الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثاني: ذكر التفسير الصحيح للآية من كلام الصحابة، وعلماء الأمة
.
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قال: هي رؤيا عين أُريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس.
قال {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} قال: هي شجرة الزقوم. (1) وهذا قول مسروق، والحسن البصري، وأبي مالك، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وإبراهيم، وقتادة، والضحاك، ذكر ذلك كله بأسانيده الطبري رحمه الله في تفسير الآية ثم ذكر القول الآخر بأنها الكشوث نبت يتعلق بالأغصان، ولا عرق له في الأرض، ثم قال: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندنا قول من قال: عنى بها شجرة الزقوم، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك (2) وبهذا قال ابن كثير ثم قال: وقد قيل: المراد بالشجرة الملعونة: بنوامية. وهو غريب ضعيف. ومعنى الآية: إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقوم اختبارا تختبر به الناس، من يصدق منهم ممن يكذب (3).
= لا يُعرَف حالُهم في الحديث. وهشام بن محمد بن السائب الكلبي قال الدارقطني وغيره: متروكٌ، وقال ابن عساكر: رافضيٌّ ليس بثقة. اهـ من لسان الميزان (6/ 196)، وقال ابن حبان: وكان غاليًا في التشيع، أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها. انظر المجروحين (3/ 91)، وانظر: الكامل لابن عدي (7/ 110).
وعبد الله بن الضحاك لم أقف له على ترجمته، ومحمد بن زكريا الغلابي، قال عنه الدارقطنى: كان يضع الحديث. كما في سؤالات الحاكم له ت (206). وفي الإسناد أحمد بن محمد بن عمران بن الجندي؛ قال الخطيب: كان يضعَّف في روايته ويُطعَن عليه في مذهبه، قال لي الأزهري: ليس بشيءٍ، وقال العتيقي: كان يُرمَى بالتشيع، واتهمه ابن الجوزي بالوضع كما في تاريخ بغداد (5/ 77)، ولسان الميزان (1/ 288). وقال ابن عساكر كما في مختصر-تاريخ دمشق (3156): هذا حديثٌ منكرٌ. وقال السيوطي (291) في تاريخ الخلفاء: موضوعٌ، وآفته الغلابي.
وقال الألباني في الضعيفة (1080): موضوعٌ.
(1)
أخرجه البخاري (3675)، (6239)، والترمذي (3139)، وقال: حديث حسن صحيح، ووهم الحاكم رحمه الله فأخرجه في المستدرك (2395)
(2)
تفسير الطبري سورة الإسراء آية (60).
(3)
تفسير ابن كثير سورة الإسراء آية (60).
اما القرطبي فساق أثر ابن عباسٍ في تفسير الآية، ثم قال: وبقول ابن عباسٍ قالت عائشة، ومعاوية، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وسعيد بن جبير، والضحاك، وابن أبي نجيح، وابن زيد.
ثم قال: وقال ابن عباس: هذه الشجرة بنو أمية، وإن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الحكم.
وهذا قول ضعيفٌ محدَثٌ، والسورة مكيةٌ، فيبعد هذا التأويل، إلا أن تكون هذه الآية مدنيةً، ولم يثبت ذلك. اهـ (1)
وقال الآلوسي: والمعمول عليه عند الجمهور روايةُ الصحيح عن الحَبْرِ، ولا يخفى أن تفسير الآية بما ذكر غير ظاهر الملاءمة للسياق. (2)
وقال الشوكاني: قال جمهور المفسرين: وهي شجرة الزقوم، والمراد بلعنها: لعن آكلها كما قال سبحانه: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان: 43 - 44]. (3)
أما الطاهر بن عاشور -رحمه الله تعالى- فأحسن وأجاد حيث فسر الآية بمثل قول الجمهور ثم قال: ويوجد في بعض التفاسير أن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال: في الشجرة الملعونة بنو أمية. وهذا من الأخبار المختلقة عن ابن عباسٍ رضي الله عنه، ولا إخالها إلا مما وضعه الوضَّاعون في زمن الدعوة العباسية لإكثار المنفِّرات من بني أمية، وأن وصف الشجرة بأنها الملعونة في القرآن صريحٌ في وجود آياتٍ في القرآن ذُكِرَتْ فيها شجرةٌ ملعونةٌ وهي شجرة الزقوم كما علمتَ. ومثل هذا الاختلاق خروجٌ عن وصايا القرآن في قوله:{وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات: 11].اهـ
وبهذا التحقيق الذي ذكرنا تعلم أن قول من قال: إن الرؤيا التي أراه الله إياها هي رؤياه في المنام بني أمية على منبره، وإن المراد بالشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية لا يُعوَّل عليه. إذ لا
(1) تفسير القرطبي سورة الإسراء آية (60)، وانظر تفسير الرازي، والمحرر الوجيز لابن عطية.
