الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وعلى هذا، فعائشة كانت ممن يرى عدم قتل عبيد الله بن عمر لهذه الأسباب التي ذكرناها، فلماذا تخرج وتثور أو تدعو للثورة؟ ! ولماذا يلزمها بذلك قوم يزعمون أنهم يدعون إلى حرية الرأي والاعتقاد؟ !
6 -
إذا كان قتل عمر، وعثمان، وعليّ، ونحوهم من باب المحاربة فالمحاربة يشترك فيها الردء والمباشرة عند الجمهور، فعلى هذا. مَنْ أعان على قتل عمر ولو بكلام وجب قتله، وكان الهرمزان ممن ذكر عنه أنه أعان على قتل عمر بن الخطاب، وإذا كان الأمر كذلك كان قتله واجبًا، ولكن كان قتله إلى الأئمة فافتأت (1) عبيد الله بقتله، وللإمام أن يعفو عمن افتأت عليه. (2)
فإذا كان قتل الهرمزان حقًّا للخليفة وافتات عليه بعض الرعية، وقد عفا فما هو دخل الآخرين؟ ! .
وبهذا نعلم أن قتل الهرمزان كان واجبًا على أصح القولين، لكنه كان حقًّا للخليفة ففعله ابن عمر ظانًا أن ذلك إليه فعفا عنه، ولو لم يكن واجبًا وفعله ابن عمر فقد فعله متأولًا، ولم يكن له للمقتول أولياء يطلبون دمه فصار أمره إلى السلطان فعفا عنه وجعل الدية لآل عمر كما مر بيانه، فما ذنب أم المؤمنين في هذا كله؟ !
ومما يدل على صحة هذا ما قدمناه من أنه لا توجد رواية صحيحة تدل على أن الخوارج اعترضوا على عثمان بعدم قتله ولا سوغوا خروجهم بهذا، فأين الصخب والشغب؟ ! ولماذا تدعوا عائشة إلى الثورة؟ !
ثالثا: شبهتهم عن النصف الثاني من خلافة عثمان رضي الله عنه
-
حيث رأوا أن عائشة كانت كثيرة الثورة على عثمان والتشغيب عليه، وما ذلك إلا حرصًا على مصلحة المسلمين، ولو كان التنبيه على قتل عبيد الله بن عمر للهرمزان لمصلحة
(1) افْتَأَتَ برأيه أي: انفرد واستبدَّ به؛ (ذكر ما ترك فيه الهمز وأصله الهمز وعكسه) المزهر للسيوطي.
(2)
منهاج السنة (6/ 283).
المسلمين لرأينا لها موقفًا من جريمة عبيد الله بن عمر رضي الله عنه، لكن الحقيقة أنها شغبت وثارت على عثمان لأمرين:
الأول: الجانب المادي؛ لأنه أنقصها عما كان يعطيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الثاني: الجانب المعنوي؛ لأنها كانت تطمع إلى إعادة الخلافة لبني تيم وبالتحديد لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه. سيأتي في الفصل القادم ذكر الموقف الصحيح لعائشة ولسائر الصحابة من مقتل عثمان، وأنه لم يشترك منهم أحد في مقتله، والروايات المخالفة لهذا الأصل العظيم إنما هي من وضع الرافضة والزنادقة كما سبق بيانه، وإذا عرفنا هذا الأصل عرف بطلان هذين الأصلين سواء الجانب المادي أو المعنوي؛ لأنهما مبنيان على الخروج والثورة من عائشة على عثمان، وهذا باطل. فبطل ما بني عليه كما ذكر في موضعه. وبقي هنا بعض الروايات التي لم تذكر هناك نذكرها ونذكر كلام أهل العلم عليها صحةً أو ضعفًا، ومنها: ما قاله اليعقوبي في تاريخه في أيام عثمان رضي الله عنه: وكان بين عثمان وعائشة منافرة وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب، وصيرها أسوة غيرها من نساء رسول الله، فإن عثمان صعد يومًا ليخطب إذ دلّت عائشة قميص رسول الله، ونادت: يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلَ، وقد أبلى عثمان سنته! فقال عثمان: رب اصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم. (1)
وهذا الكلام لا إسناد له أصلًا فلا عبرة به.
ومنها ما قاله اليعقوبي: وصار مروان إلى عائشة؛ فقال: يا أم المؤمنين، لو قمت فأصلحت بين هذا الرجل وبين الناس، قالت قد فرغت من جهازي، وأنا أريد الحج، قال: فيدفع إليك بكل درهم أنفقته درهمين، قالت: لعلك ترى أني في شك من صاحبك؟ أما والله لوددت أنه مقطع في غرارة من غرائري، وإني أطيق حمله، فأطرحه في البحر. (2)
(1) تاريخ اليعقوبي 1/ 176.
(2)
موضوع. أخرجه ابن سعد (5/ 34). قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني الحكم بن القاسم، عن مصعب بن محمد بن عبد الله بن أبي أمية قال: حدثني من رأى سعيد بن العاص يومئذ يقاتل. . إلخ. وقد ذكر قصة طويلة فيها هذا الكلام، ومن طريقه رواه ابن عساكر في التاريخ (57/ 258)، وذكره اليعقوبي من غير =
3 -
وكان أشدَّ الناس على عثمانَ: طلحةُ، والزبير، وعائشة.
ذكر هذا صاحب مختصر تاريخ الدول، ولم أقف له على إسناد.
وذكره ابن شبة النميري (1) مسندًا، ولم يذكر فيه عائشة فقال: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا عبد الله بن وهب، عن الليث بن سعد قال: كان أشدَّ الناس على (عثمان) المحمدون: محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن عمرو بن حزم، وهذا معضل؛ فبين الليث بن سعد وهذه الواقعة راويان على الأقل.
وإبراهيم بن المنذر قال الساجي: بلغني أن أحمد كان يتكلم فيه ويذمه وكان قدم إلى ابن أبي داود قاصدًا من المدينة عنده مناكير. قال الخطيب: أما المناكير فقلما توجد في حديثه إلا أن يكون عن المجهولين، ومع هذا فإن يحيى بن معين وغيره من الحفاظ كانوا يرضونه ويوثقونه. (2)
قلت: ولعل هذا من مناكيره ولا يعارض هذا رواية البخاري له، فالبخاري ينتقي من أحاديث شيوخه، وهذا منهم، وانظر هدي الساري. (3). (4)
= إسناد وذكره البلاذري في أنساب الأشراف باب أمر عمرو بن العاص وغيره تحت قوله، وفي رواية أبي مخنف وغيره؛ وهذا كالسابق في التواطؤ على الكذب، وهذا أثر مكذوب؛ فمحمد بن عمر متروك، والحكم بن القاسم ومصعب بن محمد لم أجد لهما ترجمة، ولا يُدرى مَن هؤلاء الذين رأوا سعيد بن العاص.
(1)
تاريخ المدينة (4/ 1307).
(2)
التهذيب (145).
(3)
هدى الساري (1/ 388).
(4)
وانظر: شبهة مقتل عثمان، فالكلام هناك على الروايات بالتفصيل.