الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق العداء لأصحاب الحديث، فاخترعوا الأباطيل وأرادوا أن تفقد الأمة الثقة بهم، ولكن الله أبى إلاّ أن يكشف أمر هذه الفرق، ويميط اللثام عن وجوه المتسترين وراءها، فكان أصحاب الحديث هم جنود الله بينوا حقيقة هؤلاء، وأظهروا نواياهم وميولهم، فما من حديث، أو خبر يطعن في صحابي، أو يشكك في عقيدة، أو يخالف مبادئ الدين الحنيف إلا بين جهابذة هذا الفن يد صانعه، وكشفوا عن علته (1).
الوجه الرابع: الأحاديث صحيحة بغير هذه الزيادات
.
أما عن الخبر الأول: وهو قدوم أبي هريرة رضي الله عنه العراق، وقال:(أشهد بالله أن عليًّا أحدث فيها) فإنه من رواية الإسكافي، وقد عرفناه منزلة وأخباره، فلا نعلمه ولا نكاد نصدقه، وكيف يصح هذا العقول وعلي رضي الله عنه كان بالعراق، ومعاوية رضي الله عنه كان بالشام، وأبو هريرة كان بالحجاز، إذ الثابت أنه بعد أن تولى إمارة البحرين في عهد عمر رضي الله عنه لم يفارق الحجاز.
قال ابن عبد البر: إنه لما عاد من البحرين في عهد عمر رضي الله عنه ورغب إليه عمر أن يعود واليًا عليها مرة أخرى فأبى، لم يزل بالمدينة حتى مات. ولو سلّمنا -جدلًا- بصحة هذه الرواية؛ فإن أبا هريرة يدفع عن نفسه ما أشاعه بعض خصوم الأمويين، ثم إن الحديث الذي روى عن أبي هريرة ينفي نفيًا قاطعًا صحة هذه الرواية ويبين زيفها. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"المدِينَةُ حَرَمٌ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنهُ الله وَالملائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلا صَرْفٌ"(2) ليس فيها تلك الزيادة التي اختلقتها أيدي الواضعين في ذم الإمام عليّ، لينال أبو هريرة أجره من معاوية رضي الله عنه جميعًا (3).
وأما عن الخبر الثاني: وهو قول الشاب له: فأشهد بالله لقد واليت عدوه، وعاديت وليه، ثم قام عنه وانصرف. والجواب عليه: أولًا: حديث: (من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) فهو حديث صحيح.
(1) أبو هريرة راوية الإسلام (252: 149)، وانظر دفاع عن السنة (صـ 160).
(2)
مسلم (1371).
(3)
دفاع عن السنة (صـ 160)، أبو هريرة راوية الإسلام (254).
قال الألباني: ورد من حديث زيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وبريدة بن الحصيب، وعلي بن أبي طالب، وأبي أيوب الأنصاري، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنه، وقد ذكر الشيخ رحمه الله هذه الأحاديث بطرقها. ثم قال: وللحديث طرق أخرى كثيرة جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في (المجمع) وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها، بصحة الحديث يقينًا، وإلا فهي كثيرة جدًّا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح ومنها حسان. وجملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأول منه متواتر عنه صلى الله عليه وسلم كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، وما ذكرت منها كفاية (1).
ثانيًا: قول الشاب لأبي هريرة: (فأشهد بالله لقد واليت عدوه، وعاديت وليه، ثم قام عنه وانصرف)، ضعيف؛ بل هو منكر. فعن أبي يزيد الأودي عن أبيه قال: دخل أبو هريرة المسجد فاجتمعنا إليه فقام إليه شاب فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقال: نعم. فقال الشاب: أنا منك برئ. أشهد أنك قد عاديت من والاه، وواليت من عاداه. قال فحصبه الناس بالحصا. (2)، ومما يدل على نكارته؛ ما تقدم في طرقه (من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم
(1) السلسلة الصحيحة 4/ 344: 330.
(2)
منكر. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 6/ 369، من طريق شريك، عن أبي يزيد الأودي، وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (1111) من طريق عكرمة بن إبراهيم الأزدي قال: حدثني إدريس بن يزيد الأودي. كلاهما (أبو يزيد، إدريس) عن أبيهما، فيه يزيد بن عبد الرحمن الأودى: مقبول، التقريب 2/ 674. وهذا حيث يتابع وإلا فهو لين الحديث، ولم يتابع هنا، وقد اختلف عليه، فرواية أبي يزيد (داود بن يزيد بن عبد الرحمن الأودى) بزيادة قول الشاب. وأبو يزيد: ضعيف، التقريب 1/ 165، ورواية إدريس بدون الزيادة. وفيها عكرمة بن إبراهيم الأزدي: قال يحيى، وأبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف. وقال العقيلي: في حديثه اضطراب. وقال ابن حبان: كان ممن يقلب الأخبار، ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به. وقال يعقوب بن سفيان: منكر الحديث. وقال البزار: لين الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي. وذكره ابن يونس في الغرباء فقال: قدم مصر ثم ولي قضاء الري، وذكره ابن الجارود، وابن شاهين في =