الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعث قبله إلى مسيلمة عكرمة بن أبي جهل، وشرحبيل بن حسنة، فلم يقاوما بني حنيفة، لأنهم في نحو أربعين ألفًا من المقاتلة، فجعل عكرمة قبل مجيء صاحبه شرحبيل، فناجزهم فنكب، فانتظر خالدًا، فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد عسكر بمكان يقال له: عقربا في طرف اليمامة والريف وراء ظهورهم، وندب الناس وحثهم، فحشد له أهل اليمامة. (1)
الوجه السادس: مالك بن نويرة مختلف في إسلامه، ولم يتبين لخالد ولغيره وجه إسلامه
.
فقد اختلف الصحابة في إسلامه وكفره، فمن شهد بإسلامه: عمر وعبد الله بن عمر وأبو قتادة رضي الله عنهم، وحجتهم في ذلك؛ أن مالكًا وقومه أذنوا للصلاة، وقالوا: نحن عباد الله، ولأن أبا بكر ودى مالك بن نويرة ورد السبي والمال، وهناك من شهد بكفره كخالد بن الوليد وضرار بن الأزور الأسدي وغيرهما من المهاجرين والأنصار الذين شهدوا المعركة ولم يُنكروا على خالد، وهناك عدة أدلة لخالد ومن معه قد تؤيد رأيهم في كفر مالك وبذلك لا يُصبح صحابيًا. -وسيأتي بيانها- فالصحابي: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على إسلامه (2).
ولقد قارن ابن تيمية بين عثمان بن عفان، وبين مالك بن نويرة في أمر عصمة الدم فقال: وإن قالوا -أي الشيعة الروافض- أن عثمان كان مباح الدم قيل لهم: فلا يشك أحد في أن إباحة دم مالك بن نويرة أظهر من إباحة دم عثمان، بل مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم ولم يثبت ذلك عندنا وأما عثمان رضي الله عنه، فقد ثبت بالتواتر، ونصوص الكتاب والسنة أنه كان معصوم الدم، وبين عثمان ومالك بن نويرة من الفرق ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى (3).
الوجه السابع: عدة مواقف من مالك بن نويرة تبرر موقف خالد من التشكيك في أمر إسلامه
.
1 -
ارتداده عن الإسلام، وعدم تيقن خالد من رجوعه:
قال الآلوسي: وارتدت من القبائل في عهد أبي بكر رضي الله عنه: بنو يربوع قوم مالك بن نويرة (4).
(1) البداية والنهاية (6/ 356).
(2)
انظر: نخبة الفكر شرح نزهة النظر (55).
(3)
منهاج السنة النبوية (1/ 358).
(4)
تفسيىر الآلوسي (5/ 20).
فأما عدي بن حاتم فتمسك بالإسلام وبقي في يده الصدقات، وكذلك الزبرقان بن بدر، وأما مالك بن نويرة فأرسل ما في يده وقال لقومه: قد هلك هذا الرجل فشأنكم بأموالكم وقد كانت طيء وبنو سعد كلمهما عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر فقالا -وهما كانا أحزم رأيًا وأفضل في الإسلام رغبة من مالك بن نويرة- لقومهما (1). فمسألة رجوعه إلى الإسلام لم تثبت يقينًا عند خالد بالرغم من ظن بعض الصحابة أنه رجع.
فعن أبي عون وغيره: أن خالد بن الوليد ادعى أن مالك بن نويرة ارتد بكلام بلغه عنه، فأنكر مالك ذلك وقال: أنا على الإسلام ما غيرت ولا بدلت، وشهد له بذلك أبو قتادة وعبد الله بن عمر. (2)
فالرواية تُبين أن خالدًا كان يعتقد كُفر مالك بن نويرة، وعدم أخذ خالد بقول أبي قتادة وابن عمر في قولهم بإسلامه لعدة أمور: منها أن هناك عدد أكثر منهما من الصحابة شهدوا بكفره، وأن هناك قرائن عديدة عند خالد تشهد بكفره، وأن خالدًا علم أن مالكًا يُراوغ ويُنافق بقوله:(أنا على الإسلام) بالرغم من أنه قال على النبي قولًا لا يقوله مسلم -كما سيأتي-، وكذلك شعور خالد قِبَل أبي قتادة وابن عمر أنهما يُرجحان العاطفة على الحزم، وذلك كله قبل مسألة تفكير خالد في زواجه من امرأة مالك.
