الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهمدان إلى جبانة كندة، ثم ليمضوا إلى حجر فليأتوني به، وليسر أهل اليمن حتى ينزلوا جبانة الصيداويين، وليمضوا إلى صاحبهم فليأتوني به، فخرجت الأزد وخثعم والأنصار وقضاعة وخزاعة، فنزلوا جبانة الصيداويين، ولم تخرج حضرموت مع اليمن لمكانهم من كندة.
قال أبو مخْنف:
فحدثني سعيد بن يحيى بن مخنف، عن محمد بن مخنف، قال: فإني لمَعَ أهل اليمن وهم يتشاورون في أمر حُجر، فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف: أنا مشير عليكم برأي، فإن قبلتموه رجوت أن تَسلَموا من اللائمة والإثم: أن تلبثوا قليلًا حتى تكفيكم عجلة في شباب مذحج وهمدان ما تكرهون أن يكون من مساءة قومكم في صاحبكم.
فأجمع رأيهم على ذلك، فلا والله ما كان إلا كلًّا، ولا حتى أتينا فقيل لنا: إن شباب مذحج وهمدان قد دخلوا، فأخذوا كل ما وجدوا في بني بجيلة.
قال: فمر أهل اليمن على نواحي دور كندة معتذرين، فبلغ ذلك زيادًا، فأثنى على مذحج وهمدان، وذم أهل اليمن. فلما انتهى حجر إلى داره ورأى قلة من معه قال لأصحابه: انصرفوا، فوالله ما لكم طاقة بمن اجتمع عليكم من قومكم، وما أحب أن أعرضكم للهلاك. فذهبوا لينصرفوا، فلحقتهم أوائل خيل مذحج وهمدان، فعطف عليهم عمير بن يزيد، وقيس بن يزيد، وعبيدة بن عمرو، وجماعة، فتقاتلوا معهم، فقاتلوا عنه ساعة فجرحوا، وأسر قيس بن يزيد، وأفلت سائر القوم، فقال لهم حجر: لا أبا لكم! تفرقوا لا تقتلوا؛ فإني آخذ في بعض هذه الطرق. ثم أخذ نحو طريق بني حرب من كندة، حتى أتى دار رجل منهم يقال له: سليمان بن يزيد، فدخل داره، وجاء القوم في طلبه، ثم انتهوا إلى تلك الدار، فأخذ سليمان بن يزيد سيفه، ثم ذهب ليخرج إليهم، فبكت بناته، فقال له حجر: ما تريد؟ لا أبا لك! فقال له: أريد والله أن ينصرفوا عنك؛ فإن فعلوا وإلا ضاربتهم بسيفي هذا ما ثبت قائمه في يدي دونك. فقال له حجر: بئس والله إذن ما دخلت به علي بناتك! أما في دارك هذه حائط أقتحمه أو خوخة أخرج منها، عسى الله أن يسلمني منهم ويسلمك؛ فإن القوم إن لم يقدروا عليَّ في دارك لم يضرك أمرهم. قال: بلى، هذه خوخة تخرجك إلى دور بني العنبر من كندة، فخرج معه فتية من
الحي يقصون له الطريق، ويسلكون به الأزقة، حتى أفضى إلى النخع، فقال عند ذلك: انصرفوا، رحمكم الله. فانصرفوا عنه، وأقبل إلى دار عبد الله بن الحارث أخي الأشتر، فدخلها، فإنه لكذلك قد ألقى له عبد الله الفرش، وبسط له البسط، وتلقاه ببسط الوجه وحسن البشر إذ أتي فقيل له: إن الشرط تسأل عنك في النخع وذلك أن أمة سوداء يقال لها: أدماء لقيتهم، فقالت لهم: من تطلبون؟ قالوا: نطلب حجرًا، فقالت: هو ذا قد رأيته في النخع، فانصرفوا نحو النخع؛ فخرج متنكرًا، وركب معه عبد الله ليلًا حتى أتى دار ربيعة بن ناجذ الأزدي، فنزل بها، فمكث يومًا وليلة. فلما أعجزهم أن يقدروا عليه دعا زياد محمد بن الأشعث، فقال: أما والله لتأتيني بحجر أولا أدع لك نخلة إلا قطعتها، ولا دارًا إلا هدمتها، ثم لا تسلم مني بذلك حتى أقطعك إربًا إربًا. فقال له: أمهلني أطلبه. قال: قد أمهلتك ثلاثًا، فإن جئت به وإلا فاعدد نفسك من الهلكى. وأخرج محمد نحو السجن وهو منتقع اللون يتل تلًا عنيفًا، فقال حجر بن يزيد الكندي من بني مرة لزياد: ضمنيه وخل سبيله ليطلب صاحبه، فإنه مخلى سربه أحرى أن يقدر عليه منه إذا كان محبوسًا. قال: أتضمنه لي؟ قال: نعم. قال: أما والله لئن حاص عنك لأوردنك شعوب، وإن كنت الآن عليَّ كريمًا. قال: إنه لا يفعل. فخلى سبيله.
