الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عثمان رضي الله عنه.
قال ابن العربي:
أما خروجهم إلى البصرة فصحيح لا إشكال فيه، ولكن لأي شيء خرجوا لم يصح فيه نقل ولا يوثق فيه بأحد؛ لأن الثقة لم ينقله وكلام المتعصب غير مقبول وقد دخل مع المتعصب من يريد الطعن في الإسلام واستنقاص الصحابة.
فيحتمل أنهم خرجوا خلعًا لعلي لأمر ظهر لهم وهو أنهم بايعوا لتسكين الثائرة وقاموا يطلبون الحق، ويحتمل أنهم خرجوا ليتمكنوا من قتلة عثمان، ويمكن أنهم خرجوا لينظروا في جمع طوائف المسلمين وضم تشردهم وردهم إلى قانون واحد حتى لا يضطربوا فيقتتلوا وهذا هو الصحيح لا شيء سواه بذلك وردت صحاح الأخبار، فأما الأقسام الأول فكلها باطلة وضعيفة:
أما بيعتهم كرهًا فباطل وقد بيناها، وأما خلعهم فباطل؛ لأن الخلع لا يكون إلا بنظر من الجميع فيمكن أن يولى واحد أو اثنان ولا يكون الخلع إلا بعد الإثبات والبيان.
وأما خروجهم في أمر قتلة عثمان فيضعف، لأن الأصل قبله تأليف الكلمة ويمكن أن يجتمع الأمران. ويروى أن تغيبهم قطعًا للشغب بين الناس فخرج طلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم رجاء أن يرجع الناس إلى أمهم فيرعوا حرمة نبيهم واحتجوا عليها بقول اللَّه تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (النساء: 114)، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح وأرسل فيه، فرجت المثوبة، واغتنمت الفرصة، وخرجت حتى بلغت الأقضية مقاديرها، وأحس بهم أهل البصرة فحرض من كان بها من المتألبين على عثمان الناس، وقالوا: اخرجوا إليهم حتى تروا ما جاءوا إليه فبعث عثمان بن حنيف حكيم بن جبلة فلقي طلحة والزبير بالزابوقة فقتل حكيم، ولو خرج مسلمًا مستسلمًا لا مدافعا (1) لما أصابه شيء، وأي خير كان له في المدافعة؟ وعن أي شيء كان يدافع وهم ما جاءوا مقاتلين ولا ولاة، وإنما ساعين في الصلح
(1) أي مقاتلًا.
راغبين في تأليف الكلمة؟ فمن خرج إليهم ودافعهم وقاتلهم دافعوا عن مقصدهم كما يفعل في سائر الأسفار والمقاصد.
فلما وصلوا إلى البصرة تلقاهم الناس بأعلى المربد مجتمعين حتى لو رمى حجر ما وقع إلا على رأس إنسان، فتكلم طلحة وتكلمت عائشة رضي الله عنها وكثر اللغط، وطلحة يقول: انصتوا فجعلوا يركبونه ولا ينصتون فقال: أف أف، فراش نار، وذباب طمع وانقلبوا على غير بيان، وانحدروا إلى بني نهد فرماهم الناس بالحجارة حتى نزلوا الجبل والتقى طلحة والزبير وعثمان بن حنيف عامل عليّ على البصرة، وكتبوا بينهم أن يكفوا عن القتال ولعثمان دار الإمارة والمسجد وبيت المال، وأن ينزل طلحة والزبير من البصرة حيث شاءا ولا يعرض بعضهم لبعض حتى يقدم عليّ.
وروى أن حكيم بن جبلة عارضهم حينئذ فقتل بعد الصلح.
وقدم عليّ البصرة وتدانوا ليتراءوا فلم يتركهم أصحاب الأهواء، وبادروا بإراقة الدماء واشتجر بينهم الحرب وكثرت الغوغاء على البوغاء كل ذلك حتى لا يقع برهان ولا تقف الحال على بيان ويخفى قتلة عثمان، وإن واحدًا في الجيش يفسد تدبيره فكيف بألف؟ . (1)
ولم يثبت من طريق صحيح يمكن أن يعول عليه، أنهم ضربوا عثمان بن حنيف ونتفوا شعر وجهه رضي الله عنه، والصحابة الكرام رضي الله عنهم يتنزهون عن مثل هذه المثلة القبيحة. (2)
وحين عسكر جيش عليّ بذي قار أرسل عبد اللَّه بن عباس إلى طلحة والزبير يسألهما: هل أحدث ما يوجد السخط على خلافته، كحيف في حكم أو استئثار بفيء؟ أو في كذا؟ فقال الزبير: ولا في واحدة منها. (3)
وبالجملة فعائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم إنما خرجوا قاصدين الإصلاح، وجمع كلمة المسلمين، وما رافق ذلك من قتال وحروب فلم يكن بمحض إرادتهم ولا قصدًا منهم،
(1) العواصم من القواصم (155)، وانظر: تاريخ الطبري (4/ 468 - 471).
(2)
وهذه من روايات أبي مخنف الكذاب، انظر: مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري (ص 258).
(3)
فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 596) بسند صحيح، وابن أبي شيبة: المصنف (15/ 267) بتصرف يسير.