الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} [آل عمران: 61] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا، وفاطمة، وحسنًا، وحسينًا، فقال: اللهم هؤلاء أهلي. (1)
والجواب من وجوه:
الوجه الأول:
هذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعدًا بسب علي، ولكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب علي، فأجابه سعد عن السبب، ولم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه، ولا عاقبه ..
الوجه الثاني:
أن سكوت معاوية هنا، تصويب لرأي سعد، ولو كان معاوية ظالمًا يجبر الناس على سب علي كما يدَّعون، لما سكت عن سعد، ولأجبره على سبه وهو والٍ مطاع لا يقوى أحد على معارضته، ولكن لم يحدث من ذلك شيء، فعُلم أنه لم يأمر بسبه، ولا رضي بذلك ..
يقول النووي رحمه الله في ذلك: قول معاوية هذا، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدًا بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول: هل امتنعت تورعًا، أوخوفًا، أو غير ذلك؟ فإن كان تورعًا، وإجلالًا له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعدًا قد كان في طائفة يسبون، فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار، أو أنكر عليهم، فسأله هذا السؤال، قالوا: ويحتمل تأويلٌ آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا، واجتهادنا، وأنه أخطأ (2).
الوجه الثالث:
أن معاوية رضي الله عنه إنما قال ذلك على سبيل المداعبة لسعد، وأراد من ذلك استظهار بعض فضائل علي رضي الله عنه، فإن معاوية رضي الله عنه كان رجلًا فطنًا ذكيًا يحب مطارحة الرجال واستخراج ما عندهم، فأراد أن يعرف ما عند سعد في علي- رضي الله عنهما، فألقى سؤاله بهذا الأسلوب المثير ..
(1) صحيح مسلم (2404).
(2)
شرح صحيح مسلم (15/ 175)، وانظر: المفهم (6/ 278) ..
وهذا مثل قوله رضي الله عنه لابن عباسٍ: أنت على ملة علي؟ فقال له ابن عباس: ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1). وظاهر قول معاوية هنا لابن عباس جاء على سبيل المداعبة، فكذلك قوله لسعد هو من هذا الباب، وأما ما ادعي من الأمر بالسب، فحاشا معاوية رضي الله عنه أن يصدر منه مثل ذلك، والمانع من هذا عدة أمور: -
الأول: أن معاوية نفسه ما كان يسب عليًّا رضي الله عنه، فكيف يأمر غيره بسبه؟ بل كان معظمًا له معترفًا له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابت عنه.
قال ابن كثير: وقد ورد من غير وجه أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع عليًّا أم أنت مثله؟ فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل، وأحق بالأمر مني (2).
ونقل ابن كثير أيضًا عن جرير بن عبد الحميد عن المغيرة رضي الله عنه قال: لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك، إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم (3).
الثاني: أنه لا يعرف بنقل صحيح أن معاوية رضي الله عنه تعرض لعلي رضي الله عنه بسب، أو شتم أثناء حربه له في حياته، فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته، فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول، وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.
الثالث: أن معاوية رضي الله عنه كان رجلًا ذكيًا، مشهورًا بالعقل والدهاء، فلو أراد حمل الناس على سب علي -وحاشاه من ذلك- أفكان يطلب ذلك من مثل سعد بن أبي وقاص، وهو من هو في الفضل، والورع، مع عدم دخوله في الفتنة أصلًا! ! فهذا لا يفعله أقل الناس عقلًا، وتدبيرًا، فكيف بمعاوية!
(1) الإبانة الكبرى لابن بطة (1/ 355).
(2)
البداية والنهاية (8/ 132).
(3)
نفس المصدر (8/ 133).