ثم إن حجر بن يزيد كلمه في قيس بن يزيد، وقد أتي به أسيرًا، فقال: ما عليه من بأس، قد عرفنا رأيه في عثمان رضي الله عنه، وبلاءه مع أمير المؤمنين بصفين، ثم أرسل إليه فأتي به، فقال: قد علمت أنك لم تقاتل مع حجر أنك ترى رأيه، ولكن قاتلت معه حمية، وقد غفرنا لك لما نعلمه من حسن رأيك، ولكن لا أدعك حتى تأتيني بأخيك عمير. قال: آتيك به إن شاء الله. قال: هات من يضمنه معك. قال: هذا حجر بن يزيد. قال حجر: نعم، على أن تؤمنه على ماله ودمه. قال: ذلك لك.
فانطلقا فأتيا به، فأمر به فأوقر حديدًا، ثم أخذته الرجال ترفعه، حتى إذا بلغ سررها ألقوه، فوقع على الأرض، ثم رفعوه فألقوه، ففعل به ذلك مرارًا، فقام إليه حجر بن يزيد، فقال: أو لم تؤمنه؟ قال: بلى، لست أهريق له دمًا، ولا آخذ له مالًا. فقال: هذا يشفي به
على الموت، وقام كل من كان عنده من أهل اليمن، فكلموه فيه، فقال: أتضمنونه لي بنفسه متى أحدث حدثًا أتيتموني به؟ قالوا: نعم. فخلى سبيله.
ومكث حجر في منزل ربيعة بن ناجذ يومًا وليلة، ثم بعث إلى ابن الأشعث غلامًا يدعى رشيدًا من سبي أصبهان، فقال له: إنه قد بلغني ما استقبلك به هذا الجبار العنيد، فلا يهولنك شيء من أمره؛ فإني خارج إليك، فاجمع نفرًا من قومك، وادخل عليه، واسأله أن يؤمنني حتى يبعثني إلى معاوية، فيرى فيَّ رأيه. فخرج محمد إلى حجر بن يزيد، وجرير بن عبد الله، وعبد الله أخي الأشتر، فدخلوا إلى زياد فطلبوا إليه فيما سأله حجر، فأجاب، فبعثوا إليه رسولًا يعلمونه بذلك. فأقبل حتى دخل على زياد، فقال له: مرحبًا يا أبا عبد الرحمن، حرب في أيام الحرب، وحرب وقد سالم الناس! (على نفسها تجني براقش)، فقال له: ما خالعت طاعة، ولا فارقت جماعة، وإني لعلى بيعتي. فقال: هيهات يا حجر، أتشج بيد وتأسو بأخرى، وتريد إذا أمكننا الله منك أن ترضى! هيهات والله! فقال: ألم تؤمنني حتى آتي معاوية، فيرى فيَّ رأيه. قال: بلى، انطلقوا به إلى السجن. فلما مضي به قال: أما والله لولا أمانه ما برح حتى يلقط عصبه. فأخرج وعليه برنس في غداة باردة، فحبس عشر ليال، وزياد ما له عمل غير الطلب لرؤوس أصحاب حجر.
فخرج عمرو بن الحمق، ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن، ثم ارتحلا حتى أتيا الموصل، فأتيا جبلًا فكمنا فيه، وبلغ عامل ذلك الرستاق -وهو رجل من همدان يقال له: عبيد الله بن أبي بلتعة- خبرهما، فسار إليهما في الخيل، ومعه أهل البلد، فلما انتهى إليهما خرجا، فأما عمرو فكان بطنه قد استسقى، فلم يكن عنده امتناع.
وأما رفاعة فكان شابًا قويًا فوثب على فرس له جواد، وقال لعمرو: أقاتل عنك. قال: وما ينفعني أن تقتل؟ انج بنفسك، فحمل عليهم، فأفرجوا له حتى أخرج فرسه، وخرجت الخيل في طلبه، وكان راميًا فلم يلحقه فارس إلا رماه، فجرحه أو عقره، فانصرفوا عنه؛ فأخذ عمرو بن الحمق، فسألوه: من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم