الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْكِ، فَوَالله لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ الله أَوَ لَقَدْ تحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: نعم ..... الحديث.
أولًا: هذا من أمها ليس اتهامها لضرائر عائشة بهذا الإفك. وإنما هو بمثابة ضرب مثل من أمها تعزيها به في مثل هذا الموقف، وغرضها أن تقول لها: لست وحدك المصابة فهاهن نساء العالمين قلما توجد فيهن امرأة مثلك لها ضرائر وزوجها يحبها مثلك إلا تكلم الضرائر فيها، فللحب والتألق ضريبة تدفع ولابد. فقولها إلا كثّرن عليها ليس بعائد علي ضرائر عائشة، وإنما هو عائد على ضرائر المرأة الوضيئة التي ضربت بها المثل. وتهوين المصيبة بذكر كثرة المصابين أمر معروف في الكتاب والسنة. وكانت أم رومان تعلمه ولذلك قدمته لابنتها في الوقت التي تحتاجه.
ومن ذلك ذكر قصص السابقين في القرآن والسنة ومنه في هذا الحديث قول عائشة: ما أري لي ولكم مثلًا إلا قول - أَبُو يُوسُفَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} . وأما فيما يتعلق بالضرائر فلم تتكلم واحدة منهن في عائشة بسوء، حتى زينب بنت جحش قالت: أحمي سمعي وبصري ولا أعلم عليها إلا خيرًا. فينما تكلمت حمنة فقط وليس من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي أخت زينب. فلعل سبب كلامها فيها المحاربة لأجل أختها. أما الضرائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فلم تتفوه واحدة منهن بما يسيء إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إلي عائشة أبدًا.
فقوله: عزت أصل الكلام إلي الضرائر: سوء فهم للعبارة التي خرجت من أم رومان على سبيل التعزية بضرب المثل كما مر. (1)
رابعًا: وبعد كلامه على قوة شخصية عائشة التي فهمها من أنها لم تبال بالأمر وانتقلت إلى أبويها. قال: وربما لو كانت غير عائشة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الأخريات لبلغت حد الانتحار
.
وهذه النتيجة التي يتحدث عنها مبنية علي مقدمات:
الأولي: أنه سلم باتهام أم المؤمنين بهذه التهمة.
الثانية: أنها ذات شخصية قوية من دون زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: جهله بالحالة الإيمانية عند الصحابة عمومًا، وعند أمهات المؤمنين خاصةً.
(1) فتح الباري بمعناه (8/ 332).
فإذا علم أن إجماع المسلمين على براءة عائشة من هذه التهمة، وأنها لم تتمالك نفسها من كثرة البكاء عند علمها بهذا الأمر. فينبغي الجواب علي قوله - لبلغت حد الانتحار:
وهذا مبني على جهله بحال من يتكلم عنهم، وذلك أن الانتحار الذي يتحدث عنه يوجد في مجتمعه هو لا في مجتمع عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس الكلام في هذا الآن. وإنما الكلام في أعلى منها وأحسن. وهي أنهم كانوا إذا وقع أحدهم في الذنب سرًّا وخفية أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف لكي يطهره بالحد قبل أن يلقي الله تعالي. وإليك بعض هذه الصور:
1 -
عن عبد الله بن مسعود قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى المَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا. فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ .. )(1).
فانظر كيف ستره الله حالة الفعل لكن ضميره لم يسمح له حتى جاء يطلب أن يعاقب على فعله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفكر في الانتحار كما زعم هذا.
2 -
وعن أنس وأبي أمامة رضي الله عنه: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ
…
) (2)
وهكذا كانت الروح الإيمانية في مجتمع الصحابة بحيث لو وقع أحدهم في معصية سارع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معترفًا بذلك بين يديه ولم يفكر أحد منهم في الانتحار؛ لأن الانتحار ذنب فوق ذنب. فكلام هذا الكاتب في حق الزوجات الطاهرات اتهام مبني علي وهم توهمه - وحسبنا الله ونعم الوكيل -، وذلك لأنهم كانوا يفقهون حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ثابت بن الضحاك أنه قال:"وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(3). وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرجل الذي قتل نفسه: "بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجنّةَ". (4)
(1) مسلم (2763).
(2)
مسلم (2764).
(3)
البخاري (5442)، ومسلم (109).
(4)
البخاري (3276).