الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثامنة: إلحاق زياد بأبي سفيان
(1).
حيث اتهموا معاوية رضي الله عنه بأنه ألحق زيادًا بأبي سفيان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أصل القضية:
فإن قضية نسب زياد تعد من متعلقات أنكحة الجاهلية، (2). وقد أقر الإسلام ما نتج عن تلك الأنكحة من أنساب، وفي ذلك يقول ابن الأثير: فلما جاء الإسلام. . أقر كل ولد ينسب إلى أب من أي نكاح من أنكحتهم على نسبه، ولم يفرق بين شيء منها (3). وأما الذراري الذين جاء الإسلام، وهم غير منسوبين إلى آبائهم -كأولاد الزنا- فقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود بإسناده قال: قام رجل فقال: يا رسول الله إن فلانًا ابني، عاهرت -أي زنيت- بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر (4).
الوجه الثاني: أننا لا نسلم بأن استلحاق زياد من فعل معاوية رضي الله عنه، وإنما هو من فعل زياد نفسه
اما عن اتهام معاوية رضي الله عنه باستلحاق نسب زياد فإني لم أقف على رواية صحيحة صريحة العبارة تؤكد ذلك، هذا فضلًا عن أن صحبة معاوية رضي الله عنه، وعدالته، ودينه، وفقهه تمنعه من
(1) وهو: زياد بن أبي سفيان ويقال زياد بن أبيه. وزياد بن أمه. وزياد بن سمية؛ وكان يقال له قبل الاستلحاق زياد بن عبيد الثقفي. وأمه سمية جارية الحارث بن كلدة. واختلف في وقت مولده فقيل: ولد عام الهجرة. وقيل قبل الهجرة. وقيل: بل ولد يوم بدر. استعمله عمر ثم لحق بمعاوية وولاه العراقين جمعهما له. ولم يزل كذلك إلى أن توفي بالكوفة، وهو أمير المصرين في شهر رمضان لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه سنة ثلاث وخمسين وصلى عليه عبد الله بن خالد بن أسيد كان قد أوصى إليه بذلك. انظر ترجمته في الإصابة (2/ 527 - 528)، والاستيعاب ترجمة رقم (829) وطبقات ابن سعد (7/ 99).
(2)
البخاري (4834).
(3)
الكامل في التاريخ (3/ 445).
(4)
صحيح. أخرجه أبو داود (2274) وانظر صحيح سنن أبي داود (2/ 430).
أن يرد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما، وأن معاوية أحد رواة حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر). (1)
وسياق القصة في روايته يبين قضاء معاوية بخلاف هذا عملًا فعن محمد بن إسحاق قال: ادعى نصر بن الحجاج بن علاط السلمي عبد الله بن رباح مولى خالد بن الوليد فقام عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فقال: مولاي ولد على فراش مولاي وقال نصر: أخي أوصاني بمنزله قال: فطالت خصومتهم فدخلوا معه على معاوية -وفهر تحت رأسه- فادعيا: فقال معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الولد للفراش، وللعاهر الحجر فقال نصر: فأين قضاؤك هذا يا معاوية في زياد؟ فقال معاوية: قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من قضاء معاوية فكان عبد الله بن رباح لا يجيب نصرا إلى ما يدعي (2)، فواضح في هذه الرواية أن معاوية رضي الله عنه قضى بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قوله في الرد على المدعي: قضاء رسول الله خير من قضاء معاوية فعلى سبيل التنزل في الحوار يعني حتى لو أنا فعلت هذا فقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من قضاء معاوية رضي الله عنه وهذا السياق لا يدل على إقرار معاوية على الدعوى بل على خلاف ذلك وبعد أن ترجحت براءة معاوية رضي الله عنه من هذا البهتان فإن التهمة تتجه إلى زياد بن أبيه بأنه هو الذي ألحق نسبه بنسب أبي سفيان، وهذا ما يترجح من خلال الرواية التي أخرجها مسلم في صحيحه من طريق أبي عثمان قال: لما ادعى زياد، لقيت أبا بكرة فقلت: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ادعى أبًا في الإسلام غير أبيه، يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام"، فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (3)
(1) الفتح (12/ 39).
