الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإِنْ كانت غيرَ مدخول بها، وقد مات عنها زوجها، فعليها العِدّة، كما لو كان قد دخَل بها.
قال الله -تعالى-: {والذين يُتوفون منكم ويذَرون أزواجاً يتربَّصن بأنفسهنَّ أربعةَ أشهرٍ وعشراً} (1).
عدّة المدخول بها:
وأمّا المدخول بها؛ فإِمّا أن تكون من ذوات الحيض، وإمّا أن تكون من غير ذوات الحيض.
عدّة الحائض:
فإِنْ كانت من ذوات الحيض، فعدّتها ثلاثة قروء؛ لقول الله -تعالى-:{والمطلقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء} (2).
والقروء جمع قُرء، والقرء: الحيض.
ورجَّح ذلك ابن القيّم -رحمه الله تعالى- فقال في "زاد المعاد"(5/ 609 - 611): "إِن لفظ (القرء) لم يُستعمل في كلام الشارع إِلا للحيض، ولم يجيء عنه في موضع واحد استعماله للطهر، فحمْله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى، بل متعين، فإِنه صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة: "دعي الصّلاة أيّام أقْرائِك" (3) وهو صلى الله عليه وسلم المعبّر عن الله -تعالى- وبِلُغَةِ قومه نزَل القرآن، فإِذا ورد
(1) البقرة: 234.
(2)
البقرة: 228.
(3)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(252)، والترمذي "صحيح سنن =
المشترك في كلامه على أحد معنييه، وجب حمْلُه في سائر كلامه عليه؛ إِذا لم تثبت إِرادة الآخر في شيء من كلامه ألبتة، ويصيرُ هو لغة القرآن التي خوطبنا بها، وإنْ كان له معنى آخر في كلام غيره".
ثمّ قال رحمه الله: "فإِذا ثبت استعمال الشارع لفظ القروء في الحيض؛ عُلم أن هذا لغته، فيتعين حمْله على ما في كلامه، ويوضح ذلك ما في سياق الآية من قوله:{ولا يحلّ لهنّ أنْ يكتمن ما خلَق الله في أرحامهنّ} (1).
وهذا هو الحيض والحمل عند عامَّة المفسرين، والمخلوق في الرحم إِنما هو الحيض الوجودي، ولهذا قال السلف والخلف: هو الحمل والحيض، وقال بعضهم: الحمل، وبعضهم: الحيض، ولم يقل أحد قطُّ: إِنه الطهر، ولهذا لم ينقله من عُني بجمع أقوال أهل التفسير، كابن الجوزي وغيره، وأيضاً فقد قال -سبحانه-:{واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهنّ ثلاثة أشهر واللائي لم يَحِضْن} (2) فجعل كلّ شهر بإِزاء حيضة، وعلّق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر من الحيض".
ثمّ قال رحمه الله (ص 631) منه: "فقوله -تعالى-: {فطلّقوهنّ
= الترمذي" (109)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (508)، وانظر "الإرواء" (207 و2118).
(1)
البقرة: 228.
(2)
الطلاق: 4.
لعدتهنّ} (1)، معناه: لاستقبال عدتهنّ لا فيها، وإذا كانت العدة التي يُطلق لها النساء مستقبلةً بعد الطلاق، فالمستقبَل بعدها إِنما هو الحيض، فإِنَّ الطاهر لا تستقبِلُ الطهر -إِذ هي فيه- وإنما تستقبل الحيض بعد حالها التي هي فيها". انتهى.
قلت: جاء في "حلية الفقهاء"(ص 183) -بحذف-: "وأمّا القُرء فهو اسمٌ يقع على الحيض والطُّهر
…
قال أبو عمرو بن العلاء: وإنّما جاز ذلك؛ لأنّ القُرء الوقت، وهو يصلح للحيض، ويصلُح للطُّهر.
فهذا ما تقوله العرب، وليس الاختلاف الواقع بين الفقهاء على اطّراح أحد القولين، وكلّهم مجمعون على أنّ القُرء اسمٌ يقع على الحيض، كما يقع على الطهر، ولكن كُلاًّ اختار قولاً، واحتج له من جهة المعنى.
ومثل ذلك أنّ الجون اسمٌ يقع على الأبيض، كما يقع على الأسود، ثمّ اختلف الناس في الشمس، ولِمَ سُمّيت جَوْناً؟ فيقول قوم: لبياضها، ونورها، ويقول آخرون: لا، بل لسوادها، لأنّها إِذا غابت اسودت. ثمّ يحتجُّ كلٌّ لمِقالته؛ بعد إِجماعهم على أن الجَوْن الأبيض والأسود.
وكذا الفقهاء مجمعون على أن القُرء: الطُّهر والحيض
…
". انتهى
قلت: الذي ترجَّح لديّ أنْ يكون القرء هنا الحيض، وذلك أننا إِذا جَعَلنا القرء الطُّهر؛ أفضى ذلك إِلى تقليل مُدّة العدّة، فلو أنّ الرجل طلّق زوجته قبل موعد حيضتها بيوم؛ فإِنَّ أوَّل قرءٍ ينتهي بعد قرابة خمسة أيام مثلاً.
(1) الطلاق: 1.