الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثاني منهما: قول علي رضي الله عنه للزوج حين قال: أمّا الفرقة فلا. قال: كذبت، حتى تُقرَّ بما أقرَّت به. قالوا: فلو كانا حاكمين لا افتقر إِلى إِقرار الزوج، والله أعلم.
قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الحَكَمين، إِذا اختلف قولهما، فلا عبرة بقول الآخر، وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان، واختلفوا: هل ينفذ قولهما في التفرقة؛ ثمّ حكى عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضاً. انتهى
قلت: والذي يترجَّح لديّ أنَّ للحَكَمين أنْ يجمَعا وأنْ يُفرِّقا، وذلك إِذا كان فعْل أحدهما هو الأرضى لله -تعالى-، ويكون الأكثر مصلحة أو الأخفّ مفسَدَة للزوجين، وهذا قد يكون في جمْعهِما، وقد يكون في تفريْقهِما -والله أعلم-.
الظِّهار
أصْل الظهار مشتقٌّ من الظَّهْر، وذلك أنّ الجاهلية كانوا إِذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمّي، [وإنما خُصّ الظهر بذلك دون سائر الأعضاء؛ لأنه محلّ الركوب غالباً، ولذلك سُمّيَ المركوبُ ظهراً، فشُبّهت الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل].
…
وكان الظهار عند الجاهلية طلاقاً، فأرخص الله لهذه الأمّة وجعَل فيه كفّارة، ولم يجعله طلاقاً؛ كما كانوا يعتمدونه في الجاهليّة (1).
(1) قاله ابن كثير رحمه الله في "تفسيره، وما بين معقوفين من "الفتح" (9/ 432).
قال الله -تعالى-: {الذين يُظاهرون منكم من نسائهم ما هنَّ أُمَّهاتِهِم إِنْ أُمَّهاتُهُم إِلا اللائي ولَدْنهم وإِنهم ليقولون مُنكَراً من القول وزوراً وإِنّ الله لعفوّ غفور} (1). وهذه الآية صريحةٌ في حُرمته.
وعن عروة بن الزبير قال: "قالت عائشة: تبارك الذي وسِع سمْعُه كل شيء، إِني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى عليَّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله! أكلَ شبابي، ونثرتُ له بطني، حتى إِذا كَبِرت سِنِّي، وانقطع ولدي، ظاهَر منّي، اللهم إِني أشكو إِليك.
فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات: {قد سمع الله قول التي تُجادلك في زوجها وتشتكي إِلى الله} " (2).
وعن سلمة بن صخر البياضي قال: كنت امرأً أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان، خِفْتُ أن أصيب من امرأتي شيئاً يُتابَعُ بي حتى أُصبح، فظاهرتُ منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تَخْدُمني ذات ليلة إِذ تكشّف لي منها شيء، فلم ألبَث أن نزوْت عليها (3)، فلما
(1) المجادلة: 2.
(2)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1678)، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وانظر "الإرواء" (7/ 175). وذكَره البخاري معلّقاً ولفظه:"عن عروة عن عائشة قالت: الحمد لله الذى وسع سمْعُهُ الأصواتَ، فأنزل الله -تعالى- على النّبي صلى الله عليه وسلم: {قد سمع الله قول التي تُجادلك في زوجها} ". وقد وصَله أحمد وغيره بسند صحيح عنها، وانظر "مختصر البخاري"(4/ 334).
(3)
أي: وَثَبْتُ عليها ووَاقعتُها.