الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان اتصاله صلى الله عليه وسلم به عن طريق المصاهرة خير مكافأة له على ما قدم في سبيل الإسلام (1).
وها هي القصة فإن فيها عبرة: عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنهم حين تأيّمت حفصة من خنيس بن حذافة السهمي لقي عثمان رضي الله عنه فقال: إن شئتَ أنكحتك حفصة، قال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج، قال عمر: فقلت لأبي بكر رضي الله عنه: إن شئت أنكحتك حفصة، فصمت، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدتَ عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئًا، قلت: نعم، قال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك إلا أني علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها، فلم أكن أفشي سره، ولو تركها لقبلتها. (2)
ثالثا: دورها في جمع المصحف:
أشار عمر بن الخطاب على الخليفة أبي بكر أن يبادر إلى جمع القرآن الكريم قبل أن يبعد العهد بنزوله، ويمضي حفظته الأولون، وقد استشهد منهم مئات في حروب الردة، واستجاب أبو بكر بعد تردد، وجمع المصحف الكريم وأودعه عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر، وفي عهد عثمان رضي الله عنه تم توحيد حرف المصحف، ورسمه من المصحف المجموع المودع لدى حفصة، ونسخت منه نسخ المصحف العثماني الإمام، ووزعت على الأمصار.
فعن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه -وكان ممن يكتب الوحي- قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر يوم
(1) انظر الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين لعبد الرحمن بن محمد.
(2)
البخاري (3783، 4830، 4836، 4850)، وهذه فائدة جليلة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من حفصة: حيث يبدوا واضحًا من القصة المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي عندما تترمل لا تنتهي حياتها كما يحدث في بعض المجتمعات الجاهلة؛ حيث تصبح جزءًا من المتاع يتوارثه أقرباء الزوج في بعض البلاد، أو يصبح حتمًا عليها أن تتزوج من شقيق الزوج أو من يرضاه لها في بلاد أخرى، وحتى إذا أرادت أن تتزوج وسُمح لها بذلك فلن تجد إلا الرجال من الدرجة الثانية، فكلهم يرغبون المرأة البكر الصغيرة. أما الإسلام فقد طالب المرأة أن تستأنف حياتها من جديد، مرة بعد أخرى حتى لا تضيع في دائرة العُقَد والحرمان، وضرب المثل في ذلك قائدُ الأمة صلى الله عليه وسلم، فيضمها النبي صلى الله عليه وسلم إليه فتقر عينها، ويرضي هذا التصرف والدها الذي بذل الكثير في سبيل تدعيم الدين الجديد، وتنضم بذلك حفصة الشابة التقية الورعة إلى بيت النبوة لتصبح أُمًّا للمؤمنين اهـ.
اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقصت فتتبدت القرآن أجمعه من الرقاع، والأكتاف، والعسب، وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
…
} إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. (1)
وعن أنس بن مالك: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم فافعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردَّ عثمانُ الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق
(1) البخاري (4402، 4701).