الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبائحَ تُشْمِت أعداء الدين به، وتمنع كثيراً ممن يريد الدخول فيه بسببه؛ بحيث لا يحيط بتفاصيلها خطاب، ولا يحصرها كتاب، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح، ويعدّونها من أعظم الفضائح، قد قلبت من الدين رسمه، وغيرت منه اسمه، وضَمَّخَ التيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل، وزعم أنه قد طيَّبها للتحليل، فيالله العجب أيَّ طيبٍ أعارها هذا التيس الملعون؟ وأيُّ مصلحة حصلت لها ولمطلِّقها بهذا الفعل الدون؟ .. إِلى غير ذلك".
قال صاحب "الروضة": "وقد أطال -رحمه الله تعالى- في تخريج أحاديث التحليل في "إعلام الموقعين" إِطالة حسنة، فليراجع".
الزواج الذي تحلُّ به المطلقة للزوج الأول
(1):
إِذا طلَّق الرجل زوجته ثلاث تطليقات، فلا تحلّ له مراجعتها، حتى تتزوج بعد انقضاء عدتها زوجاً آخر زواجاً صحيحاً، لا بقصد التحليل.
فإِذا تزوجها الثاني زواج رغبة، ودخل بها دخولاً حقيقياً، حتى ذاق كل منهما عُسَيْلَةَ الآخر، ثمّ فارقها بطلاق أو موت، حلّ للأول أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها.
عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة رِفاعة القُرَظيِّ جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إِن رِفاعة طلقني فَبَتَّ طلاقي، وإني نكحتُ بعدهُ عبد الرحمن بن الزبير القُرظي، وإنما معهُ مثل الهدبة (2)؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلك تريدين أن ترجعي إِلى رِفاعة؟ لا حتى يذوق عُسَيلتك وتذوقي
(1) عن "فقه السنة"(2/ 368) -بتصرّف يسير-.
(2)
أرادت متاعه، وأنه رِخْوٌ مثل طرَف الثوب، لا يُغني عنها شيئاً. "النهاية".
عُسَيلته" (1).
وذوق العُسَيلة كناية عن الجماع، ويكفي في ذلك التقاء الختانين، الذي يوجب الحد والغسل. ونزل في ذلك قول الله -تعالى-:{فإنْ طلقها فلا تحلّ له من بعْدُ حتى تنكح زوجاً غيره فإِن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إِن ظنَّا أن يقيما حدودَ الله} (2).
وعلى هذا، فإِن المرأة لا تحل للأول، إِلا بهذه الشروط:
أولاً: أن يكون زواجها بالزوج الثاني صحيحاً.
ثانياً: أن يكون زواج رغبة؛ لا بقصد تحليلها للأول.
ثالثاً: أن يدخُل بها دخولاً حقيقياً بعد العقد، ويذوق عُسَيلتها، وتذوق عُسَيلته.
3 -
نكاح الشِّغار: وهو نِكاح معروف في الجاهلية، كان يقول الرجل للرّجل: شاغرني؛ أي: زوّجني أختك أو بنتك أو من تَلِي أمرها، حتى أزوّجك أختي أو بنتي أو من أَلِي أمرها، ولا يكون بينهما مهر، ويكون بُضْعُ كل واحدةٍ منهما في مقابلة بُضع (3) الأخرى (4).
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا شغار في
(1) أخرجه البخاري: 5260، ومسلم:1433.
(2)
البقرة: 230.
(3)
البُضع: يطلق على عقد النكاح والجماع معاً، وعلى الفرج. "النهاية".
(4)
"النهاية" وجاء في تتمَّته: "وقيل له: شغار لارتفاع [أي: لسقوط] المهر بينهما، من شَغَر الكلب: إِذا رفع إحدى رجليه ليبول. وقيل الشغر: البعد. وقيل: الاتّساع".
الإِسلام" (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار. والشغار أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك وأُزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأُزوجك أختي"(2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار. والشّغار أن يُزوِّج الرجل ابنته على أن يزوّجه الآخر ابنته، وليس بينهما صَداق"(3).
وهناك بعض الآثار الدالّة على بُطلان هذا النكاح وإن كان هناك صَداق.
فعن الأعرج: "أنّ العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وكانا جعلا صَداقاً، فكتب معاوية إِلى مروان يأمره أن يُفرِّق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم"(4)
وجاء في "السيل الجرّار"(2/ 267): "ولا يختص الشغار بالبنات والأخوات، بل حُكْم غيرهن من القرائب حُكْمهن، وقد حكى النووي الإِجماع على ذلك".
(1) أخرجه مسلم: 1415.
(2)
أخرجه مسلم: 1416.
(3)
أخرجه البخاري: 5112، ومسلم:1415.
(4)
أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن حبان، وحسّن إِسناده شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(1896).
قال ابن عبد البر: "أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صحته: فالجمهور على البطلان. وفي رواية عن مالك يُفْسَخُ قبل الدخول لا بعده، وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي. وذهب الحنفية إِلى صحته ووجوب مهر المِثْل
…
" (1).
وجاء في "الفتح"(9/ 163): "قال القرطبي:
…
تفسير الشغار صحيح مُوافِق لما ذكَره أهل اللغة؛ فإِن كان مرفوعاً فهو المقصود، وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضاً؛ لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال. وقد اختلف الفقهاء هل يُعتبر في الشغار الممنوع ظاهر الحديث في تفسيره، فإِن فيه وصفين: أحدهما: تزويج كل من الوليين وليّته للآخر بشرط أن يزوجه وليّته، والثاني: خلو بضع كل منهما من الصَّداق.
فمنهم من اعتبرهما معاً؛ حتى لا يمنع مثلاً إِذا زوَّج كل منهما الآخر بغير شرط؛ وإن لم يذكر الصَّداق، أو زوَّج كل منهما الآخر بالشرط وذكر الصَّداق.
وذهب أكثر الشافعية إِلى أن علة النهي الاشتراك في البضع؛ لأن بُضع كل منهما يصير مورد العقد، وجعْلُ البُضع صَداقاً مخالف لإِيراد عقد النكاح، وليس المقتضي للبطلان ترك ذِكر الصَّداق؛ لأن النكاح يصح بدون تسمية الصَّداق
…
".
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(11/ 131) تحت المسألة (1856): "ولا يحل نكاح الشغار: وهو أن يتزوج هذا وليَّة هذا على أن يزوجه الآخر وليَّته أيضاً، سواء ذكَرا في كل ذلك صَداقاً لكل واحدة منهما أو
(1) انظر "الفتح"(9/ 163).