الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يلونهم"، وقد صار يزيد فيهم وقال: "من لعنته أو سببته فاجعلها له رحمة" فأرى الإمساك أحب لي (1) فسماه أحمد مؤمنًا، وأدخله في الحديث المذكور لأنه مؤمن.
ومن بلائه في هذه الغزوة دفنه لأبي أيوب الأنصاري في أرض الروم
فعن عمارة بن غزية قال: خرج أبو أيوب إلى الصائفة فمرض فأتاه يزيد بن معاوية يعوده وهو على الجيش فقال له: هل من حاجة أو توصيني بشيء، فقال: ما ازددت عنك، وعن أبيك إلا غنى إلا أنك إن شئت أن تجعل قبري فيما يلي العدو من غير أن تشق على المسلمين، فلما قبض كان يزيد كأنه كان على وجل حتى فرغ من غسله فناداه أهل القسطنطينية أنا قد علمنا أنكم إنما صنعتم هذا لقس كان فيكم أراد أن يجاهدنا حيا، وميتا فلو قد فعلتم نبشناه ثم أحرقناه ثم ذريناه في الريح فقال يزيد: والذي نفسي بيده لئن فعلتم لا أمر بكنيسة فيما بيني وبين الشام إلا حرقتها، قالوا: فالمتاركة قال: ما شئتم (2).
الوجه الخامس: أن من اعترض من الصحابة على معاوية في ذلك لم يصح عنه طعن في يزيد بأنه كان يشرب الخمر، ويترك الصلاة وينكح الأمهات، وغير ذلك مما ذكروه
.
(1) السنة للخلال (846)، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن مطر، وزكريا بن يحيى أن أبا طالب، وذكره وهو صحيح.
(2)
صحيح لغيره. أخرجه الحارث في مسنده كما في زوائد الهيثمي (1025) من طريق معاوية عن أبي إسحاق -الفزاري- عن إبراهيم بن كثير قال سمعت عمارة بن غزية يقول: وذكره. وهذا إسناد فيه إبراهيم بن كثير أبو إسماعيل روى عنه محمد بن كثير المصيصي وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري قال عنه محمد بن كثير كان رجل صدق اهـ تاريخ دمشق (7/ 94).
وأخرجه أبو داود (2512) من طريق ابن وهب، والترمذي (2972)، من طريق الضحاك بن مخلد، والطيالسي - (599)، والطبراني في الكبير (17/ 312) من طريق ابن المبارك، والحاكم في المستدرك (2/ 94)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9/ 99) جميعهم من طريق حيوة بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران ببعضه وأبو داود يقرن مع حيوة ابن لهيعة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم، وقال الألباني: وهو وهم منهما لأن الشيخين لم يخرجا لأسلم أبي عمران فالحديث صحيح فقط اهـ من الصحيحة (13).
وأخرجه أحمد في المسند (5/ 416) من طريق عفان عن عاصم عن رجل من أهل مكة بنحوه، وأخرجه عبد الرزاق (5/ 279) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين به مختصرًا، وابن أبي شيبة (9432) عن عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي ظبيان به، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1878) عن محمد بن أبي عمر، عن سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد به. فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح.
قال ابن العربي رحمه الله: فإن قيل كان منها -من شروط الإمامة- العدالة، والعلم، ولم يكن يزيد عدلا، ولا عالما. قلنا: وبأي شيء نعلم عدم علمه، أو عدم عدالته، ولو كان مسلوبهما لذكر ذلك الثلاثة الفضلاء الذين أشاروا عليه بأن لا يفعل، وإنما رموا إلى الأمر بعيب التحكم وأرادوا أن تكون شورى اهـ (1)
وهذا أمثل ما في اعتراضهم من الروايات مع ضعف في أكثرها ونكارة في بعض متونها.
الرواية الأولى: عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} ، فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري. (2)
وفي رواية الإسماعيلي، فقال عبد الرحمن: ما هي إلا هرقلية، وله من طريق شعبة، عن محمد بن زياد، فقال مروان: سُنة أبي بكر وعمر، فقال عبد الرحمن: سُنة هرقل، وقيصر. ولابن المنذر من هذا الوجه أجئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم (3).
الرواية الثانية: عن ذكوان مولى عائشة قال: لما أجمع معاوية أن يبايع لابنه يزيد حج فقدم مكة في نحو من ألف رجل فلما دنا من المدينة خرج ابن عمر، وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر. فلما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر ابنه يزيد قال: من أحق بهذا الأمر منه؟ ثم ارتحل فقدم مكة فقضى طوافه ودخل منزله. فبعث إلى ابن عمر فتشهد، وقال: أما بعد، يا بن عمر فإنك قد كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك أمير، وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين، وأن تسعى في فساد ذات بينهم فلما سكت تكلم ابن عمر فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإنه قد
(1) العواصم من القواصم (1/ 229).
(2)
البخاري (4555).
(3)
فتح الباري (8/ 577).