(2)
روح المعاني 15/ 106.
(3)
فتح القدير 3/ 342.
أساس له من الصحة. والحديث الوارد بذلك ضعيفٌ لا تقوم به حجةٌ. وإنما وصف الشجرة باللعن لأنها في أصل النار، وأصل النار بعيدٌ من رحمة الله. واللعن: الإبعاد عن رحمة الله، أو لخبث صفاتها التي وُصِفَت بها في القرآن، أو للعن الذين يطعمونها. والعلم عند الله تعالى (1).
وقال ابن حجر رحمه الله: قوله: (والشجرة الملعونة في القرآن، قال: شجرة الزقوم).
هذا هو الصحيح، وذكره ابن أبي حاتم عن بضعةَ عشرَ نفسًا من التابعين، ثم روى من حديث عبد الله بن عمرٍو أن الشجرة الملعونة الحكم بن أبي العاص وولده وإسناده ضعيفٌ، وأما الزقوم فقال أبو حنيفة الدينوري في (كتاب النبات): الزقوم شجرةٌ غبراءُ تنبت في السهل، صغيرة الورق مدورته، لا شوك لها، زفرة مُرةٌ ولها نَورٌ أبيضُ ضعيفٌ تجرسه النحل ورءوسها قباحٌ جدًّا. وقال السهيلي: الزقوم فعولٌ من الزقم وهو اللقم الشديد، وفي لغةٍ تميميةٍ: كل طعامٍ يُتَقَيَّاُ منه يقال له زقومٌ، وقيل: هو كل طعامٍ ثقيلٍ. (2)
الحديث الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبا سفيان مقبلًا على حمارٍ، ومعاوية يقود به، ويزيد ابنه -ابن أبي سفيان- يسوق به فقال:"لعن الله القائد والراكب والسائق".
والجواب أن هذا حديث موضوعٌ، ولا أصل له. (3)
(1) أضواء البيان 3/ 236.
(2)
فتح الباري (8/ 399).
(3)
موضوع. ذكره الطبري (5/ 622) في كتاب المعتضد الذي أمر فيه بلعن معاوية رضي الله عنه، ولا إسناد له، وقد قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان ترجمة أحمد بن الطيب -كان يرى رأي الفلاسفة، وقُتِلَ سكرانًا-أن عبد الله بن أحمد بن أبي طاهر ذكر في أخبار المعتضد أن أحمد بن الطيب هو الذي أشار على المعتضد بلعن معاوية على المنابر وإنشاء التواقيع إلى البلاد بذلك. اهـ لسان الميزان (1/ 189).
وقد وقفتُ على هذا الحديث مسنَدًا عن سفينة، وعن نصر بن عاصمٍ عن أبيه، ولم يذكر فيه معاوية ولا يزيد.
فأما حديث سفينة فأخرجه البزار (3839) قال: حدثنا السكن بن سعيد، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا أبي، وحدثنا حماد بن سلمة، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا، فمر رجلٌ على بعيرٍ، وبين يديه قائدٌ، وخلفه سائقٌ، فقال: لعن الله القائد، والسائق، والراكب. قال الهيثمي (1/ 308): رواه البزار ورجاله ثقاتٌ. وليس كما قال رحمه الله فالسكن بن سعيد لم أجد له ترجمة، والهيثمي قد قال في موضع آخر (7/ 395) عنه: لا أعرفه، وكذا قال الألباني في الضعيفة (5457): لم أعرفه. وليس فيه تسمية =
طريق آخر للحديث: عن علي بن الأقمر قال: وفدنا على معاوية، وقضينا حوائجنا ثم قلنا: لو مررنا برجلٍ قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاينه. فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثنا ما شهدت، ورأيت. قال: إن هذا أرسل إليَّ -يعني معاوية- فقال: لئن بلغني أنك تحدث لأضربن عنقك. فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت: وددت أن حدَّ سيف في جندك على عنقي.
