الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك"، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت: ثم قال: "إن الله قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله، ورسوله، والدار الآخرة. (1)
وقد سبق في ألفاظ هذا الحديث عن ابن عباس، وجابر رضي الله عنه أن ذلك كان بعد اعتزاله صلى الله عليه وسلم لنسائه شهرًا.
ولهذا قال ابن حجر: وقد أخرج مسلم أيضًا من طريق سماك بن الوليد، عن ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب، قال:(لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت المسجد)، وذكر الحديث بطوله وفي آخره قال:(وأنزل الله آية التخيير) فاتفق الحديثان على أن آية التخيير نزلت عقب فراغ الشهر الذي اعتزلهن فيه، واختلف الحديثان في سبب الاعتزال ويمكن الجمع بأن يكون القضيتان جميعًا سبب الاعتزال؛ فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما، وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة، ومناسبة آية التخيير بقصة سؤال النفقة أليق منها بقصة المتظاهرتين (2).
وقد سبق القول في ذلك وبيانه في الفقرة قبل هذه.
موقف عائشة رضي الله عنها من إبراهيم الذي ولدته مارية:
أولًا: هل صح أن عائشة رمت مارية تصريحًا، أو تعريضًا بسبب الغيرة لما ولدت مارية إبراهيم؟ ! حيث رأى البعض ذلك وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليًّا رضي الله عنه بضرب عنق ابن عم مارية فوجده مجبوبًا.
والجواب عن ذلك عن طريق إيراد الروايات التي وردت في ذلك وبيان حالها.
أولًا: عن عائشة رضي الله عنها قالت: أهديت مارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابن عم لها قالت: فوقع عليها وقعة فاستمرت حاملًا قالت: فعزلها عند ابن عمها قالت: فقال أهل الإفك والزور من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره وكانت أمه قليلة اللبن فابتاعت له ضائنة لبون فكان يغذى بلبنها فحسن عليه لحمه، قالت عائشة: فدخل به على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "
(1) البخاري (4507).
(2)
فتح الباري 8/ 521.
كيف ترين" فقلت: من غذي بلحم الضأن يحسن لحمه قال: "ولا الشبه" قالت: فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت: ما أرى شبهًا، قالت: وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقول الناس فقال لعلي: "خذ هذا السيف فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته" قالت: فانطلق فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطبًا قالط: فلما نظر إلى علي ومعه السيف استقبلته رعدة قال: فسقطت الخرفة، فإذا هو لم يخلق الله عز وجل له ما للرجال شيء ممسوح. (1)
والجواب عن هذه الرواية: أنها موضوعة كما هو مبين في الحاشية.
وأما الرواية الصحيحة في ذلك فها هي: عن أنس رضي الله عنه أن رجلًا كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلي اذهب فاضرب عنقه" فأتاه علي، فإذا هو في ركي يتبرد فيها،
(1) منكر بهذا السياق. أخرجه الحاكم 4/ 41 من طريق أبي معاذ سليمان بن الأرقم الأنصاري، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به. وسكت عنه هو والذهبي، وفيه سليمان بن الأرقم قال الدوري: سمعت يحيى يقول سليمان بن الأرقم ليس بشيء انظر تاريخ ابن معين رواية الدوري (1323)، وقال أحمد: سليمان لا يسوى شيئًا لا يروى عنه الحديث العلل 2/ 67 (1570)، وقال البخاري: تركوه، وقال أبو داود، وأبو حاتم، والترمذي، وابن خراش، وأبو أحمد الحاكم، والدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن حبان سكن اليمامة، ومولده بالبصرة، وكان ممن يقلب الأخبار، ويروي عن الثقات الموضوعات تهذيب التهذيب 4/ 148، ولسليمان بن أرقم متابعة من الليث بن سعد أخرجها ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3124) فقال: حدثني محمد بن يحيى الباهلي، نا يعقوب بن محمد، عن رجل سماه، عن الليث بن سعد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به مطولا، ولكن هذه متابعة هالكة؛ لأن في إسنادها محمد بن يحيي الباهلي لم أجد له ترجمة.
ويعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال: أحمد ليس بشيء ليس يسوى شيئًا، وقال ابن معين ما حدثكم عن الثقات فاكتبوه وما لا يعرف من الشيوخ فدعوه، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال صالح بن محمد عن ابن معين: أحاديثه تشبه أحاديث الواقدي، وقال العقيلي في حديثه وهم كثير، ولا يتابعه عليه إلا من هو نحوه تهذيب التهذيب 11/ 347 وقال ابن حجر: صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء. التقريب (7834).
وشيخه الذي روى عنه مبهم لا يدرى من هو وعليه فهذه طريق لا تزيد الأولى إلا ضعفا ونكارة، هذا وللحديث أصل صحيح أخرجه مسلم كما ذكرته بعد هذا وليس فيه هذه الزيادات المنكرة وأشدها نكارة قول عائشة ما أرى شبها وانظر الضعيفة (4964). وللحديث متابعة ثالثة من محمد بن عبد الله الأنصاري أخرجها ابن سعد 1/ 137 ولكنها من طريق الواقدي فهذه متابعة تدل على تأكد الكذب والوضع وعلى أن هذا السياق منكر.
فقال له علي: أخرج فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر فكف علي عنه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إنه لمجبوب ماله ذكر. (1) فهذا ما يغني عن هذا الكذب والحمد لله.
قال ابن الجوزي: فإن قال قائل: ظاهر هذا الحديث يدل على أن عليًّا رضي الله عنه أراد قتله، وقد روي في حديث آخر صريحًا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"يا علي، خذ السيف فإن وجدته عندها فاقتله" فكيف يجوز القتل على التهمة؟ فقد أجاب عنه ابن جرير الطبري، وقال: من الجائز أن يكون قد كان من أهل العهد وأنه لم يسلم، وقد كان تقدم إليه بالنهي عن الدخول إلى مارية، فلم يقبل فأمر قتله لنقض العهد (2)، ولهذا الحديث رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو ولكن جعل مكان علي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أخرجها ابن عبد الحكم في فتوح مصر فقال: حدثنا هاني بن المتوكل قال: حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة المهري أحسبه عن عبد الله بن عمرو، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم إبراهيم أم ولده القبطية. فوجد عندها نسيبًا لها كان قدم معها من مصر، وكان كثيرًا ما يدخل عليها فوقع في نفسه شيء فرجع فلقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعرف ذلك في وجهه فسأله فأخبره، فأخذ عمر السيف ثم دخل على مارية وقريبها عندها، فأهوى إليه بالسيف فلما رأى ذلك كشف عن نفسه وكان مجبوبًا ليس بين رجليه شيء، فلما رآه عمر رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فأخبرني: أن الله عز وجل قد برأها وقريبها وأن في بطنها غلامًا مني وأنه أشبه الخلق بي، وأمرني أن أسميه إبراهيم وكناني بأبي إبراهيم. (3)
(1) صحيح مسلم (2771).
(2)
المنتظم 1/ 375.
(3)
أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر 1/ 57، وابن عساكر في تاريخ دمشق 3/ 45 من طريق ابن لهيعة به، وهذا إسناد ضعيف جدًّا فيه هاني بن التوكل، قال ابن حبان: كثرت المناكير في روايته لا يجوز الاحتجاج به بحال وقال أبو حاتم: "أدركته ولم أكتب عنه" هكذا نقلها الحافظ في اللسان، والألباني في الضعيفة؛ ثم قال: وهذه كناية عن شدة ضعفه، وقال ابن القطان: لا يعرف حاله. لسان الميزان 6/ 186 (664)، والضعيفة (2608)، والجرح والتعديل 9/ 102، والمجروحين لابن حبان 3/ 97، والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 3/ 172، وشيخه عبد الله بن لهيعة ضعيف، قال ابن حجر: وفي سنده ابن لهيعة، وشك بعض =
ومن خلال هذا ترى أن عائشة رضي الله عنها ما رمت مارية بالزنا لا تصريحًا ولا تعريضًا؛ لأن الرواية في ذلك منكرة. والله أعلم.
* * *
= رواته في شيخه الإصابة 5/ 700، وعليه فهذا إسناد شديد الضعف مع ما فيه من مخالفة في ذكر الصحابي الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم.