعلي رضي الله عنه، ولما استقر الأمر في قلوب أتباعه انتقل إلى هدفه المرسوم وهو خروج الناس على عثمان رضي الله عنه بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي بظاهره
الرحمة وباطنه العذاب، وقام بزعمه على أن يعطي الحق لعلي رضي الله عنه، ويأخذه من عثمان، وقد ركز عبد الله بن سبأ في حملته هذه على الأعراب الذين وجد منهم مادة ملائمة لتنفيذ خطته، أخذ يروج أسبابًا للخروج على عثمان (1).
وقد استقر عبد الله بن سبأ في مصر وأخذ ينظم حملته ضد عثمان رضي الله عنه وحث الناس على التوجه إلى المدينة لإثارة الفتنة بدعوى أن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، وقد اعتبر الإمام الذهبي عبد الله بن سبأ هو المهيج للفتنة بمصر وباذر بذور الشقاق والنقمة على الولاة ثم على الإمام عثمان رضي الله عنه.
ويروي ابن كثير أن من أسباب تألب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ وذهابه إلى مصر، وإذاعته بين الناس كلامًا اخترعه من عند نفسه، وعند المقريزي أن ابن سبأ هو (المثير للفتنة المنتهية بقتل عثمان رضي الله عنه) وبهذا يظهر أن ابن سبأ هو السبب الرئيسي في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه. (2)
ثانيًا: أثر الأعراب في إحداث الفتنة: فقد انضم إفى عبد الله سبأ (السبئية) عنصر الأعراب الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم، وهم من قبائل مختلفة وهم أصناف:
1 -
صنف حَسُن إسلامه، وكان مُؤلفًا لقوله تعالى:{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)} [التوبة: 99].
2 -
وصنف آخر دخلوا في الإسلام خوفًا ونفاقًا وطمعًا في الغنائم، ويندرج هؤلاء تحت قوله تعالى:{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)} .
3 -
أما الصنف الثالث فقد تعبد عبادة شديدة، وترك الدنيا كل الترك وتمسك
(1) هذه الأسباب سيأتي ذكرها والرد عليها.
(2)
تحقيق موقف الصحابة في الفتنة (1/ 339: 325) ملخصًا، ويراجع تاريخ الطبري (3/ 647) وما بعدها وفتنة مقتل عثمان للغبان (127/ 1) وما بعدها.
بالإسلام تمسكًا تلازمه الشدة والتعصب للرأي، والغلو في الدين وتأويل النصوص تأويلًا يناسب مزاجهم، لا يفهمون من الأمور إلا ظواهرها، وهؤلاء هم الفرار سلف الخوارج، ولقد استخدم عبد الله كلًّا من الصنفين الأخيرين فخرجوا معه بدون علم، وبهذه المظاهر التي تظاهر بها عبد الله بن سبأ (1).
ثالثًا: طبيعة التحول الاجتماعي في عهد عثمان رضي الله عنه.
لقد شهدت خلافة عثمان رضي الله عنه تطورات خطيرة في حياة الدولة الإسلامية فقد حكم عثمان الدولة الإسلامية بعد أن تحولت من دولة محددة النطاق تقوم في المدينة المنورة، وتحكم شبة جزيرة العرب، إلى دولة عالمية يمتد سلطانها ليشمل إلى ذلك مماليك الطرق والشام ومصر وإفريقية وأرمينية وبلاد فارس، وبعضًا من جزر البحر الأبيض المتوسط، وقد ظهر نتيجة هذا التحول في طبيعة الدولة وأجناس الخاضعين لها والمنتمين إلى دينها جيل جديد من المسلمين يعتبر في مجموعة أقل من الجيل الأول الذي حمل على كتفيه عبء بناء الدولة وإقامتها، فقد تميز الجيل الأول من المسلمين بقوة الإيمان والفهم السليم لجوهر العقيدة الإسلامية والاستعداد التام لإخضاع النفس لنظام الإسلام المتمثل في القرآن والسنة، وكانت هذه المميزات أقل ظهورًا في الجيل الجديد الذي وجد نتيجة للفتوحات الواسعة وظهرت فيه المطامع الفردية وبعثت فيه العصبية، والأقوام وهم يحملون رواسب كثيرة من رواسب الجاهلية التي كانوا عليها، ولم ينالوا من التربية الإسلامية على العقيدة الصحيحة السليمة مثل ما نال الرعيل الأول من الصحابة، فلهذا كان التحول له أثر في الفتنة حيث إنهم يميلون مع العواطف والشائعات بدون تثبيت في الأحكام (2).
رابعًا: مجيء عثمان رضي الله عنه بعد عمر رضي الله عنه، واختلاف الطبع بينهما؛
فقد كانت معاملة عثمان للرعية بخلاف معاملة عمر رضي الله عنه، فقد كان عمر- رضي الله عنه قوي الشكيمة، شديد المحاسبة لنفسه ولمن تحت يده، وقد كان عثمان ألين طبعًا وأرق في
(1) تحقيق موقف الصحابة في الفتنة (1/ 340) وما بعدها ملخصًا.
(2)
تحقيق موقف الصحابة في الفتنة (1/ 355) وما بعدها ملخصًا.