2 -
متابعته لسجاح: قال ابن كثير: قصة سجاح وبني تميم: حيث كانت بنو تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة، فمنهم من ارتد ومنع الزكاة، ومنهم من بعث بأموال الصدقات إلى الصديق، ومنهم من توقف لينظر في أمره، فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التغلبية من الجزيرة، وهي من نصارى العرب، وقد ادعت النبوة ومعها جنود من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها، فاستجاب لها عامتهم، وكان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي، وعطارد بن حاجب، وجماعة من سادات أمراء بني تميم، وتخلف آخرون منهم عنها، ثم اصطلحوا على أن لا حرب بينهم، إلا أن مالك بن
(1) السيرة لابن حبان (1/ 419).
(2)
سبق تخريجه.
نويرة لما وادعها ثناها عن عودها، وحرضها علي بني يربوع، ثم اتفق الجميع على قتال الناس، وقالوا: بمن نبدأ؟ فقالت لهم فيما تسجعه: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب، ثم إنهم تعاهدوا على نصرها، فقال قائل منهم:
أتتنا أخت تغلب في رجال
…
جلائب من سراة بني أبينا
وأرست دعوة فينا سفاها
…
وكانت من عمائر آخرينا
فما كنا لنرزيهم زبالا
…
وما كانت لتسلم إذ أتينا
ألا سفهت حلومكم وضلت
…
عشية تحشدون لها ثبينا. (1)
وكلام ابن كثير تؤيده رواية الطبري: فعن الصعب بن عطية بن بلال عن أبيه: كانت سجاج بنت الحارث بن سويد بن عقفان هي وبنو أبيها عقفان في بني تغلب فتنبأت بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجزيرة في بني تغلب، فاستجاب لها الهذيل وترك التنصر وهؤلاء الرؤساء الذين أقبلوا معها لتغزو بهم أبا بكر فلما انتهت إلى الحزن راسلت مالك بن نويرة ودعته إلى الموادعة فأجابها وثناها عن غزوها وحملها على أحياء من بني تميم قالت، نعم، فشأنك بمن رأيت فإني إنما أنا امرأة من بني يربوع وإن كان ملك فالملك ملككم، فأرسلت إلى بني مالك بن حنظلة تدعوهم إلى الموادعة، فخرج عطارد بن حاجب وسروات بني مالك حتى نزلوا في بني العنبر على سبرة بن عمرو -هرابًا- قد كرهوا ما صنع وكيع وخرج أشباههم من بني يربوع حتى نزلوا على الحصين بن نيار في بني مازن وقد كرهوا ما صنع مالك فلما جاءت رسلها إلى بني مالك تطلب الموادعة أجابها إلى ذلك وكيع فاجتمع وكيع ومالك وسجاح وقد وادع بعضهم بعضًا واجتمعوا على قتال الناس. (2)
فالحقيقة أنه لقوة إسلام وثبات بعض بطون وأفراد ورؤساء بني تميم، فقد استطاع مالك بن نويرة إقناع سجاح عندما أقبلت في جمعها لتغزو المدينة، بقتال الثابتين من قومها على
(1) البداية والنهاية (6/ 352).
(2)
أخرجه الطبري في تاريخه (2/ 496) فيما ذكر السري عن شعيب عن سيف عن الصعب به، وفيه سيف وهو ضعيف وقد سبق الكلام عليه.
