الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنكاحه مردود" (1).
ثمّ ذكر حديث خنساء بنت خدام.
جاء في "السيل الجرّار"(2/ 272) بعد أن ذكَر عدداً من الأدلّة المتقدّمة وقال: "والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي تفيد أنه لا يصح نكاح من لم ترْضَ؛ بِكْراً كانت أو ثيّباً".
وقد فصل العلامة ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد"(5/ 95) فأجاد وأفاد.
الوكالة في الزواج:
*الوكالة من العقود الجائزة في الجملة؛ لحاجة الناس إِليها في كثير من معاملاتهم.
وقد اتفق الفقهاء على أنّ كلّ عقد جاز أن يعقده الإِنسان بنفسه، جاز أن يُوكِّل به غيره، كالبيع، والشراء، والإِجارة، واقتضاء الحقوق، والخصومة في المطالبة بها، والتزويج، والطلاق، وغير ذلك من العقود التي تقبل النيابة.
وقد كان النّبيّ -صلوات الله وسلامه عليه- يقوم بدور الوكيل في عقد الزواج، بالنسبة لبعض أصحابه؛ روى أبو داود عن عقبة بن عامر: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أترضى أن أزوجك فلانة؟ قال: نعم! وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك فلاناً؟ قالت: نعم! فزوَّج أحدهما صاحبه، فدخَل بها الرجل، ولم يفرض لها صَداقاً، ولم يعطها شيئاً.
وكان ممّن شهد الحديبية وكان مَن شهد الحديبية له سهم بخيبر، فلمّا
(1) انظر "صحيح البخاري"(كتاب النكاح)(باب - 42).
حضرته الوفاة، قال: إِنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجني فلانة، ولم أفرِض لها صَداقاً، ولم أُعطها شيئاً، وإنّي أشهدكم: أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذَت سهماً، فباعته بمائة ألف" (1).
وفي هذا الحديث دليل على أنه يصحّ أن يكون الرّجل وكيلاً عم الطرفين.
عن أمّ حبيبة: "أنها كانت عند ابن جحش، فهلَك عنها، وكان فيمن هاجر إِلى أرض الحبشة، فزوّجها النجاشيُّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهي عندهم"(2).
ويصح التوكيل من الرجل العاقل البالغ الحر؛ لأنه كامل الأهلية، وكلّ من كان كامل الأهلية، فإِنه يملك تزويج نفسه بنفسه، وكل من كان كذلك، فإِنه يصح أن يُوكِّل عنه غيره.
أمّا إِذا كان الشخص فاقد الأهلية أو ناقصها، فإِنه ليس له الحق في توكيل غيره؛ كالمجنون، والصبي، والمعتوه، فإِنه ليس لواحد منهم الاستقلال في تزويج نفسه بنفسه.
والتوكيل يجوز مطلقاً ومقيداً:
فالمطلق: أن يُوكِّل شخص آخر في تزويجه، دون أن يقيده بامرأة معينة، أو بمهر، أو بمقدارٍ مُعين من المهر.
والمقيّد: أن يوكّله في التزويج، ويقيده بامرأة معيّنة، أو امرأة من أسرة معينة، أو بقدر معين من المهر* (3).
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1859)، وانظر "الإِرواء"(1924).
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1837)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(3142).
(3)
ما بين نجمتين عن "فقه السُّنّة"(3/ 463).
جاء في "الروضة الندية"(2/ 32): "ويجوز لكل واحد من الزوجين أن يوكّل لعقد النكاح، ولو واحداً؛ لحديث عقبة بن عامر عند أبي داود أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لرجل: أترضى أن أزوجك فلانة؟ قال: نعم، وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك فلاناً؟ قالت: نعم. فزوج أحدهما صاحبه
…
الحديث. وقد ذهب إِلى ذلك جماعة من أهل العلم: الأوزاعي، وربيعة، والثوري، ومالك، وأبو حنيفة، وأكثر أصحابه، والليث، وأبو ثور. وحكى في "البحر" عن الشافعي، وزُفَر: أنه لا يجوز. وقال في "الفتح": وعن مالك: لو قالت المرأة لوليها: زوجني بمن رأيت، فزوّجها من نفسه أو ممن اختار؛ لزمها ذلك؛ ولو لم تعلم عين الزوج
…
".
وسألت شيخنا رحمه الله: هل ترون صحّة عقد الزواج للغائب إِذا وُثّق؟
فقال: نعم؛ بالشرط المذكور.
هل الكفاءة (1) في الزواج معتبرة؟
هذه من المسائل التي اختلف فيها العلماء؛ فمنهم من قال باعتبارها، ومنهم من لم يقُل بذلك. ومن الأحاديث التي ذكَرها القسم الأوّل في ذلك:
1 -
ما روي عن علي رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث لا يؤخَّرن: الصلاة إِذا أتت، والجنازة إِذا حضرت، والأيّم إِذا وجدت لها كفُؤاً"(2)، وهو ضعيف.
