الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الأول: ذكر الاختلاف في سبب النزول مجملًا مع تصديره بالقول الراجح.
الوجه الثاني: ذكر كل قول من الأقوال على حدة مع ذكر دليله معه.
الوجه الثالث: وجه الجمع بين هذه الروايات.
الوجه الرابع: هل هناك علاقة بين هاتين القصتين وبين هجر النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؛ لأن البعض يتساءل: هل كان ابتعاده صلى الله عليه وسلم عن نسائه مرتبطًا بسورة التحريم أو الأحزاب أم كان الهجر أكثر من مرة؟ .
وإليك التفصيل
الوجه الأول: ذكر الخلاف مجملًا في سبب نزول صدر سورة التحريم
.
اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها نزلت في تحريم العسل وهذا هو الراجح، وأما التي كان يشرب عندها العسل فهي زينب وهو الراجح، وفي رواية أنها حفصة، وقيل سودة، وقيل أم سلمة. والراجح الأول.
الثاني: أنها نزلت في تحريم مارية ونسبه القرطبي إلى أكثر المفسرين، ويمكن الجمع بين هذا السبب والذي قبله.
الثالث: أنها نزلت في تحريم الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قول ضعيف غريب.
قال ابن كثير: والصحيح أن ذلك كان في تحريمه العسل، وقال القرطبي: وهو أصحها وبعد هذا الإجمال نذكر هذه الأقوال بأدلتها:
أولا: نزلت في تحريم العسل وقد اختلف العلماء في تحديد التي كان يشرب عندها العسل. فقيل زينب بنت جحش ودليل هذا القول حديث عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب عسلًا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على أيَّتُنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير قال: "لا ولكني كنت
أشرب عسلًا عند زينت بنت جحش، فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا" {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} هكذا أورد هذا الحديث هاهنا بهذا اللفظ. (1)
ورواه في كتاب الأيمان والنذور مطولًا عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلًا فتواطأت أنا وحفصة أن أيَّتُنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل له إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير، فدخل على إحداهما النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ذلك له فقال:"لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له فنزلت {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} لعائشة وحفصة {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لقوله: بل شربت عسلًا، وقال إبراهيم بن موسى عن هشام: "ولن أعود له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدًا" (2).
وقيل كان يشرب عند حفصة: والدليل على ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس فغرت، فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة فقلت: أما والله لنحتالن له فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي أكلت مغافير، فإنه سيقول لك لا، فقولي له ما هذه الريح التي أجد، فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل، فقولي جرست نحله العرفط، وسأقول لك وقولي له أنت يا صفية ذلك قالت: تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على الباب فأردت أن أناديه بما أمرتني فرقا منك، فلما دنا منها قالت له
(1) البخاري (4628).
(2)
البخاري (6313)، ومسلم (1474).
سودة: يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال: "لا" قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: "سقتني حفصة شربة عسل" قالت: جرست نحلة العرفط، فلما دار إلي قلت نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت له: يا رسول الله ألا أسقيك منه؟ قال: "لا حاجة لي فيه" قالت: تقول سودة والله لقد حرمناه، قلت لها اسكتي (1).
وقد رواه مسلم عن سويد بن سعيد، عن علي بن مسهر به، و (عن أبي كريب، وهارون بن عبد الله، والحسن بن بشر) ثلاثتهم عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن هشام بن عروة به وعنده قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح يعني الريح الخبيثة ولهذا قلن له أكلت مغافير؛ لأن ريحها فيه شيء فلما قال: "بل شربت عسلًا". (2)
قال ابن حجر: ووجدت لقصة شرب العسل عند حفصة شاهدًا في تفسير بن مردويه من طريق يزيد بن رومان عن ابن عباس ورواته لا بأس بهم وقد أشرت إلى غالب ألفاظه. (3)
قلت: ففي هذه الرواية أن التي سقت العسل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي حفصة رضي الله عنها.
وقيل كان يشرب العسل عند سودة رضي الله عنها
كما رواه الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عند سودة العسل فدخل على عائشة فقالت: إني أجد منك ريحًا، ثم دخل على حفصة فقالت: إني أجد منك ريحًا. فقال: "أراه من شراب شربته عند سودة والله لا أشربه" فنزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} .
قال ابن حجر: وأخرج بن مردوية من طريق بن أبي مليكة عن ابن عباس أن شرب العسل كان عند سودة (4)(5). وهناك رواية تقول بأن شرب العسل كان عند أم سلمة رضي الله عنها.
(1) البخاري (4967) واللفظ له، ومسلم (1474).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
فتح الباري 9/ 377.
(4)
فتح الباري 9/ 376.
(5)
الطبراني في الكبير (11226)، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح المجمع 7/ 269 (11426).