كانت قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبنائهم فلم يروا في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حين عملوا الخيار. وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم قال: يرحمك الله. فخرج ابن عمر، وأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر فتشهد، وأخذ في الكلام فقطع عليه كلامه فقال: إنك والله لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله وإنا والله لا نفعل والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين، أو لنردنها عليك جذعة ثم وثب، فقال معاوية: اللهم اكفنيه بما شئت ثم قال: على رسلك أيها الرجل لا تشرفن بأهل الشام فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت ثم كن بعد على ما بدا من أمرك.
ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: يا بن الزبير إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل آخر وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما، وحملتهما على غير رأيهما فتكلم ابن الزبير فقال: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها وهلم ابنك فلنبايعه أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع لأيكما نطيع؟ لا نجمع البيعة لكما والله أبدًا ثم قام.
فراح معاوية فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذوات عوار زعموا أن ابن عمر، وابن الزبير، وابن أبي بكر الصديق لم يبايعوا يزيدًا. قد سمعوا وأطاعوا، وبايعوا له.
فقال أهل الشام: لا والله لا نرضى حتى يبايعوا على رؤوس الناس وإلا ضربنا أعناقهم فقال: مه سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالسوء. لا أسمع هذه المقالة من أحد بعد اليوم ثم نزل.
فقال الناس: بايع ابن عمر، وابن الزبير، وابن أبي بكر ويقولون: لا والله ما بايعنا ويقول الناس: بلى لقد بايعتم وارتحل معاوية فلحق بالشام. (1)
(1) منكر بهذا التمام. أخرجه خليفة في التاريخ صـ (51) من طريق وهب بن جرير بن حازم قال: حدثني أبي قال: نا النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ذكوان به وهذا إسناد ضعيف فيه النعمان بن راشد ذكره يحيى القطان فضعفه جدًّا، وقال أحمد: مضطرب الحديث روى مناكير، وضعفه ابن معين، وأبو داود، والنسائي، =
وعن سعيد بن جبير أن عبد الله بن الزبير قال لمعاوية في الكلام الذي جرى بينهما في بيعة يزيد بن معاوية: وأنت يا معاوية حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في الأرض خليفتان فاقتلوا أحدهما. (1)
الرواية الثالثة: عن نافع قال: خطب معاوية فذكر ابن عمر فقال: والله ليبايعن أو لأقتلنه فخرج عبد الله بن عبد الله بن عمر إلى أبيه فأخبره وسار إلى مكة ثلاثًا فلما أخبره بكى ابن عمر. فبلغ الخبر عبد الله بن صفوان فدخل على ابن عمر فقال: أخطب هذا بكذا؟ قال: نعم فقال: ما تريد؟ أتريد قتاله؟ فقال: يا ابن صفوان الصبر خير من ذلك. فقال ابن صفوان: والله لئن أراد ذلك لأقاتلنه. فقدم معاوية مكة فنزل ذا طوى فخرج إليه عبد الله بن صفوان فقال: أنت الذي تزعم أنك تقتل ابن عمر إن لم يبايع لابنك؟ فقال: أنا أقتل ابن عمر؟ ! إني والله لا أقتله. (2)
الرواية الرابعة: عن جويرية بن أسماء قال: سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون أن معاوية لما كان قريبًا من مكة فلما راح من مر قال لصاحب حرسه: لا تدع أحدًا يسير معي إلا من حملته أنا. فخرج يسير وحده حتى إذا كان وسط الأراك لقيه الحسين بن علي فوقف وقال: مرحبًا وأهلًا يا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد شباب المسلمين. دابة لأبي عبد الله يركبها فأتي ببرذون فتحول عليه، ثم طلع عبد الله بن أبي بكر فقال: مرحبًا وأهلًا بشيخ قريش، وسيدها وابن صدِّيق هذه الأمة. دابة لأبي محمد فأتي ببرذون فركبه ثم طلع ابن عمر فقال: مرحبًا وأهلًا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن الفاروق، وسيد المسلمين، ودعا له بدابة فركبها ثم طلع ابن الزبير فقال: مرحبا وأهلًا بابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن الصديق، وابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا له بدابة فركبها. ثم أقبل يسير بينهم لا يسايره
= والعقيلي، وقال البخاري، وأبو حاتم: في حديثه وهم كثير اهـ تهذيب التهذيب (10/ 403). قلت: وما في الرواية من أمور منكرة فمن أخطائه ومناكيره وأوهامه.
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (3885).
(2)
إسناده صحيح. أخرجه خليفة في التاريخ صـ (51) من طريق وهب قال: حدثني أبي، عن أيوب، عن نافع به.
