الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد حذر قرظة بن كعب من الإكثار من الرواية، عن قرظة بن كعب أنه قال: بَعَثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الْكُوفَةِ وَشَيَّعَنَا فَمَشَى مَعَنَا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ صِرَارٌ، فَقَالَ أَتَدْرُونَ لِمَ مَشَيْتُ مَعَكُمْ، قَالَ: قُلْنَا: لَحِقِّ صُحْبَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَلحِّقِّ الأَنْصَارِ، قَالَ: لَكِنِّي مَشَيْتُ مَعَكُمْ لِحَدِيثٍ أَرَدْتُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَحْفَظُوهُ لممشاي مَعَكُمْ إِنَّكُمْ تَقْدُمُونَ عَلَى قَوْمٍ لِلْقُرْآنِ فِي صُدُورِهِمْ هَزِيزٌ كَهَزِيزِ المرْجَلِ، فَإِذَا رَأَوْكُمْ مَدُّوا إِلَيْكُمْ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَالُوا: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، فَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا شَرِيكُكُمْ. (1)
الوجه الثاني: هذه القصة باطلة درايةً
.
إن ظاهر القصة بهذا اللفظ يدل علي أنها من وضع الروافض الذين يريدون وسم عمر رضي الله عنه بكراهته حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم شهادة الأثر نفسه على تناقضه، فتهديد عمر رضي الله عنه لأبي هريرة بنفيه إلى أرض دوس بلاده، ألا لأنها لا تستحق نصح عمر وحمايته لها من أحاديث أبي هريرة إن كانت غير صحيحة، وغير الصحيح تحمى منه أرض دوس، كما يحمى عنه غيرها؟ ولو كانت أحاديث أبي هريرة غير صحيحة عند عمر رضي الله عنه؛ لنكل به بقطع لسانه، لا بنفيه إلى أرض قومه أو غيرها. (2)
الوجه الثالث: قول عمر عن أبي هريرة أكذب المحدثين، ادعاء كاذب
.
قال الدارمي: في الذب عن أبي هريرة رضي الله عنه: أدعيتم كذبًا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (أكذب المحدثين أبو هريرة)، وهذا مكذوب على عمر فإن تك صادقا في دعواك فاكشف عن رأس من رواه، فإنك لا تكشف عن ثقة فكيف يستحل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يرمي رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب من غير صحة ولا ثبت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تسبوا أصحابي"(3).
فأي سب لصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من تكذيبه في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإنه لمن أصدق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظهم عنه، وأرواهم لنواسخ أحاديثه،
(1) صحيح. وتقدم تخريجه.
(2)
دفاع عن أبي هريرة لـ عبد المنعم صالح العلي صـ 122.
(3)
البخاري (3673) من حديث أبي سعيد الخدري، مسلم (2540) من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا تَسُبُّوا أصحابي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ".
والأحدث فالأحدث من أمره، لأنه أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من ثلاث سنين، بعدما أحكم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أكثر أمر الحدود والفرائض والأحكام، وكيف يتهمه عمر بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستعمله على الأعمال النفيسة، ويوليه الولايات؟ ! .
ولو كان عند عمر كما ادعى المعارض، لم يكن بالذي يأتمنه على أمور المسلمين ويوليه أعمالهم مرة بعد مرة، حتى دعاه آخر ذلك إلى العمل فأبى عليه.
ثم عرفه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبتوه في ذلك، منهم طلحة بن عبيد الله، وابن عمر وغيرهما. وروى عنه غير واحد من الصحابة آثارًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
ولو كان عندهم من عداد الكذابين -كما ادعيت عليه- لم يكونوا يستحلون الرواية عنه، ثم قد روى عنه من أعلام التابعين من أهل المدينة، ومكة، والبصرة، والكوفة، والشام، واليمن، عدد كثير لا يحصون منهم: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وعلقمة بن قيس، وقيس بن أبي حازم، والشعبي، وإبراهيم، وأبو إدريس الخولاني من أهل الشام، ومن لا يحصون، وقد رووا الكثير عن أبي هريرة واحتجوا به، واستعملوا روايته. ولو عرفوا منه ما ادعى المعارض ما حدثوا المسلمين عن أكذب المحدثين. فاتق الله أيها المعارض واستغفره مما ادعيت على صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ المعروف بخلاف ما رميته، ولو كان لك سلطان صارم، يغضب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوجع بطنك وظهرك، وأثر في شعرك وبشرك؛ حتى لا تعود تسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ترميهم بالكذب من غير ثبت.
ثم قال: أفلا يراقب امرؤ ربه، فيكف لسانه، ولا يكذب رجلًا أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرميه بالكذب من غير ثبت ولا صحة، وكيف يصح عند هذا المعارض كذبه، وقد ثبته مثل طلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن عمر؟ لو عض هذا الرجل على حجر أو على