إسلامهم قبل قتالها أبي بكر الصديق، وعندما واجهت مسلمي تميم تلقت على أيديهم هزيمة نكراء مما جعلها تغير اتجاهها عن المدينة إلى اليمامة، حيث تم الاتفاق مع مسيلمة الكذاب على حرب الإسلام، وقد تقاربت الروايات التاريخية لتؤكد هذه الحقيقة. (1) وقد انحاز إلى مالك بن نويرة بنو حنظلة عشيرته الأقربون وأسندوا إليه أمرهم، وثبتت بعض قبائل تميم والتي كان عمال النبي صلى الله عليه وسلم عليها، أمثال: الزِّبرقان بن بدر على الرباب، وعوف والأبناء. (2)
3 -
منعه الزكاة: قال النووي: وَقَدْ كَانَ فِي ضِمْن هَؤُلَاءِ المَانِعِينَ لِلزَّكَاةِ مَنْ كَانَ يَسْمَح بِالزَّكَاةِ وَلَا يَمْنَعهَا إِلَّا أَنَّ رُؤَسَاءَهُمْ صَدُّوهُمْ عَنْ ذَلِكَ الرَّأْي وَقَبَضُوا عَلَى أَيْدِيهمْ فِي ذَلِكَ كَبَنِي يَرْبُوع، فَإِنَّهُمْ قَدْ جَمَعُوا صَدَقَاتهمْ وَأَرَادُوا أَنْ يَبْعَثُوا بِهَا إِلَى أَبِي بَكْر رضي الله عنه، فَمَنَعَهُمْ مَالِك بْن نُوَيْرَة مِنْ ذَلِكَ وَفرّقَهَا فِيهِمْ وَفِي أَمْر هَؤُلَاءِ عَرَضَ الخلَاف وَوَقَعَتْ الشُّبْهَة لِعُمَر رضي الله عنه فَرَاجَعَ أَبا بَكْر رضي الله عنه، وَنَاظَرَهُ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ النَبِيّ صلى الله عليه وسلم:"أُمِرْت أَنْ أقاتِل النَّاس حَتَى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله. فَمَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَدْ عَصَمَ نَفْسه وَمَاله". وَكَانَ هَذَا مِنْ عُمَر رضي الله عنه تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْكَلَام قَبْل أَنْ يَنْظُر فِي آخِره ويتَأَمَّل شَرَائِطه. (3)
وثبت أيضًا أن مالكًا لما سمع بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم رد صدقات قومه عليهم وقال: قد نجوت من مؤنة هذا الرجل.
فعَنِ الزهري قَالَ: وَمَضَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قِبَلَ الْيَمامَةِ حَتَّى دَنَا مِنْ حِيٍّ مِنْ بَنِي تميمٍ فِيهِمْ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ، وَكَانَ قَدْ صَدَّقَ قَوْمَهُ فَلَمّا تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَمْسَكَ الصَّدَقَةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رضي الله عنه سَرِيَّةً. (4)
(1) انظر: الطبري (3/ 269 - 272)، والكامل (2/ 31)، وحروب الردة (94).
(2)
انظر: الطبري (3/ 267 - 268)، وانظر: خبر وفد بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سيرة ابن هشام (4/ 157 - 163)، ومعجم القبائل القديمة والحديثة لعمر كحالة (1/ 3 - 4).
(3)
شرح النووي على مسلم (1/ 91).
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 175) بإسناده إلى الزهري به، فهو منقطع.
فلو فعل مالك مثلما فعل قيس وندم مثل ندمه ما قتله أحد، بالرغم من أن قيس قد منع الزكاة أيضًا، ولكن مالكًا حاول أن يفعل ذلك بعد فوات الأوان وبعدما انصرفت عنه سجاح. فعن الصعب بن عطية بن بلال عن أبيه: أنه قد تحلل الأحياء ونشب الشر وتشاغلوا وشغل بعضهم بعضًا، ثم ندم قيس بعد ذلك فلما أظله العلاء بن الحضرمي أخرج صدقتها فتلقاه بها، ثم خرج معه وقال في ذلك:
ألا أبلغا عني قريشًا رسالة
…
إذا ما أتتها بينات الودائع
فتشاغلت في تلك الحال عوف والأبناء بالبطون والرباب بمقاعس وتشاغلت خضم بمالك. (1)
4 -
لم يكتف بمنع الزكاة والردة، بل كان يقاتل المسلمين قبل مجئ خالد، وما خضع لخالد إلا بعد انصراف سجاح عنه:
عن الصعب بن عطية بن بلال، عن سهم ابن منجاب، عن منجاب بن راشد قال: فأما بنو حنظلة فإنهم قدموا رجلًا وأخروا أخرى وكان مالك بن نويرة في البطاح ومعه جموع يساجلنا ونساجله. (2)
ويقول البلاذري: ثم سار خالد إلى من بالبطاح والبعوضة من بنى تميم فقاتلوه، ففض جمعهم وقتل مالك بن نويرة أخا متمم بن نويرة، وقد قيل إن خالدًا لم يلق بالبطاح والبعوضة أحدًا، ولكنه بث السرايا في بني تميم، وكان منها سرية عليها ضرار بن الأزور الأسدي، فلقي ضرار مالكًا فاقتتلوا وأسره وجماعة معه. (3)
فقد ندم مالك بن نويرة على ما كان من أمره، وتلوم في شأنه، وهو نازل بمكان يقال له: البطاح، فقصدها خالد بجنوده وتأخرت عنه الأنصار، وقالوا: إنا قد قضينا ما أمرنا به الصديق، فقال لهم خالد: إن هذا أمر لا بد من فعله، وفرصة لا بد من انتهازها، وإنه لم يأتني فيها كتاب، وأنا الأمير وإلي ترد الأخبار، ولست بالذي أجبركم على المسير، وأنا قاصد البطاح، فسار يومين ثم لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار، فلحقوا به، فلما
(1) تاريخ الطبري (2/ 495): فيما ذكر السري عن شعيب، عن سيف، عن الصعب.
