الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخذ بالاعتبار شراسة تلك المعارك وحدتها لكونها من المعارك الفاصلة في تاريخ الأمم.
5 -
أورد خليفة بن خياط في تاريخه (1) بيانًا بأسماء من حفظ من قتلى يوم الجمل، فكانوا قريبًا من المائة. فلو فرضنا أن عددهم كان مائتين وليس مائة، فإن هذا يعني أن قتلى معركة الجمل لا يتجاوز المائتين. وهذا هو الراجح للأسباب والحيثيات السابقة. واللَّه أعلم. (2)
وهذا العدد مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لنسائه: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت". (3)
أما قولهم: بوجود عداوة قديمة بين عائشة وعلي سببها هو ما كان بين عائشة وفاطمة حيث كانت عائشة زوجة أبيها بعد أمها والبنت تكره زوجة أبيها إلى آخر ما قالوا في هذا المعنى، والرد عليه من وجوه:
أولها: فساد ما بني عليه هذا الكلام وهو أن عائشة وعلي كانا يقصدان قتال بعض وقد مر بيان ذلك.
ثانيها: النصوص الصحيحة تدل على حسن العلاقة بين عائشة وفاطمة.
ثالثها: لا يوجد أي دليل صحيح يدل على سوء العلاقة بين أسرة أبي بكر الصديق وأسرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وإليك البيان بالتفصيل:
النصوص الصحيحة تدل على حسن العلاقة بين عائشة وفاطمة، وهذا من جهتين الأولى جهة عائشة، والثانية جهة فاطمة.
أما ما كان من جهة عائشة فهذه أدلته:
1 -
عائشة هي التي روت حديث الكساء والذي يعتبر من أعظم المناقب لفاطمة رضي الله عنها،
(1) تاريخ خليفة (187 - 190).
(2)
انظر: حول هذا الموضوع كتاب: استشهاد عثمان ووقعة الجمل لخالد الغيث (214 - 215)، وكتاب - صدق النبأ في حقيقة عبد اللَّه بن سبأ.
(3)
السلسلة الصحيحة (1/ 853).
فعن عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي، فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب: 33). (1)، وبداهة العقل تقول لو أن عائشة تبغض فاطمة وعليًا لما روت لنا هذا الحديث، وفي الحديث أنها صرحت بذكر اسم علي رضي الله عنه وهذا يرد على من زعم أنها تكره حتى ذكر اسمه.
2 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مرحبا بابنتي". ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثًا فبكت فقلت لها لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثًا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزن، فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتها فقالت:"أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقًا بي. فبكيت فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة أهل الجنة أو نساء المؤمنين". فضحكت لذلك. (2)
وفي رواية قالت: إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعًا لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي ولا واللَّه لا تخفى مشيتها من مشية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحب وقال: "مرحبًا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أوعن شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدًا فلما رأى حزنها سارها الثانية فإذا هي تضحك، فقلت لها: أنا من بين نسائه خصك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالسر من بيننا، ثم أنت تبكين فلما قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سألتها عم سارك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سره، فلما توفي قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني قالت: أما الآن فنعم، فأخبرتني. قالت: أما حين سارني في الأمر الأول، فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضني به العام مرتين ولا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي اللَّه واصبري، فإني نعم السلف أنا
(1) مسلم فضائل الصحابة (2408) من حيث عائشة.
(2)
البخاري (3624، 3623)، مسلم (2450).
لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية قال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيلة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة". (1)
قال أبو نعيم في الحلية: وروته فاطمة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة عن عائشة نحوه (2).
وأما من جهة فاطمة فإنها تحب عائشة وذلك لوجوه:
1 -
أنها حبيبة أبيها، والمعروف أن المرء يحب محبوب حبيبه والذي أصل هذا هو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما روت عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها، فقالت: يا رسول اللَّه، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة. قالت: فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أي بنية ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى. قال فأحبي هذه قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: واللَّه لا أكلمه فيها أبدًا. (3)
فقولها: بلى إجابة عن سؤاله الست تحبين ما أحب تصريح منها أنها تحب عائشة رضي الله عنها، وقوله: فأحبي هذه أمر منه صلى الله عليه وسلم لفاطمة بحب عائشة، ومن من الناس أولى بطاعة أبيها من فاطمة التي هي أشبه الخلق به صلى الله عليه وسلم كما سبق في رواية عائشة.
2 -
لم يحدث في حياة فاطمة ولا حياة عائشة ما يدل على إساءة إحداهما إلى الأخرى لأن الواصلة بينهما هو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو يحبهما وهما يحبانه ويحبان ما يحب كما سبق بيانه.
3 -
وهذه قصة تدل على احترام كل واحدة منهما للأخرى. عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام، شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ
(1) البخاري (6286، 6285).
(2)
حلية الأولياء (2/ 40).
(3)
مسلم (2442).