الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: والقول: إنه إِفتاء أصحّ. وعلى افتراض أنه كان قضاءً؛ فلا ينفي أن يكون ذلك إِفتاءً لمن احتاج إِلى الإِفتاء، وقضاءً لمن احتاج إِلى القضاء، فمقتضى الفقه أن يستفاد منه في الإِفتاء والقضاء.
وليست كل امرأةٍ بمستطيعة أن تشكو إِلى القاضي، إذ ربما يؤدي ذلك إِلى مفاسد أخرى، والله -تعالى- أعلم.
ويُشترط الرُشد في المرأة؛ لأخْذ النفقة من الزوج بغير علمه، قال الله -تعالى-:{ولا تُؤتوا السفهاء أموالكم} (1).
نفقة زوجة الغائب:
وإذا غاب الرجال عن النّساء؛ لم تسقط عنهم النفقة.
فعن ابن عمر أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "كتب إِلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن ينفقوا أو يُطلّقوا، فإِنْ طلّقوا بعثوا بنفقة ما مضى". قال ابن المنذر: ثبت ذلك عن عمر (2).
جاء قي "السيل الجرّار"(2/ 256): "أقول: قد أمَر الله -سبحانه- بإِحسان عِشرة صلى الله عليه وسلم زوجات فقال: {وعاشِرُوهُنّ بِالمَعْرُوف} (3)، ونهى عن إِمساكهن ضراراً فقال:{ولا تمسكوهنّ ضراراً} (4)، وأمَر بالإِمساك بالمعروف أو
(1) النساء: 5.
(2)
أخرجه الشافعي، وعنه البيهقي، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(2159).
(3)
النساء: 19.
(4)
البقرة: 231.
التسريح بإِحسان فقال: {فإِمساك بمعروف أو تسريح بإِحسان} (1)، ونهى عن مضارتهن فقال:{ولا تُضَاروُّهنّ} (2). فالغائب إِن حصل مع زوجته التضرّر بغيبته جاز لها أن ترفع أمرها إِلى حُكّام الشريعة، وعليهم أن يخلِّصوها من هذا الضرار البالغ. هذا على تقدير أنّ الغائب تَرَك لها ما يقوم بنفقتها، وأنها لم تتضرر من هذه الحيثية، بل من حيثية كونها لا مزوجة ولا أيمّة. أمّا إِذا كانت متضررة بعدم وجود ما تستنفقه مما تركه الغائب؛ فالفسخ بذلك على انفراده جائز ولو كان حاضراً؛ فضلاً عن أن يكون غائباً، وهذه الآيات التي ذكَرناها وغيرها تدل على ذلك.
فإِن قلت: هل تعتبر مدة مقدرة في غيبة الغائب؟
قلت: لا؛ بل مجرد حصول التضرر من المرأة مُسوِّغ للفسخ بعد الإِعذار إِلى الزوج؛ إِن كان في محلٍّ معروف، لا إِذا كان لا يعرف مستقره، فإِنه يجوز للحاكم أن يفسخ النكاح بمجرد حصول التضرر من المرأة، ولكن إِذا كان قد ترك الغائب ما يقوم بما تحتاج إِليه، ولم يكن التضرر منها إِلا لأمر غير النفقة ونحوها؛ فينبغي توقيفها مدة، يخبر مَنْ له عدالة من النساء؛ بأن المرأة تتضرر بالزيادة على تلك المدة.
وأمّا إِذا لم يترك لها ما تحتاج إِليه؛ فالمسارعة إِلى تخليصها، وفكِّ أسْرها ودفْع الضرار عنها واجب. ثمّ إِذا تزوجت بآخر؛ فقد صارت زوجته، وإِنْ عاد الأول فلا يعود نكاحه؛ بل قد بطل بالفسخ".
(1) البقرة: 229.
(2)
الطلاق: 6.