الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والكلام على هذا في محورين:
أولًا: حسن خلقها رضي الله عنها صفة عامة ومع النبي صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة.
ثانيًا: الكلام على الروايات التي حصل لهم هذا الوهم بسببها.
المحور الأول: حسن خلقها رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم
-: أذكر بعض الروايات عن أم المؤمنين رضي الله عنها لبيان حسن أخلاقها مع النبي صلى الله عليه وسلم:
1 -
عن عائشة أنها قالت: أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرًا، قالت: فلبث تسعًا وعشرين. قالت: فكنت أول من بدأ به. فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أليس كنت أقسمت شهرًا فعدت الأيام تسعًا وعشرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الشهر تسع وعشرون". (1)
ووجه الدلالة أنها لو كانت سيئة مع النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذت تنتظره وتعد الأيام كما صرحت بذلك في رواية الإمام مسلم فقالت: لما مضت تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: بدأ بي، فقلت: يا رسول الله، إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدّهن، فقال:"إن الشهر تسع وعشرون".
2 -
وعن عائشة رضي الله عنها تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف وبسطت يديها. (2)
ووجه ذلك أن المرأة التي تطيب زوجها بيديها مع كونه يتصف باللين معها ولا يجبرها على مثل ذلك. لا شك أنها حسنة الأخلاق مع هذا الزوج وتدبر هذا في امرأة من نساء زماننا تضع الطيب بيديها على رأس زوجها وتسرح له شعره من غير ما يأمرها بذلك وهو رجل سهل لين، فهل يقول أحد عنها أنها امرأة سيئة الخلق مع زوجها؟ !
3 -
عن عائشة رضي الله عنها: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أحمد (6/ 315)، والبخاري (19210)، ومسلم (1083).
(2)
البخاري (1539)، ومسلم (1189).
استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال: "في الرفيق الأعلى". ثلاثًا ثم قضى، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي. (1)
فانظر كيف كانت مراقبة لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت عارفة بما يحب وما يريد حتى في مثل هذه الحال، فهل يعد هذا من سوء الخلق إلا عند حاسد شانئ وأم المؤمنين تعد من نعم الله عليها أن جمع الله بين ريقها وريق رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من حياته، فعن ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته دخل علي عبد الرحمن وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه (أن نعم)، فتناولته فاشتد عليه وقلت ألينه لك؟ فأشار برأسه (أن نعم). فلينته فأمره وبين يديه ركوة أو علبة - يشك عمر - فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول:"لا إله الإ الله إن للموت سكرات"، ثم نصب يده فجعل يقول:"اللهم في الرفيق الأعلى" حتى قبض ومالت يده. (2)
وكيف كان قلبها يتفطر وهي ترى سكرات الموت تنزل برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قبض أو مات وهو بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدًا بعد الذي رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
4 -
ثم هذا جوابها على الفور لما خيَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: "إني ذاكرًا لك أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك"، قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال إن الله جل ثناؤه قال {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
(1) البخاري (4438).
(2)
البخاري (4449).
(3)
أحمد (6/ 77)، والبخاري (4446).
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا .. إلى قوله: عَظِيمًا}. قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبوي؛ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت. (1)
5 -
ثم كيف هي تحافظ على راحة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وهي تتألم وذلك عندما تأخر الجيش أثناء البحث عن عقدها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذها، فجاء أبو بكر يطعنها في خاصرتها ويعنفها وهي لا يمنعها من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم منها. كما قالت عائشة رضي الله عنها: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيموا، فقال أسيد بن التحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قال: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته. (2)
6 -
ولقد كانت ترضى بالقليل ابتغاء مرضاة الله ولا تشكوا، وهذا من حسن أخلاقها مع من كانت أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعًا حتى قبض (3). وهي حين تخبرنا بذلك لا تشكوا ولكن تخبر من أجل التأسي بمثل ما كانوا عليه من الصبر، والرضا والتحذير من الكنز، ويؤيد ذلك الرواية الأخرى.
عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال: قلت لعائشة: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير وإن كنا لنرفع الكراع فنأكله بعد خمس عشرة قيل ما اضطركم إليه؟ فضحكت قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله (4). وبعد هذه الروايات الصحيحة الواضحة في التصريح والدلالة على حسن خلق السيدة عائشة مع
(1) البخاري (4508)، ومسلم (1475).
(2)
البخاري (334)، ومسلم (367).
(3)
البخاري (5416)، ومسلم (2970) واللفظ له.
(4)
البخاري (5423).