(2)
تاريخ الطبري (2/ 522): كتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب به.
(3)
فتوح البلدان (1/ 117).
وصل البطاح وعليها مالك بن نويرة، فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة، وبذلوا الزكوات، إلا ما كان مالك بن نويرة فإنه متحير في أمره، متنح عن الناس، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه. (1)
وما توقف مالك عن القتال إلا بعدما يئس من الأمر، وأصابته الحيرة، فلما انصرفت سجاح إلى الجزيرة وراجع بنو تميم الإسلام، أقام مالك بن نويرة متحيرًا في أمره واجتمع إليه من تميم بنو حنظلة واجتمعوا بالبطاح فسار إليهم خالد بعد أن تقاعد عنه الأنصار يسألونه انتظار أبي بكر فأبى إلا انتهاز الفرصة من هؤلاء فرجعوا إلى اتباعه ولحقوا به وكان مالك بن نويرة لما تردد في أمره فرق بني حنظلة في أموالهم ونهاهم عن القتال ورجع إلى منزله. (2)
5 -
قول مالك على النبي صلى الله عليه وسلم قولًا لا يليق أن يقال، وهذا هو السبب الأساسي في قتل خالد لمالك:
ولذلك أشار ابن حجر إلى أن هذا هو السبب الأساسي في قتل خالد لمالك فقال: وكان خالد يقول: إنما أمر بقتل مالك لأنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما أخال صاحبكم ألا قال كذا وكذا، فقال له: أوما تعده لك صاحبًا. (3)
قال ابن كثير: ويقال: بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنَّبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال: ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم كان يزعم ذلك، فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ (4).
قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر، واحتج إبراهيم بن حسين بن خالد الفقيه في مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لقوله -عن النبي صلى الله عليه وسلم صاحبكم، وقال أبو سليمان الخطابي: لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في
(1) البداية والنهاية (6/ 354).
(2)
تاريخ ابن خلدون (2/ 73).
(3)
الإصابة في تمييز الصحابة (5/ 755).
(4)
البداية والنهاية (6/ 354).
وجوب قتله إذا كان مسلمًا (1).
فقد انضمت عدة قرائن عند خالد لقتل مالك، حتى ولو قلنا بأن هذه اللفظة ليست هي السبب الوحيد في ذلك: قال صاحب مرقاة المفاتيح: وأما قتل خالد رضي الله عنه مالك بن نويرة لا قال له كان صاحبكم يقول كذا، فقال خالد: هو صاحبنا وليس بصاحبك فقتله فهو لم يكن لمجرد هذه اللفظة، بل لأنه بلغه عنه الردة وتأكد ذلك عنده بما أباح له به الإقدام على قتله في تلك الحالة. (2)
6 -
لم يسمع خالد ومن معه أذانًا من قوم مالك: إن أبا بكر مع علمه بردة هؤلاء إلا أنه يريد أن لا يكون لهم حجة في إثبات ردتهم، فأشار إلى خالد بأن يُنذرهم حتى يسمع الأذان، وليس هذا فحسب، بل أيضًا يؤدوا ما عليهم من زكاة، فلو أنه ثبت أن مالك بن نويرة وقومه أذنوا فلماذا إذًا لم يُعطوا الزكاة، مع أن هناك رواية أخرى تدل على أنهم لم يؤذنوا.
