الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا أقول في الغضب والرضا إلا حقًّا". (1)
الوجه الثالث: التحقيق أن الهجر في اللغة هو: اختلاط الكلام بوجه غير مفهومٍ
.
وهو على قسمين:
القسم الأول: قسمٌ لا نزاع لأحدٍ في عُروضه للأنبياء عليهم السلام وهو عدم تبيين الكلام لبحة الصوت وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان، كما في الحميات الحارة وقد ثبت بإجماع أهل السير أن نبينا صلى الله عليه وسلم كانت بحة الصوت عارضةً له في مرض موته صلى الله عليه وسلم.
والقسم الآخر: جريان الكلام غير المنتظم أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب الغشي العارض بسبب الحميات المحرقة، في الأكثر.
وهذا القسم وإن كان ناشئًا من العوارض البدنية، ولكن قد اختلف العلماء في جواز عروضه للأنبياء، فجوزه بعضهم قياسًا على النوم، ومنعه آخرون، فلعل القائل بذلك القول أراد القسم الأول يعني: أنا نرى هذا الكلام خلاف عادته صلى الله عليه وسلم، فلعلنا لم نفهم كلامه بسبب وجود الضعف في ناطقته فلا إشكال. (2)
الوجه الرابع: فضائل عمر وأدبه مع النبي صلى الله عليه وسلم
-.
عن أبي أمامة بن سهلٍ أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلي، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُدِيَّ، وَمنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ، قَالُوا: فَمَا أوّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: (الدِّينَ) ". (3)
وعن حمزة بن عبد الله بن عمر؛ أن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي أَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ)، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: (الْعِلْمَ) ". (4)
ومما يُظهِرُ أدبَه مع النبي صلى الله عليه وسلم: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
(1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (26/ 347).
(2)
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (3/ 1009).
(3)
البخاري (23)، ومسلم (2391).
(4)
البخاري (82)، ومسلم (2391).
قال: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لمِنْ هذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ ابنِ الْخطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبرًا"، فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ الله" (1)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيتُني دخلتُ الجنةَ فإذا أنا بالرُّمَيصاءِ (2) امرأة أبي طلحة وسمعت خشفةً فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلالٌ، ورأيتُ قصرًا بفنائه جاريةٌ، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر فأردت أن أدخله، فأنظر إليه، فذكرت غيرتك". فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغارُ! . (3)
وعن نافع بن عمر عن ابن أبي مُليكة قال: كاد الخَيِّرانِ أن يهلكا، أبو بكر وعمر؛ لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفدُ بني تميمٍ أشار أحدهما بالأقرع بن حابس الحنظلي أخي بني مجاشعٍ، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكرٍ لعمرَ: إنما أردتَ خلافي، فقال عمر: ما أردتُ خلافك فارتفَعَتِ أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إلى قوله {عَظِيمٌ} [الحجرات: 2 - 3].
قال ابن أبي مليكة: قال ابن الزبير: فكان عمر بعد -ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر- إذا حَدَّثَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بحديث حَدَّثَه كأخي السِّرارِ (4) لم يسمعه حتى يستفهمَه. (5)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُرِيتُ فِي المنامِ أَنِّي أنزِعُ بِدَلْوٍ بَكْرَةٍ عَلَى قَلِيبِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ نَزْعًا ضَعِيفًا، والله يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ وَضَربُوا بِعَطَنٍ"(6).
وعن محمد بن سعد بن أبي وقاصٍ عن أبيه لله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِيهًا يَا ابْنَ
(1) البخاري (3242)، ومسلم (2394).
(2)
(الرميصاء): هي أم سليمٍ بنتُ ملحانَ أمِّ أنس بن مالكٍ رضي الله عنهما لُقّبَتْ بذلك لرَمَصٍ كان بعينها. والرمَص وسخٌ أبيضُ جامدٌ يجتمع في موق العين.
(3)
البخاري (4928)، (6621).
(4)
(كأخي السرار) كصاحب المشاورة في خفض الصوت. (يستفهمه) من الاستفهام وهو طلب الفهم.
(5)
البخاري (7302).
(6)
البخاري (3479).