الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لِأَقُومَ، فَقَالَ:"عَلَى مَكَانِكُمَا". فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ:"أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ"(1).
وأما ما جرى بين الصديق وبين فاطمة رضي الله عنها بخصوص مسألة الميراث:
وهو ما روت عائشة أن فاطمة أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفاءَ اللَّه عَلَيْهِ بالمُدِينَةِ وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا المُالِ وَإِنِّي وَاللَّه لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم عنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ شَيْئًا فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ قَالَ فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا عَليٌّ، وَكَانَ لِعَليٍّ مِنْ النَّاسِ وِجْهَةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عِليٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُر، فأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ كَرَاهِيةَ مَحْضَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: وَاللَّه لَا تَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْر: وَمَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي إِنِّي وَاللَّه لَآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّه وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّه إِلَيْكَ وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ وَكُنَّا نَحْنُ نَرَى لَنَا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهَا عَنْ الْحَقِّ وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ، فَقَالَ عَليٌّ لِأَبِي بَكْر: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةُ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ صلى الله عليه وسلم عَلَى المنْبَرِ، فتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ
(1) صحيح البخاري (3705) ومسلم (2727).
الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عِليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّه بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا أَصَبْتَ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَليٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ المَعْرُوفَ. (1)
ففي هذا الحديث مسائل لا تخلو من إشكالات:
1 -
هل يجوز لفاطمة أن تهجر أبا بكر على قطعة أرض تسببت في هجر المسلمين بعضهم لبعض طوال قرون؟ ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيام؟ فمن كان أكثر طاعة؟ ! أبو بكر الذي منعه حديث "وإن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا" أم فاطمة؟ أم أن الأمر متعلق بامتناع فاطمة عن تكليم عمر في شأن أرض فدك؟
فإن لفظ الحديث الذي رواه معمر عن الزهري الذي فيه (فهجرته فاطمة. . فوقع عند عمر بن شبه من وجه آخر عن معمر ونصه: (فلم تكلمه في ذلك المال) ليس فيه لفظ هجران ولا غضب ولا غيره.
وكذا نقل الترمذي عن بعض مشايخه أن معنى قول فاطمة لأبي بكر وعمر: (لا أكلمكما) أي: في هذا الميراث. (2)
قلت: وهذا شبيه بقولها رضي الله عنها في قصة عائشة مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم (واللَّه لا أكلمه فيها أبدًا) فلا يفهم من هذا أنها خاصمت النبي صلى الله عليه وسلم.
2 -
بينت روايات خارج البخاري (3) (فغضبت فاطمة وهجرته ولم تكلمه حتى ماتت.
إلخ الكلام الطويل: أنه مدرج من كلام الزهري وليس من نص الحديث. وقد نص البيهقي على أن الزهري أدرج في هذا الحديث.
3 -
وذكر أن البيهقي روى من طريق الشعبي بسنده أنه قال: لما مرضت فاطمة أتاها
(1) البخاري (3712)، ومسلم (1759)، واللفظ له.
(2)
ذكر ذلك كله ابن حجر في الفتح (6/ 202).
(3)
البيهقي (6/ 300).
أبو بكر الصديق، فاستأذن عليها، فقال علي: يا فاطمة، هذا أبو بكر الصديق يستأذن عليك؟ فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له فدخل عليها يترضاها، فقال: واللَّه ما تركت الدار والمال، والأهل والعشيرة، إلا ابتغاء مرضاة اللَّه، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت. (1)
قال ابن كثير رحمه الله: وهذا إسناد جيد قوي والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي. (2)
قال الحافظ ابن حجر: إسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة على هجر أبي بكر. (3)
فائدة حديثية: اتفق المحدثون على أن مراسيل الزهري واهية شبه الريح (4)، وباتفاقهم أن مراسيل الشعبي أقوى من ذلك، فمن أراد أن يحتج بمرسل الزهري لزمه الاحتجاج بمرسل الشعبي من باب الأولى، مع أن مرسل الزهري لم يثبت أصلًا.
وحديث عائشة في البخاري (أن فاطمة ماتت وهي غاضبة عليه) لا ينافي هذا الحديث فإن عائشة رضي الله عنها حدثت بما علمت وبحسب علمها ومعرفتها وفي رواية الشعبي زيادة علم وثبوت زيارة أبي بكر لها وكلامها له ورضاها عنه.
وهنا قاعدة مهمة عند أهل الأصول: وهي أن عائشة نفت، والشعبي أثبت، والقول المثبت مقدم على القول المنفي؛ لأن احتمال الثبوت حصل بغير علم النافي، وكذلك كيف يغيب عن فاطمة قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".
ولذلك قال القرطبي: ثم إنها أي فاطمة لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول اللَّه
(1) السنن الكبرى للبيهقي (6/ 301).
(2)
البداية والنهاية (5/ 253).
(3)
فتح الباري (6/ 202).
(4)
تدريب الراوي (1/ 205).
-صلى الله عليه وسلم ولملازمتها بيتها، فعبر الراوي عن ذلك بالهجران. (1)
وهناك أمر مهم -يفضل تذكره- وهو أنّ أبا بكر رضي الله عنه كان في خلافته يحمل على كتفه الحسن رضي الله عنه، وهو يضحك ويقول: بأبي شبيه النبيّ وليس شبيها بعليّ، وكان عليّ يراهما ويضحك سرورًا.
كما رواه أحمد عن عمر بن سعيد عن ابن أبي مليكة أخبرني عقبة بن الحرث قال: (خرجت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه من صلاة العصر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بليال وعلي رضي الله عنه يمشي إلى جنبه فمر بحسن بن علي يلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته وهو يقول:
وابأبي شبه النبي
…
ليس شبيهًا بعلي
قال: وعلي يضحك. (2)، ولا يعقل أن يستطيب علي هذا من أبي بكر وفاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم غاضبة من أبي بكر وساخطة عليه.
والأولى أن يفهم من الحديث ثبات أبي بكر على طاعة رسول اللَّه، وقد كان ذلك من أثقل الفتن عليه. فإن فاطمة كانت أحب إليه من ولده. ولكن طاعة أبيها أولى.
ولقد كان علي يعلم بهذا الحديث الذي احتج أبو بكر به. ففي صحيح مسلم أن عمر قال لعلي والعباس: اتئدا. أنشدكم باللَّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث. ما تركنا صدقة" قالوا: نعم. ثم أقبل على العباس وعليّ فقال: أنشدكما باللَّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمان أن رسول اللَّه قال: "لا نورث. ما تركناه صدقة" قالا: نعم) اهـ. (3)
وقد قال بعض الأئمة: إنما كانت هجرتها انقباضًا عن لقائه والاجتماع به، وليس ذلك من الهجران المحرم لأن شرطه أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا، وكأن فاطمة رضي الله عنها لما خرجت غضبى من أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها، وأما سبب غضبها مع احتجاج
(1) المفهم على مسلم (12/ 73).
(2)
مسند أحمد (1/ 8)، وهو صحيح على شرط البخاري.
(3)
مسلم (1757).