الرواية التي تدل علي أنهم لم يسمعوا الأذان: عن أبي قتادة قال: عهد أبو بكر إلى خالد وأمرائه الذين وجهوا إلى الردة أن إذا أتوا دارًا أن يقيموا، فإن سمعوا آذانًا أو رأوا صلاة أمسكوا حتى يسألوهم عن الذي نقموا ومنعوا له الصدقة، وإن لم يسمعوا آذانًا ولا رأوا مصليًا، شنوا الغارة وقتلوا وحرقوا ...... قال: فكنت مع خالد حتى فرغ من قتال طليحة وغطفان وهوازن وسليم. وقد كان خالد بث سراياه فلم يسمعوا آذانًا وقاتلهم قوم بالبعوضة من ناحية المذار فجاءوا بمالك بن نويرة في أسرى من قومه. (3)
رواية تدل على انهم لم يسمعوا لعدم وجود مؤذنهم: قال أبو اليقظان عن طفيل قال: نزل خالد بالبعوضة وكان أبو الحلال مؤذنهم غائبًا، فلم يؤذن أحد فأغار عليهم فقتل منه ناسًا منهم بشر بن أبي سود الغداني، وأفلت يومئذ مرداس بن أدية وهو ابن عشر سنين. (4)
(1) الشفا (2/ 188).
(2)
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (12/ 447).
(3)
أخرجه خليفة في تاريخه (1/ 68)، وقد تقدم تخريجه.
(4)
تاريخ خليفة (1/ 68).
رواية تدل على انهم سمعوا الأذان: وعن قتادة نحوه وقال: إنا لما غشينا القوم أخذوا السلاح، فقلنا: إنا مسلمون، فقالوا: ونحن مسلمون، قلنا: فما بال السلاح معكم؟ قالوا: فما بال السلاج معكم؟ قلنا: فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح، فوضعوا السلاح، ثم صلينا وصلوا. (1)
وأخيرًا، قال الصلابي: اختلفت الآراء في مقتل مالك بن نويرة اختلافًا كثيرًا: أقتل مظلومًا أم مستحقًا، أي أكافرًا قتل أم مسلمًا؟ وقام الدكتور علي العتوم بتحقيق هذه المسألة في كتابه "حركة الردة"، وتعرض الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه "نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم لهذه القضية"، وقام الشيخ محمد زاهر الكوثري بالدفاع عن خالد في كتابه "مقالات الكوثري" وغير ذلك من الباحثين، واخترت من بين من بحث هذا الموضوع ما ذهب إليه الدكتور علي العتوم؛ لأنه حقق المسألة تحقيقًا علميًا متميزًا، واهتم بأحداث الردة اهتمامًا لم أجده -على حسب اطلاعي- عند أحد من الباحثين المعاصرين وخرج بنتيجة أوافقه عليها: أن الذي أردى مالكًا: كبره، وتردده فقد بقي للجاهلية في نفسه نصيب، وإلّا لما ماطل هذه المماطلة في التبعية للقائم بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تأدية حق بيت مال المسلمين عليه، المتمثل بالزكاة، وفي تصوري أن الرجل كان يحرص على زعامته، ويناكف -في الوقت نفسه- بعض أقربائه من زعماء بني تميم الذين وضعوا عصا الطاعة للدولة الإسلامية، وأدوا ما عليهم لها من واجبات، ولقد كانت أفعاله وأقواله على السواء تؤيد هذا التصور فارتداده، ووقوفه بجانب سجاح، وتفريقه إبل الصدقة على قومه، بل ومنعهم من أدائها لأبي بكر، وعدم إصاخته لنصائح أقربائه المسلمين في تمرده. كل ذلك يدينه ويجعل منه رجلًا أقرب إلى الكفر منه إلى الإسلام، ولو لم يكن مما يحتج به على مالك إلا منعه للزكاة لكفى ذلك مسوِّغًا لإدانته، وهذا المنع مؤكد عند الأقدمين، فقد جاء في طبقات فحول الشعراء لابن سلام قوله: والمجمع عليه: أن خالدًا حاوره ورادّه، وإن مالكًا سمح بالصلاة والتوى بالزكاة جاء في شرح النووي لصحيح مسلم قوله عن المرتدين: كان في ضمن هؤلاء من يسمح بالزكاة ولا يمنعها
(1) أخرجه خليفة في تاريخه (1/ 67).