الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثامن: أن معاوية إمام مجتهد وكان يرى صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل، وغاية ما في الأمر أن يكون أخطأ، أو أصاب.
الوجه التاسع: شهادة محمد بن علي ليزيد بحسن السيرة.، وما ورد عن ابن عمر في بيعته.
الوجه العاشر: بطلان الروايات التي تقول: بأنه سكيرًا خميرًا.
الوجه الحادي عشر: بطلان الروايات التي تقول بأن معاوية كان صاحب هوى في يزيد.
الوجه الثاني عشر: أن دولة معاوية رضي الله عنه لم تقم على الظلم، وتعطيل الشرع كما ادعى البعض.
الوجه الثالث عشر: أن معاوية رضي الله عنه كغيره من الصحابة ليس معصومًا من الخطأ وهذه الأمور التي وقعت من يزيد كشرب الخمر وغيره -على فرض صحتها- لم يكن أبوه يعلم بها.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: أن تولية يزيد أمر قدري وهو من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم
-
وبيان ذلك أنه ما من شيء يقع إلا بقدر كما قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} (القمر: 49) وتولية يزيد بهذا الشكل، وما ترتب عليه من خلاف، وما ترتب على هذا الخلاف من حوادث عظيمة لا شك أنه من المصائب التي أصابت الأمة، وكما هو معلوم أن التعويل على القدر يكون في المصائب لا في المعائب وفي ذلك أدلة منها:
1 -
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا، وكذا، ولكن قل قدر الله، وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان". (1).
وفي لفظ: "فإن غلبك أمر فقل قدر الله، وما شاء صنع، وإياك، واللو فإن اللو يفتح من الشيطان"(2).
(1) أخرجه مسلم (2664).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 366).
فنحن لا نشغل أنفسنا بلوم معاوية على أمر قدره الله عز وجل، وقد وقع فيه معاوية باجتهاد لا بهوى.
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم، وموسى فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك برسالاته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى مرتين". (1)
وآدم عليه السلام إنما حج موسى لأن موسى لامه لما أصابه من المصيبة، لم يلمه لحق الله تعالى في الذنب فإن آدم تاب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له بل قال له: بماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة قال: تلومني على أمر قدره الله على قبل أن أخلق بأربعين سنة فحج آدم موسى، وكذا يؤمر كل من أصابه مصيبة من جهة أبيه، وغيره أن يسلم لقدر الله كما قال تعالى {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ، قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى، ويسلم. (2)
والإنسان ليس مأمورًا أن ينظر إلى القدر عند ما يؤمر به من الأفعال، ولكن عندما يجرى عليه من المصائب التي لا حيلة له في دفعها، فما أصابك بفعل الآدميين أو بغير فعلهم أصبر عليه وارض وسلم قال تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (التغابن: 11). (3)
وكذلك نحن نسلم في هذا الأمر لقدر الله عز وجل كما سلم جمهور الصحابة، وأما معاوية رضي الله عنه فلو سلم أن ما فعل خطأ محض لكانت مصيبة كما قدمنا، وعذره فيها كعذر آدم عليه السلام.
(1) أخرجه البخاري (3228).
(2)
مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله (2/ 108).
(3)
مجموع الفتاوى (8/ 178).
وإذا كان آدم قد تاب.، وتاب الله عليه الله واجتباه: فإن معاوية رضي الله عنه لو صح عنده ما ينسب إلى يزيد ما فعل ولو فرض أنه عاش ورأى ما حدث في أيامه واستطاع عزله لعزله وهذا ما نظنه بمعاوية رضي الله عنه.
وواضح أيضا من هذا الحديث أن آدم احتج بالقدر على المصيبة لا على المخالفة لأن موسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم على ذنب قد تاب منه فاعله فاجتباه ربه بعده وهداه واصطفاه وآدم أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته بل إن ملام موسى لآدم لم يكن لحق الله، وإنما كان لما لحقه وغيره من الآدميين من المصيبة بسبب ذلك الفعل فذكر له آدم أن هذا كان أمرًا مقدرًا لا بد من كونه، والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب أي أتلومني على مصيبة قدرت علي وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا والمصائب التي تصيب العباد يؤمرون فيها بالصبر، فإنَّ هذا هو الذي ينفعهم، وأما لومهم لمن كان سببًا فيها فلا فائدة لهم في ذلك وكذلك ما فاتهم من الأمور التي تنفعهم يؤمرون في ذلك بالنظر إلى القدر، وأما التأسف والحزن فلا فائدة فيه فما جرى به القدر من فوت منفعة لهم أو حصول مضرة لهم فلينظروا في ذلك إلى القدر وأما ما كان بسبب أعمالهم فليجتهدوا في التوبة من المعاصي والإصلاح في المستقبل فإن هذا الأمر ينفعهم وهو مقدور لهم بمعونة الله لهم (1) ونفس هذا الكلام نحن نقول به في معاوية رضي الله عنه.
وأيضا فإن الاحتجاج بالقدر بعد رفع اللوم جائز.
قال ابن القيم رحمه الله: الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع، ويضر في موضع، ويضر في موضع فينفع إذا احتج به بعد وقوعه، والتوبة منه، وترك معاودته كما فعل آدم فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد، ومعرفة أسماء الرب وصفاته، وذكرها ما ينتفع به الذاكر، والسامع لأنه لا يدفع بالقدر أمرًا ولا نهيًا، ولا يبطل به شريعة بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة يوضحه أن آدم قال لموسى أتلومني على أن عملت عملًا كان مكتوبا علي قبل أن أخلق فإذا أذنب الرجل ذنبا ثم تاب منه توبة وزال أمره حتى
(1) مجموع الفتاوى (10/ 505)، وشفاء العليل صـ (17، 18).
كأن لم يكن فأنَّبه مؤنِّب عليه ولامه، حسن منه أن يحتج بالقدر بعد ذلك ويقول هذا أمر كان قد قدر على قبل أن أخلق فإنه لم يدفع بالقدر حقا، ولا ذكره حجة له على باطل ولا محذور في الاحتجاج به، وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل بأن يرتكب فعلا محرمًا أو يترك واجبًا فيلومه عليه لائم فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره فيبطل بالاحتجاج به حقًّا ويرتكب باطلًا كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم غير الله فقالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا،
…
ثم قال: ونكتة المسألة أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعا فالاحتجاج بالقدر باطل. (1)
ونحن نقول إن اللوم مرفوع عن معاوية من وجهين:
الأول: أنه مجتهد لم يعلم أنه أخطأ ولو علم لرجع.
الثاني: أنه مات فما فائدة اللوم بعدما مات؟ فلم يكن أمامنا إلا التسليم بالقدر.
3 -
ومما يؤكد أن الأمر قدري ولابد من حدوثه إخبار النبي صلى الله عليه وسلم به على وجه العموم كما في حديث سفينة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء أو ملكه من يشاء". (2)
وعن النعمان بن بشير قال صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا
(1) شفاء العليل (18).
(2)
صحيح. أخرجه أبو داود (4647) من طريق العوام بن حوشب و (4646) من طريق عبد الوارث بن سعيد، والترمذي (2226)، وأحمد (5/ 221)، والطيالسي في مسنده (1017) من طريق حشرج بن نباتة، وابن الجعد في مسنده (3323) عن حماد بن سلمة، ومن طريقه ابن حبان (15/ 392) جميعهم عن سعيد بن جهمان عن سفينة به. وسعيد بن جهمان: قال ابن معين، وأبو داود، وأحمد: ثقة.، وقال النسائي: لا بأس به.