الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخذ قوم المغيرة يلومونه في احتماله إياه فنزل المغيرة ودخل القصر، فاستأذن عليه قومه، ودخلوا ولاموه في احتماله حجرًا، فقال لهم: إني قد قتلته. قالوا: وكيف ذلك؟ قال: إنه سيأتي أميرٌ بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيهًا بما ترونه، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة. إنه قد اقترب أجلي، وضعف عملي، وما أحب أن أبتدىء أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز معاوية في الدنيا ويذل المغيرة في الآخرة، سيذكرونني لو قد جربوا العمال.
قال عثمان بن عقبة:
فسمعت شيخًا من الحي يقول: قد والله جربناهم فوجدناه خيرهم، أحمدهم للبريء، وأغفرهم للمسيء وأقبلهم للعذر، ثم هلك المغيرة سنة خمسين، فجمعت الكوفة والبصرة لزياد، فدخلها، ووجه إلى حجر فجاءه، وكان له قبل ذلك صديقًا، فقال له: قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك، وإني والله لا أحتملك على مثل ذلك أبدًا، أرأيت ما كنت تعرفني به من حب علي ووده، فإن الله قد سلخه من صدري فصيره بغضًا وعداوةً، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته فإن الله قد سلخه من صدري وحوله حبًا ومودةً (1)، وإني أخوك الذي تعهد، إذا أتيتني وأنا جالس للناس فاجلس معي على مجلسي، وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك، ولك عندي في كل يوم حاجتان: حاجة غدوة، وحاجة عشية، إنك إن تستقم تسلم لك دنياك ودينك، وإن تأخذ يمينًا وشمالًا تهلك نفسك وتشط عندي دمك، إني لا أحب التنكيل قبل التقدمة، ولا آخذ بغير حجة، اللهم اشهد. فقال حجر: لن يرى الأمير مني
(1) وعند الطبري في هذا الموضع زيادة وهي أن زيادا لما قدم البصرة صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإنا قد جربنا، وجربنا وسسنا، وساسنا السائسون فوجدنا هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما صلح أوله بالطاعة اللينة المشبه سرها بعلانيتها، وغيب أهلها بشاهدهم، وقلوبهم بألسنتهم، ووجدنا الناس لا يصلحهم إلا لين في غير ضعف وشدة في غير عنف، وإني والله لا أقوم فيكم بأمر إلا أمضيته على أذلاله، وليس من كذبة الشاهد عليها من الله، والناس أكبر من كذبة إمام على المنبر ثم ذكر عثمان وأصحابه فقرظهم وذكر قتلته ولعنهم فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة اهـ.
إلا ما يحب، وقد نصح، وأنا قابل نصيحته (1).
ثم خرج من عنده، فكان يتقيه ويهابه، وكان زياد يدنيه ويكرمه ويفضله، والشيعة تختلف إلى حجر وتسمع منه زياد ينذره قبل خروجه إلى البصرة، وكان زياد يشتو بالبصرة، ويصيف بالكوفة، ويستخلف على البصرة سمرة بن جندب، وعلى الكوفة عمرو بن حريث، فقال له عمارة بن عقبة: إن الشيعة تختلف إلى حجر، وتسمع منه، ولا أراه عند خروجك إلا ثائرًا، فدعاه زياد فحذره ووعظه (2)، وخرج إلى البصرة، واستعمل عمرو بن حريث، فجعلت الشيعة تختلف إلى حجر، ويجيء حتى يجلس في المسجد فتجتمع إليه الشيعة، حتى يأخذوا ثلث المسجد أو نصفه، وتطيف بهم النظارة، ثم يمتلىء المسجد، ثم كثروا، وكثر لغطهم، وارتفعت أصواتهم بذم معاوية وشتمه ونقص زياد (3). وبلغ ذلك عمرو بن حريث، فصعِد المنبر، واجتمع إليه أشراف أهل المصر فحثهم على الطاعة، والجماعة، وحذرهم الخلاف، فوثب إليه عنق من أصحاب حجر يكبرون، ويشتمون، حتى دنوا منه، فحصبوه وشتموه حتى نزل، ودخل القصر، وأغلق عليه بابه وكتب إلى زيادٍ بالخبر، فلما أتاه أنشد يتمثل بقول كعب بن مالك:
فلما غدوا بالعرض قال سراتنا
…
علام إذا لم نمنع العرض نزرع
ما أنا بشيء إن لم أمنع الكوفة من حجر، وأدعه نكالًا لمن بعده، ويل أمك حجر! لقد سقط بك العشاء على سرحان.
ثم أقبل حتى أتى الكوفة، فدخل القصر، ثم خرج وعليه قباء سندس، ومطرف خز أخضر، وحجر جالس في المسجد، وحوله أصحابه ما كانوا.
(1) لماذا قال له حجر هذه الإجابة مع أنه صرح له ببغض علي هل كان حجر في هذه اللحظة فقط على اعتقاد الشيعة في التقية.
(2)
وهذا من زياد شيء حسن يحسب له في هذه الرواية.
(3)
وهذا بدوره تفريق للكلمة ودعوة للخروج على حاكم المسلمين فلماذا يقوم حجر بهذا الدور؟ هل هو أعلم بما يصلح الأمر من الحسين بن علي رضي الله عنهما وقد أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الصلح الذي قام به.