2 -
ما رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: العرب
(1) الكفء: المِثل والنظير.
(2)
أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب حسن، قال شيخنا رحمه الله: "وفيه سعيد ابن عبد الله الجهني؛ قال أبو حاتم: مجهول
…
". وانظر "المشكاة" (605)، و"ضعيف الترمذي" (25).
أكفاءٌ بعضهم لبعض، قبيلة لقبيلة، وحيٌّ لحي، ورجلٌ لرجل؛ إِلا حائك أو حجّام" (1). وهو موضوع.
وعن بريدة رضي الله عنه قال: "جاءت فتاة إِلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إِنّ أبي زوَّجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته! قال: فجعل الأمر إِليها، فقالت: قد أجزْتُ ما صنَع أبي، ولكن أردتُ أن تعلم النساء أَنْ ليس إِلى الآباء من الأمر شيء"، وهو ضعيف (2).
وعلى افتراض ثبوته أقول بما جاء في "الروضة"(2/ 17): "ومحلّ الحُجّة منه قولها: ليرفع بي خسيسته، فإِنّ ذلك مُشعِر بأنه غير كفؤ لها، ولا يخفى أن هذا إِنما هو من كلامها، وإنما جعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم الأمر إِليها؛ لكون رضاها مُعتَبراً. فإِذا لم ترض، لم يصح النكاح، سواء كان المعقود له كفؤاً، أو غير كفؤ. وأيضاً هو زوَّجها بابن أخيه؛ وابن عمّ المرأة كفؤ لها"، ثُمَّ ذكَّرني أحد الإِخوة بتراجع شيخنا رحمه الله في "الصحيحة" تحت الحديث (3337) عن إِعلاله بالانقطاع فثبت وصْلُه.
3 -
وذكروا أثر عمر رضي الله عنه: "لأمنعنّ تزوُّج ذوات الأحساب إِلا من الأكفاء". وقد أخرجه الدارقطني، وفيه انقطاع؛ فإِن إِبراهيم بن محمد بن طلحة لم يد رك عمر رضي الله عنه. وانظر "الإِرواء"(1867).
وهناك من استدلّ بأحاديث ثابتة، لكنها لا تدلّ على المطلوب. ومِن ذلك
(1) أخرجه الحاكم، وجاء في "الروضة الندية":"وفي إِسناده رجل مجهول، وقال أبو حاتم: إِنه كذب لا أصل له، وذكر الحُفّاظ أنه موضوع". وانظر "الإرواء"(1869).
(2)
انظر "نقد نصوص حديثية"(ص 44) و"التعليقات الرضية"(2/ 141).
حديث: "خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإِسلام إِذا فقهوا"(1).
فهو كما جاء في "الروضة الندية"(2/ 143) -بتصرّف-: "ليس فيه دلالة على المطلوب؛ لأن إِثبات كون البعض خيراً من بعض؛ لا يستلزم أنّ الأدنى غير كفؤ للأعلى.
وهكذا حديث: "إِنّ الله اصطفى كنانة من ولد إِسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"(2).
وكذلك حديث سمرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الحسب: المال، والكرم: التقوى"(3).
وأيضاً حديث بريدة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنّ أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إِليه: المال"(4).
فهذا ليس فيه إِقرار على ما ذهب إِليه أهل الدنيا، وإنما هو إِيضاحٌ للمعاني، وحكاية عن صنيعهم، قال صاحب "الروضة" (2/ 18): "
…
فيكون في حُكم التوبيخ لهم والتقريع".
والخلاصة؛ أنّ أحاديث هذا الباب -كما قال بعض العلماء في غير هذا
(1) أخرجه البخاري: 3493، ومسلم:2638.
(2)
أخرجه مسلم: 2276.
(3)
أخرحه الترمذي "صحيح سنن الترمذي"(2609)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(3399)، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(1870).
(4)
أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم، وحسّنه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(6/ 272).
الموضوع- صحيحها غير صريح، وصريحها غير صحيح، وسيأتي ما أستطيعه -إِن شاء الله- من البيان.
قال شيخ الإِسلام رحمه الله في "الفتاوى"(19/ 29): "وليس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نصٌّ صحيح صريح في هذه الأمور [عدم اعتبار الكفاءة] ".
وجاء في "الفتح"(9/ 133): "ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث".
ومنهم من قال بعدم اعتبار الكفاءة في النكاح؛ وأنها لا تكون إِلا في الدين والخُلُق.
قال الله -تعالى-: {إنَّ أكْرَمَكُم عِنْدَ الله أتْقَاكُم} (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النّاسُ وَلدُ آدم، وآدم من تراب"(2).
قال الإِمام البخاري رحمه الله: "وقوله: {وهو الذي خلَق من الماء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وصِهْراً وكان ربّك قديراً} (3) ".
وهذا يُشعِر من الإِمام البخاري رحمه الله أنه يرى اعتبار الكفاءة في الدين فحسب؛ إِذ البشر من الماء، فلا بغي ولا تفاخر، ولا ترفُّع في النكاح.
