الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس كل ما يقع من الكمّل يكون لائقًا بهم، إذ المعصوم من عصم اللَّه والسنّي لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه، حتى يرفعه إلى مصاف أئمة الشيعة المعصومين، ولا شك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله ولذا همّت بالرجوع حين علمت بتحقيق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوأب، ولكن الزبير رضي الله عنه قد أقنعها بترك الرجوع بقوله: عسى اللَّه أن يصلح بك بين الناس، ولاشك أنه كان مخطئًا في ذلك أيضًا. (1)
هنا أدرك علي رضي الله عنه خطورة الموقف وما يمكن أن يجر إليه الخلاف من تمزيق الدولة الإسلامية، فاستنفر أهل المدينة للخروج معه فاجتمع معه حوالي سبعمائة رجل، واعتزل الكثير من الصحابة هذه الفتنة، فخرج علي من المدينة متجهًا إلى العراق، وقد عسكر في الربذة حيث أضيف إلى جنده مائتا رجل فبلغوا تسعمائة رجل. (2)
وقد حاول الحسن بن علي ثني أبيه عن الذهاب إلى العراق وهو يبكي لما أصاب المسلمين من الفرقة والاختلاف، لكن عليًا رفض ذلك وأصر على الخروج. (3)
وقد جاءت روايات لتبين أن عليًا رضي الله عنه خرج من المدينة في إثر أصحاب الجمل، وهذا الأمر لم يحدث، بل الصحيح أنه خرج من المدينة عاقدًا العزم على التوجه إلى الكوفة ليكون قريبًا من أهل الشام، ولم يخرج في أعقاب أصحاب الجمل.
وفي ما يلي بيان هذا الأمر:
-
أ- ذكرت بعض الروايات أن عليًا رضي الله عنه حين خرج من المدينة أقام في الربذة عدة أيام، وهذا الصنيع من علي رضي الله عنه لا يشبه صنيع من خرج يطلب قومًا. هذا فضلًا عن أن الربذة تقع على طريق الكوفة بينما أصحاب الجمل كانوا يسلكون طريق البصرة.
(1) السلسلة الصحيحة (474) بتصرف يسير، وقال ابن حجر عن الحديث: سنده على شرط الشيخين، انظر فتح الباري (13/ 59 - 60)، وقال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح، مجمع الزوائد (7/ 234)، وصححه الألباني قي الصحيحة، ورد على من طعن في صحته، وبين من أخرجه من الأئمة، انظر: الصحيحة (474).
(2)
تاريخ دمشق لابن عساكر (42/ 456).
(3)
مصنف ابن أبي شيبة (15/ 99، 100) بإسناد حسن، تاريخ دمشق (42/ 456، 457).
ب- كذلك ذكرت بعض الروايات أن عليًا رضي الله عنه حين خرج من الربذة توجه إلى فَيْد (1)، ثم الثعلبية (2)، وهذه الأماكن من منازل طريق الكوفة، وهذا يعني أن عليًا لم يكن يتعقب أصحاب الجمل، وإلا لترك طريق الكوفة وقصد طريق البصرة. خاصة أن من أراد البصرة وكان خارجًا من المدينة فإنه يتجه إلى - النَّقِرَة (3)، ومنها يتيامن حتى يصل النِّباج (4)، التي تقع على طريق البصرة. (5)
لكن عليًا رضي الله عنه لم يفعل ذلك، بل تعدى النقرة وواصل سيره إلى فيد، ثم الثعلبية. (6)
هنا وبعد أن عسكر علي رضي الله عنه في الربذة، أرسل رسولين لاستنفار الكوفيين، وهما محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر، فأخفقا في مهمتهما لأن أبا موسى الأشعري والي الكوفة لعلي التزم موقف اعتزال الفتنة وحذر الناس من المشاركة فيها. (7)
وهذا الخبر يؤيده ما أخرجه البخاري في صحيحه (8) من طريق أبي وائل قال: دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم، فقالا: ما رأيناك أتيت أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمتا، فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمت أمرًا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر، وكساهما حلة، ثم راحوا إلى المسجد. فاتجه علي إلى - ذي قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة (9). قرب الكوفة وعسكر بها، ومنها أرسل
(1) انظر: معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية لعاتق البلادي (239).
(2)
انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (2/ 78).
(3)
السابق (5/ 298) التي تقع على طريق الكوفة.
(4)
السابق (5/ 255).
(5)
انظر: كتاب المناسك للحربي (322، 587).
(6)
انظر: حول هذا الموضوع مع نقد الروايات في ذلك كتاب استشهاد عثمان ووقعة الجمل لخالد الغيث (183 - 184).
(7)
سنن أبي داود (4/ 459 - 460) بإسناد حسن.
(8)
البخاري (7104).
(9)
معجم البلدان لياقوت الحموي (4/ 293 - 294).