الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - أخلاق عائشة مع زينب بنت جحش رضي الله عنهما
-
هذه الشبهة تتعلق بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش وما ترتب على ذلك من أخلاق لعائشة معها بعد وقوع المنافسة بينهما على قلب النبي صلى الله عليه وسلم حيث زعموا أن زواج زينب أحدث صراعًا بين عائشة وزينب مما يدل على سوء أخلاق السيدة عائشة رضي الله عنها.
والرد على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: ذكر الآية وبيان الصحيح من كلام المفسرين عليها
.
الوجه الثاني: موقف عائشة رضي الله عنها ليلة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب.
الوجه الثالث: ثناء عائشة رضي الله عنها على زينب.
الوجه الرابع: إخبار عائشة رضي الله عنها عن زينب أنها تسارع في الخير.
الوجه الخامس: براءتها من الوقوع في عرض السيدة عائشة في قصة الإفك وثناء عائشة عليها.
الوجه السادس: إخبار عائشة رضي الله عنها أن زينب كانت تكرم النبي صلى الله عليه وسلم في نوبة غيرها وتسقيه عسلًا.
الوجه السابع: إخبار عائشة رضي الله عنها عن زينب بأنها كانت تعمل وتتصدق.
وإليك التفصيل.
الوجه الأول: ذكر الآية وبيان الصحيح من كلام المفسرين عليها.
1 -
عن علي بن الحسين: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدًا يطلق زينب وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب وأنها لا تطيعه، وأعلمه أنه يريد طلاقها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية:"اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك"، وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها هو، وهذا هو الذي أخفى في نفسه ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم أنه سيتزوجها، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد، وهو مولاه وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر، من
أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له بأن قال: أمسك مع علمه بأنه يطلق (1)، وأعلمه أن الله أحق بالخشية: أي في كل حال، قال علماؤنا -رحمة الله عليهم-: وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين كالزهري، والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي، وغيرهم. والمراد بقوله تعالى:{وَتَخْشَى النَّاسَ} إنما هو إرجاف المنافقين؛ بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه، فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد، وربما أطلق بعض المُجَّان لفظ عشق فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا، أو مستخف بحرمته، قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأسند إلى علي بن الحسين قوله: فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرًا من الجواهر، ودررًا من الدرر، أنه إنما عتب الله عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك، فكيف قال بعد ذلك لزيد: أمسك عليك زوجك؟ وأخذتك خشيةُ الناس أن يقولوا: تزوج امرأة ابنه والله أحق أن تخشاه. اهـ. (2)
ومن خلال هذا يبدو أن السبب في طلاق زيد لزينب ومن ثم زواج النبي صلى الله عليه وسلم منها: هو ما كان بين زيد وبين زينب من خلافات، وأنه لم يكن بينهما وئام يؤمل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما، فطلقها بمحض اختياره ورغبته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاه عن ذلك، وقد كان الله عز وجل قد أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيذا سيطلق زينب، وأنها ستكون زوجة له، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يخفي هذا، ويخشى من مقولة الناس أنه تزوج مطلقة مَنْ كان يُدْعَى إليه، فعاتبه ربه على ذلك. (3)
(1) ذكره ابن كثير في التفسير بإسناد أبي حاتم فقال: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق، حدثنا ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان قال: سألني علي بن الحسين ما يقول الحسن في قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} ؟ فذكرت له فقال: لا، ولكن الله تعالى أعلم نبيه
…
إلخ. وفي هذا الإسناد إلى عليِّ بن الحسين عليُّ بن زيد بن جدعان وهو ضعيف فيه تشيع، وقال ابن عدي: كان يغلوا في التشيع ومع ضعفه يكتب حديثه. تهذيب التهذيب (5446).
(2)
تفسير القرطبي (14/ 166).
(3)
تفسير الطبري (22/ 11)، وتفسير ابن كثير (3/ 489)، وانظر البخاري (4787).
2 -
فإن قيل لأي معنى قال له: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وقد أخبره الله أنها زوجه؟ قلنا: أراد أن يختبر منه ما لم يُعلِمْه الله من رغبتِه فيها أو رغبتِه عنها، فعلم نفرة زيد عنها من جوابه له.
فإن قيل: كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه، وهذا تناقض؟
قلنا: بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان وقد علم أنه لا يؤمن؟ فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلًا وحكمًا وهذا من نفيس العلم فتيقنوه وتقبلوه. (1)
3 -
وقوله تعالى: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} أي: إنما أبحنا لك تزويجها، وفعلنا ذلك لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة رضي الله عنه فكان يقول له: زيد بن محمد، فلما قطع الله تعالى هذه النسبة بقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} ثم زاد ذلك بيانًا وتأكيدًا بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها لما طلقها زيد بن حارثة رضي الله عنه ولهذا قال تعالى في آية التحريم {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} ليحترز من الابن الدعي فإن ذلك كان كثيرًا فيهم وقوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} أي: وكان هذا الأمر الذي وقع قد قدره الله تعالى وحتمه وهو كائن لا محالة، كانت زينب رضي الله عنها في علم الله ستصير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى:{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} أي: فيما أحل له وأمره به من تزويج زينب رضي الله عنها التي طلقها دعيه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وقوله تعالى:{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أي: هذا حكم الله تعالى في الأنبياء قبله لم يكن ليأمرهم بشيء وعليهم في ذلك حرج، وهذا رد على من توهم من المنافقين نقصًا في تزويجه امرأة زيد مولاه ودعيه الذي
(1) تفسير القرطبي (14/ 166).