(2)
أخرجه أبو يعلى (7390) عن محمد بن إسحاق قال: ادعى نصر، وذكره وإسناده منقطع بين ابن إسحاق والقصة.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 51 - 52) والبخاري مع الفتح (12/ 54).
قال النووي: قوله: ادُّعِي ضبطناه بضم الدال وكسر العين مبني لما لم يسم فاعله، أي ادعاه معاوية، ووجد بخط الحافظ أبي عامر العبدري (1)(ادَّعَى) بفتح الدال، والعين، على أن زيادًا هو الفاعل. (2)
والثاني هو الراجح لأمور: منها: أن العقوبة في الحديث مرتبة على هذه الدعوى، فإذا كانت من غيره، فلماذا يعاقب على فعل غيره؟
ومنها: أن الحديث في البخاري، وغيره من غير ذكر لقصة الاستلحاق من رواية أبي ذر (3)، وواثلة بن الأسقع (4) وأبي سعيد، وأبي بكرة (5) بالبناء للمعلوم مما يدل على أن السائل لأبي بكرة كان يعلم أن هذا من فعل زياد لا من فعل من استلحقه وعلى هذا فهم العلماء وشرحوا الحديث.
قال ابن الأثير: [مَن ادّعى إلى غير أبيه أو انْتَمى إلى غير مَواليه] أي انتَسب (6).
وقال البيضاوي: الطاهر أنه أراد به ولاء العتق لعطفه على قوله من ادعى إلى غير أبيه والجمع بينهما بالوعيد فإن العتق من حيث أنه لحمة كلحمة النسب فإذا نسب إلى غير من هو له كان كالدعي الذي تبرأ عمن هو منه وألحق نفسه بغيره فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والإبعاد عن الرحمة (7).
(1) هو إمام من أعيان الحفاظ من فقهاء الظاهرية (ت 524 هـ)، انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي (4/ 1272).
(2)
شرح مسلم (2/ 52 - 53).
(3)
البخاري (3317).
(4)
البخاري (3318).
(5)
البخاري (4071)، (6385).
(6)
النهاية (5/ 258).
(7)
فتح الباري (4/ 86).
وقال ابن حجر: في الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين إثباتًا ونفيًا لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له (1).
وقال: قوله "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام" وفي رواية عاصم الشار إليها عند مسلم "من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه". (2)
وترجم عليه النووي بقوله: باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم. (3)
ولفظ حديث أبي هريرة، قال: لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر. (4)
قال النووي: ومعنى ادعى لغير أبيه أي انتسب إليه واتخذه أبا وقوله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم تقييد لا بد منه فان الإثم إنما يكون في حق العالم بالشيء. (5) ويزيد هذا الأمر تأكيدًا ما أورده الحافظ أبو نعيم في ترجمة زياد بن أبيه حيث قال: (زياد ابن سمية: ادَّعَى أبا سفيان فنسب إليه)(6)، فهدا كله يبين أن الرواية بالبناء للمعلوم وأن الذي حمل بعض العلماء على ضبطها بالبناء للمجهول في رواية الاستلحاق هو ما اشتهر عند المؤرخين من أن الذي استلحق هو معاوية رضي الله عنه.
ومنها: أنه لو علم أبو بكرة وغيره أن معاوية هو الذي ابتدأ ذلك لبادروا بالإنكار عليه، ولما تركوه.
وبذلك يكون زياد هو المدعي، ولذلك هجره أخوه أبو بكرة رضي الله عنه. والله أعلم. (7)
(1) فتح الباري (6/ 541).
(2)
فتح الباري (12/ 54).
(3)
صحيح مسلم (27).
(4)
صحيح مسلم (113)
(5)
شرح مسلم للنووي (2/ 50)
(6)
معرفة الصحابة (3/ 1217).
(7)
انظر: مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري للدكتور خالد الغيث (372 - 379).