ومما ذكَره الإِمام البخاري رحمه الله: حديث أبي هريرة رضي الله عنه
(1) الحجرات: 13.
(2)
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" وغيره، وانظر "الصحيحة"(1009).
(3)
الفرقان: 54.
عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"(1).
فالذي ينبغي أن يصار إِليه؛ الظَّفَرُ بذات الدين.
ثمّ ذكر رحمه الله حديث سهل رضي الله عنه قال: "مرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حريٌّ إِنْ خطب أن يُنْكَحَ، وإِن شَفِعَ أن يُشفّع، وإن قال أن يُستمَع! قال: ثمّ سكت. فمرّ رجلٌ من فُقراء المسلمين؛ فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حريٌّ إِن خطب أن لا يُنْكَح، وإن شفع أن لا يشفَّع، وإن قال أن لا يُستمع! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من ملء الأرض مِثل هذا"(2).
والحديث في غاية التصريح إِلى ما يذهب إِليه من يقول باعتبار الكفاءة في الدين والخُلُق.
وفي رواية: "مرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجلٍ عنده جالس: ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشراف الناس
…
" (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنّ أبا هند حَجَمَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في اليافوخ (4)، فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند، وانكحوا إِليه"(5).
(1) أخرجه البخاري: 5090، ومسلم:1466.
(2)
أخرجه البخاري: 5091.
(3)
أخرجه البخاري: 6447.
(4)
أي: وسط رأسه.
(5)
أخرجه البخاري في "التاريخ"، وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1850)، =
وجاء في "سُبل السلام"(3/ 250) عقب هذا الحديث: "
…
فنبه على الوجه المقتضي لمساواتهم [أي: المسلمين]، وهو الاتفاق في وصف الإِسلام.
وللناس في هذه المسألة عجائب، لا تدور على دليل غير الكبرياء والترفع، ولا إِله إِلا الله! كم حُرِمت المؤمناتُ النكاحَ لكبرياء الأولياء واستعظامهم أنفسهم، اللهم إِنّا نبرأ إِليك من شَرْطٍ ولّده الهوى، وربّاه الكبرياء
…
".
وعن عائشة رضي الله عنها: "أنّ أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس -وكان ممن شهد بدراً مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم تبنّى سالماً وأنكحه بنت أخيه هنداً بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار"(1).
وعن فاطمة بنت قيس -رضي الله تعالى عنها- أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها: "انكحي أُسامة"(2).
جاء في "سُبل السلام"(3/ 250): "وفاطمة قرشية فِهْرِيَّة، أخت الضحاك بن قيس، وهي من المهاجرات الأُوَل، كانت ذات جمال وفضل وكمال، جاءت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طلّقها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة بعد انقضاء عدتها منه، فأخبرته أنّ معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطَباها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أبو جهم؛ فلا يضع عصاه عن عاتقه. وأمّا معاوية؛ فصعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد
…
" الحديث، فأمرَها بنكاح أسامة مولاه ابن مولاه، وهي قرشية، وقدّمه على أكفائها ممن ذَكَر، ولا أعلم أنه طلب
= وابن حبّان وغيرهم، وانظر "الصحيحة"(2446).
(1)
أخرجه البخاري: 5088.
(2)
أخرجه مسلم: 1480، وتقدّم.
من أحد من أوليائها إِسقاط حَقّه".
وعن أبي حاتم المُزَنِيِّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا جاءكم من ترضون دينه. وخُلُقه فأنكحوه، إِلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد، قالوا: يا رسول الله! وإن كان فيه؟ قال: إِذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه. ثلاث مرات"(1).
وجاء في "الروضهَ الندية"(2/ 20 - 21): "وأعلى الصنائع المعتبرة في الكفاءة في النّكاح على الإِطلاق: العلمُ؛ لحديث: "العلماء ورثة الأنبياء" (2).
والقرآن الكريم شاهد صدق على ما ذكرناه، فمن ذلك قوله -تعالى-:{قُل هل يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لا يعلمون} ، وقوله -تعالى-:{يرفعِ الله الذيق آمنو امِنْكُم والذين أُوتُوا العلم درجات} ، وقوله -تعالى-:{شهد الله أنّه لا إِله إلَاّ هُوَ والملائِكَة وأولو العلم} ، وغير ذلك من الآيات والأحاديث المتكاثرة، منها حديث:"خياركم في الجاهلية خياركم في الإِسلام إِذا فقهوا"، وقد تقدّم.
وبالجملة؛ إِذا تقرر لك هذا، عرفتَ أن المعتبر هو الكفاءة فى الدين والخلُق، لا في النسب (3) ". انتهى.
(1) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي"(865، 866)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1601)، وحسنه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(1868)، و"الصحيحة"(1022).
(2)
أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم، وحسنه لغيره شيخنا رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب" برقم (70).
(3)
وانظر للمزيد من الفائدة -إِن شئت- ما قاله ابن القيم رحمه الله من كَلامٍ قَيِّمٍ =