فقال: والله ما كنت لأقاتلك، ولا أقتلك، وايم الله ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه يدعوه -وكان يكتب بين يديه- فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: هو يأكل. فقال: لا أشبع الله بطنه، فهل ترونه يشبع؟ قال: وخرج من فجٍّ فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان، وهو راكبٌ، ومعاوية، وأخوه، أحدهما قائدٌ، والآخرُ سائقٌ، فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم العن القائد والسائق والراكب" قلنا: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وإلا فصمتا أذناي، كما عميتا عيناي. (1)
والجواب عليه من وجوه:
= أحدٍ ممن ذكر. وأما حديث نصر بن عاصم. فأخرجه الطبراني في الكبير (17/ 176) ومن طريقه الضياء في المختارة (199)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة باب من اسمه عاصم. ثلاثتهم عن غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة، عن نصر بن عاصمٍ الليثي، عن أبيه قال: دخلت مسجد المدينة فإذا الناس يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسول الله، قال: قلت: ماذا؟ قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على منبره فقام رجلٌ فأخذ بيد ابنه فأخرجه من المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لعن الله القائد والمقود، ويلٌ لهذه الأمة من فلانٍ ذي الاستاه". قال الهيثمي (5/ 437): رواه الطبراني ورجاله ثقات. اهـ قلت: وهو كما قال، وليس فيه ذكرٌ لمعاوية ولا لأبيه. بل لم يذكر هذا الحديث في أبواب مثالب معاوية من كتب الموضوعات.
(1)
موضوع. أخرجه نصر بن مزاحم في كتاب صفين فقال: عن تليد بن سليمان، حدثنى الأعمش، عن علي بن الأقمر به وهذا إسناد فيه تليد بن سليمان رافضي -مشهور بالضعف والتدليس- طبقات المدلسين ت (132) وقال يحيى بن معين: كذابٌ، كان يشتم عثمان وكل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين اهـ من تهذيب التهذيب (4/ 322). وفيه نصر بن مزاحم رافضي جلد قال ابن أبي خيثمة كان كذابا، وقال أبو حاتم زائغ الحديث متروك وقال العجلي كان رافضيا غاليا اهـ. من لسان الميزان (6/ 157).
الوجه الأول: هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ولا يوجد في شيءٍ من دواوين الحديث التي يُرجَع إليها في معرفة الحديث، ولا له إسنادٌ معروفٌ، وهذا المُحْتَجُّ به لم يذكر له إسنادًا، وعليه فإن الاحتجاج بهذا الحديث لا يجوز.
الوجه الثاني: أنَ من الجهل أن يُروَى مثل هذا عن عبدِ الله بن عمرَ، وعبدُ الله بن عمرَ كان من أبعد الناس عن ثلب الصحابة رضي الله عنهم، وأروى الناس لمناقبهم، وقولُه في مدح معاويةَ معروف ثابت عنه حيث يقول: ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسودَ من معاوية، قيل له: ولا أبو بكرٍ وعمرَ! فقال: كان أبو بكرٍ وعمرُ خيرًا من معاويةَ، وما رأيتُ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود منه.
قال أحمد بن حنبل: السيد الحليم -يعني معاوية-، وكان معاوية كريمًا حليمًا. (1)
الوجه الثالث: ثم إن خُطَبَ النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن واحدةً، بل كان يخطب في الجُمَع، والأعياد، والحج، وغير ذلك، ومعاوية، وأبوه يشهدان الخطب كما يشهدها المسلمون كلُّهم، أَفَتَراهما في كل خطبةٍ كانا يقومان، ويُمَكَّنَان من ذلك؟ هذا قدح في النبي صلى الله عليه وسلم وفي سائر المسلمين إذ يُمَكِّنون اثنين دائمًا يقومان، ولا يحضران الخطبة، ولا الجمعة، وإن كانا يشهدان كل خطبة فما بالهما يمتنعان من سماع خطبةٍ واحدة قبل أن يتكلم بها.
الوجه الرابع: من المعلوم من سيرة معاوية رضي الله عنه أنه كان من أحلم الناس، وأصبرهم على من يؤذيه، وأعظم الناس تأليفًا لمن يعاديه فكيف ينفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه- أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمُ الخلق مرتبةً في الدين، والدنيا، وهو محتاج إليه في كل أموره، فكيف لا يصبر على سماع كلامه وهو بعد الملك كان يسمع كلام من يسبه في وجهه! ! فلماذا لا يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم كاتبًا من هذه حالُه؟
الوجه الخامس: أنَّ قولَه: إنه أخذ بيد ابنه يزيد، فيزيدُ وُلدَ في خلافة عثمان رضي الله عنه باتفاق أهل العلم، ولم يكن لمعاوية رضي الله عنه ولدٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ أبو الفضل بن
(1) منهاج السنة (4/ 444).