غيرهم حتى دخل مكة ثم كانوا أول داخل، وآخر خارج ليس في الأرض صباح إلا لهم في حباء، وكرامة لا يعرض لهم بذكر شيء مما هو فيه. حتى قضى نسكه، وترحلت أثقاله، وقرب مسيره إلى الكعبة، وأنيخت رواحله فأقبل بعض القوم على بعض فقالوا: أيها القوم لا تخدعون إنه والله ما صنع بكم لحبكم، ولا كرامتكم وما صنعه إلا لما يريد فأعدوا له جوابا. وأقبلوا على الحسين فقالوا: أنت يا أبا عبد الله؟ قال: وفيكم شيخ قريش وسيدها هو أحق بالكلام فقالوا: أنت يا أبا محمد؟ لعبد الرحمن بن أبي بكر فقال: لست هناك وفيكم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن سيد المسلمين -يعني ابن عمر- فقالوا لابن عمر: أنت؟ قال: لست بصاحبكم ولكن ولوا الكلام ابن الزبير يكفيكم. قالوا: أنت يا بن الزبير؟ قال: نعم إن أعطيتموني عهودكم ومواثيقكم ألا تخالفوني كفيتكم الرجل. فقالوا: فلك ذلك. فخرج الإذن فأذن لهم فدخلوا. فتكلم معاوية فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم سيرتي فيكم وصلتي لأرحامكم وصفحي عنكم وحملي لما يكون منكم، ويزيد بن أمير المؤمنين أخوكم وابن عمكم وأحسن الناس فيكم رأيًا. وإنما أردت أن تقدموه باسم الخلافة، وتكونون أنتم الذين تنزعون وتؤمرون وتجبون وتقسمون لا يدخل عليكم في شيء من ذلك. فسكت القوم فقال: ألا تجيبوني؟ فسكتوا. فأقبل على ابن الزبير فقال: هات يا بن الزبير فإنك لعمري صاحب خطبة القوم. قال: نعم يا أمير المؤمنين. نخيرك بين ثلاث خصال أيها ما أخذت فهو لك رغبة. قال: لله أبوك أعرضهن. قال: إن شئت صنعت ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع أبو بكر فهو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن شئت صنعت ما صنع عمر فهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر قال: لله أبوك وما صنعوا؟ قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعهد، ولم يستخلف أحدًا. فارتضى المسلمون أبا بكر. فإن شئت أن تدع هذا الأمر حتى يقضي الله فيها قضاءه فيختار المسلمون لأنفسهم فقال: إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر. إن أبا بكر كان رجلا تقطع دونه الأعناق وإني لست آمن عليكم الاختلاف. قال: صدقت والله ما نحب أن تدعنا على
هذه الأمة. قال: فاصنع ما صنع أبو بكر. قال: لله أبوك وما صنع أبو بكر؟ قال: عمد إلى رجل من قاصية قريش ليس من بني أبيه ولا من رهط الأدنين فاستخلفه فإن شئت أن تنضر أي رجل من قريش شئت ليس من بني عبد شمس فترضى به. قال: لله أبوك الثالثة ما هي؟ قال: تصنع ما صنع عمر. قال: وما صنع عمر؟ قال: جعل هذا الأمر شورى في ستة نفر من قريش ليس فيهم أحد من ولده ولا من بني أبيه ولا من رهطه. قال: فهل عندك غير هذا؟ قال: لا. قال: فأنتم؟ قالوا: ونحن أيضا. قال: أما لا فإني أحببت أن أتقدم إليكم إنه قد أعذر من أنذر وإنه قد كان يقوم منكم القائم إلي فيكذبني على رؤوس الناس فأحتمل له ذلك وأصفح عنه. وإني قائم بمقالة إن صدقت فلي صدقي وإن كذبت فعلي كذبي. وإني أقسم لكم بالله لئن رد علي منكم إنسان كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إلي رأسه فلا يرعين رجل تلا على نفسه. ثم دعا صاحب حرسه فقال: أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين من حرسك فإن ذهب رجل يردُّ عليَّ كلمة في مقامي هذا بصدق أو كذب فليضرباه بسيفهما. ثم خرج وخرجوا معه حتى إذا رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين لا نستبد بأمر دونهم، ولا نقضي أمرًا إلا عن مشورتهم، وإنهم قد رضوا، وبايعوا ليزيد ابن أمير المؤمنين من بعده. فبايعوا بسم الله. فضربوا على يديه ثم جلس على راحلته فانصرف فلقيهم الناس فقالوا: زعمتم وزعمتم فلا أرضيتم وحبيتم فعلتم. قالوا: إنا والله ما فعلنا. قالوا: فما منعكم أن تردوا على الرجل إذ كذب؟ ثم بايع أهل المدينة، والناس ثم خرج إلى الشام. (1)
الرواية الخامسة: عن محمد بن المنكدر قال: قال ابن عمر حتى بويع يزيد بن معاوية: إن كان خيرًا رضينا وإن كان بلاء صبرنا (2)
(1) إسناده ضعيف. أخرجه خليفة ص (52) من طريق وهب بن جرير قال: حدثني جويرية بن أسماء به. قلت: وإسناده ضعيف، هؤلاء الأشياخ، مجاهيل لم يسمهم جويرية.
(2)
صحيح. أخرجه خليفة في التاريخ ص (53) من طريق عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر به.