المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أين تعتد المرأة المتوفى زوجها - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٥

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌النِّكاح

- ‌النِّكاح

- ‌التَّرغيب في النكاح

- ‌حُكم الزواج:

- ‌الزواج الحرام

- ‌هل يقدّم الزواج على الحجّ

- ‌في ذمِّ العِشْق:

- ‌الرغبة عن الزواج:

- ‌اختيار الزّوجة:

- ‌التقارُب في السِّنِّ:

- ‌تزويج الصغار من الكبار

- ‌أيّ النساء خير

- ‌اختيار الزوج:

- ‌عرْض الإِنسان ابنتَه أو أختَه على أهل الخير

- ‌التَّزْيين للتنفيق والتّرغيب في النكاح:

- ‌صلاة المرأة إِدْا خُطِبَت واستخارتُها ربَّها

- ‌الخِطبة

- ‌ماذا يقول إِذا دُعي ليزوِّج

- ‌خِطبة معتدَّة الغير

- ‌تحريم خِطبة الرجل على خِطبة أخيه:

- ‌تفسير ترْك الخِطبة

- ‌إِذا استشارت المرأة رجلاً فيمن يخطبها؛ هل يخبرها بما يعلم

- ‌إِذا استشار رجلٌ رجلاً في المرأة هل يخبره بما يعلم

- ‌النظر إِلى المخطوبة:

- ‌إِلامَ ينظُر

- ‌نظر المرأة إِلى الرجل:

- ‌محادثة الرجل المرأة:

- ‌تحريم الخلوة بالمخطوبة:

- ‌العدولُ عن الخِطْبة وأثره

- ‌أركان عقد النكاح:

- ‌ما يُشترط في الشهود:

- ‌شهادة النساء:

- ‌ألفاظ الإِيجاب والقَبول:

- ‌الخُطبة قبل الزواج

- ‌نيّة الطلاق عند العقد:

- ‌زواج الأخرس

- ‌تزويج الصغير:

- ‌توثيق الزواج بالكتابة:

- ‌الأنكحة المحرّمة

- ‌الزواج الذي تحلُّ به المطلقة للزوج الأول

- ‌فائدة:

- ‌الشروط في النكاح

- ‌هل يحقّ فسْخُ العقد إِذا ثبَتَ العيب

- ‌فائدة:

- ‌المحرّمات من النّساء

- ‌المُحَرَّمات مُؤبَّداً

- ‌أولاً: المحرمات من النسب هنّ:

- ‌ثانياً: المحرّمات بسبب المصاهرة:

- ‌ثالثاً: المحرّمات بسبب الرضاع:

- ‌الرِّضاع الذي يثبُت به التحريم:

- ‌اللبن المختلط بغيره:

- ‌رضاع الكبير:

- ‌قَبول قول المرضعة:

- ‌لبن الفحل:

- ‌المحرمات مؤقَّتاً

- ‌نكاح الكفار

- ‌نكاح الزانية:

- ‌فائدة:

- ‌عقد المُحرم

- ‌نكاح الملاعِنَة:

- ‌نكاح المشرِكة:

- ‌نكاح المسلمة بغير المسلم:

- ‌فائدة:

- ‌تحريم الزيادة على الأربع:

- ‌تعدُّد الزوجات:

- ‌ماذا يُشترط على من يريد التعدّد

- ‌من محاسن التعدّد:

- ‌توجيهات وكلمات مضيئة في التعدّد

- ‌فائدة:

- ‌مسائل في التعدّد:

- ‌1 - مَن أَوْلَمَ على بعض نسائه أكثر من بعض

- ‌2 - إِذا تزوّج البكر على الثيّب، والثيب على البكر:

- ‌3 - القُرْعة بين النّساء إِذا أراد سفراً

- ‌4 - النهي عن افتخار الضَّرَّة

- ‌5 - استئذانُ الرجلِ نساءَهُ في أن يُمرَّض في بيت بعضهنّ:

- ‌فائدة:

- ‌الولاية على الزّواج

- ‌معنى الولاية

- ‌من هو الوليّ

- ‌شروط الوليّ:

- ‌عدم اشتراط العدالة:

- ‌المرأة لا تزوّج نفسها:

- ‌إِذا كان الوليّ هو الخاطب

- ‌غَيْبَةُ الوليّ:

- ‌ولاية غير الآباء على الصغار:

- ‌السلطانُ وليُّ من لا ولي له:

- ‌عضْل الوليّ:

- ‌اليتيمة تُستأمر في نفسها:

- ‌استئذان المرأة قبل النكاح:

- ‌الوكالة في الزواج:

- ‌المهر

- ‌حُكمه:

- ‌قدْر المهر:

- ‌فائدة:

- ‌النهي عن المغالاة في المهور:

- ‌إِثقال الصَّداق يجعل العداوة في نفس الزوج:

- ‌هل يدخل على زوجه إِذا لم يُمْهِرْهَا

- ‌ماذا إِذا دخَل بها ولم يفرض لها صَداقاً

- ‌الزواج بغير ذِكر المهر:

- ‌فيمن تزوّج ولم يُسمِّ صداقاً حتى مات

- ‌مهر المِثل:

- ‌العدْل في المهور:

- ‌العَدْل في صداق اليتيمة:

- ‌الرجل هو الذي يحدّد المهر:

- ‌متى يجب عليه نصف المهر

- ‌ماذا يجب مِن المهر إِذا أغلق الباب وأرخى الستر ولم يدخل بزوجه

- ‌فوائد متفرِّقة:

- ‌الإِمهار عن غيره:

- ‌الرجل هو الذي يُعدّ البيت ويؤثثه ويجهّزه:

- ‌النفقة

- ‌حُكمها:

- ‌ماذا إِذا كان الزوج بخيلاً

- ‌نفقة زوجة الغائب:

- ‌نفقة المعتدة

- ‌لا تنتهك المرأة شيئاً من مالها الا بإِذن زوجها:

- ‌متى يستحبّ البناء بالنساء

- ‌موعظةُ الرّجلِ ابْنَتَهُ لِحَالِ زَوَاجها

- ‌ذهاب النّساء والصبيان إِلى العُرس

- ‌استعارة الثياب للعروس

- ‌الهديّة للعروس

- ‌آداب الزِّفاف

- ‌1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها:

- ‌2 - وضْعُ اليدِ على رأس الزوجة والدعاءُ لها:

- ‌3 - صلاة الزوجين معاً:

- ‌4 - ما يقول حين يجامعها:

- ‌5 - كيف يأتيها

- ‌6 - تحريم الدُّبُر:

- ‌لا كراهة في الكلام حال الجماع:

- ‌7 - الوضوء بين الجماعين:

- ‌8 - الغُسل أفضل:

- ‌9 - اغتسال الزوجين معاً:

- ‌10 - توضُّؤ الجُنُب قبل النوم:

- ‌11 - حُكم هذا الوضوء:

- ‌12 - تيمُّم الجُنُب بدل الوضوء:

- ‌13 - اغتساله قبل النوم أفضل:

- ‌14 - تحريم إِتيان الحائض:

- ‌15 - ما يحِلّ له من الحائض:

- ‌16 - ولا يأتيها بعد الطُّهر إِلا أن تغتسل:

- ‌17 - جواز العزل:

- ‌18 - الأوْلى ترْك العزل:

- ‌19 - ما ينويان بالنكاح:

- ‌20 - ما يفعل صبيحةَ بنائه:

- ‌21 - تحريم نشْر أسرار الاستمتاع:

- ‌22 - وجوب الوليمة:

- ‌23 - السُّنة في الوليمة:

- ‌24 - جواز الوليمة بغير لحم:

- ‌25 - مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة:

- ‌26 - تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة:

- ‌27 - وجوب إِجابة الدعوة:

- ‌28 - ترْك حضور الدعوة التي فيها معصية:

- ‌29 - الدعاء للعروسين بالخير والبركة:

- ‌31 - الغناء والضرب بالدُّفِّ:

- ‌32 - الامتناع من مخالفة الشرع:

- ‌1 - تعليق الصُّوَر:

- ‌2 - نتف الحواجب وغيرها

- ‌3 - تدميم الأظفار وإِطالتها:

- ‌4 - حلْق اللحى:

- ‌5 - خاتم الخطبة:

- ‌إِذا رأى المرء من امرأةٍ ما يعجبه؛ فليأت أهله:

- ‌وصايا الإِمام الألباني رحمه الله إِلى العروسين

- ‌وجوب خدمة المرأة لزوجها

- ‌حقّ الزوجة على زوجها

- ‌1 - حُسن المعاشرة:

- ‌2 - صيانتها

- ‌3 - إِتيانها ووطْؤُها:

- ‌حقّ الزوج على زوجته:

- ‌الطَّلاق

- ‌الطلاق

- ‌معناه:

- ‌مشروعيته

- ‌حُكمه:

- ‌الطلاق من حق الرجل وحده:

- ‌تحريم سؤال الزَّوجة الطَّلاق من غير سبب موجبٍ له:

- ‌من يقع منه الطلاق:

- ‌طلاق المكره والمجنون والسكران والغضبان والمدهوش ونحو ذلك:

- ‌طلاق الهازل:

- ‌الطلاق قبل الزواج:

- ‌بماذا يقع الطلاق:

- ‌الطلاق باللفظ:

- ‌الطلاق بالكناية:

- ‌حُكم الطلاق بلفظ التحريم:

- ‌الطلاق بالكتابة:

- ‌طلاق الأبكم ومن لا يُحسن العربية:

- ‌طلاق كلّ قوم بلسانهم:

- ‌إذا طلّق في نفسه فلا يقع الطلاق:

- ‌الوكالة في الطلاق:

- ‌التعليق والتنجيز

- ‌والتعليق قسمان:

- ‌الطلاق السُّني والبدعي

- ‌يقسم الطلاق إلى قِسمين:

- ‌1 - الطلاق السُّنّي:

- ‌2 - الطّلاق البدعي:

- ‌طلاق الآيسة والصغيرة ومنقطعة الحيض:

- ‌هل يقع طلاق الحائض

- ‌عدد الطلقات:

- ‌هل يقع طلاق الثلاث جملةً أم يُحسب طلقة

- ‌الإِشهاد على الطَّلاق:

- ‌الطلاق الرجعي وأحكامه

- ‌الطلاق البائن وأحكامه

- ‌أقسامه:

- ‌حُكم البائن بينونة صُغرى:

- ‌حُكم الطَّلاق البائن بينونة كُبرى:

- ‌مسألة الهدم:

- ‌هل يقع طلاق المريض مرض الموت

- ‌متى يطلّق القاضي

- ‌1 - عدم الإِنفاق:

- ‌2 - غَيبة الزوج:

- ‌3 - التطليق للضَّرر:

- ‌متعة الطّلاق

- ‌الخُلع

- ‌تعريفه:

- ‌مشروعيته:

- ‌لا يجوز التضييق على الزوجة لأجل الافتداء:

- ‌الخُلع بتراضي الزوجين

- ‌جواز الخُلع في الطُّهر والحيض:

- ‌هل يجوز للزّوج أخْذ الزيادة على المهر

- ‌المختلعة تعتدّ بحيضة واحدة:

- ‌هل الخُلع فسْخٌ أم طلاق

- ‌علاج نشوز الرجل:

- ‌علاج نشوز المرأة:

- ‌هل للزَّوجة النَّاشِز نفقة أو كِسْوَة

- ‌ماذا إِذا وقع الشِّقاق بين الزوجين:

- ‌الظِّهار

- ‌هل الظهار مختصٌّ بالأم

- ‌ماذا يفعل من يُظاهر امرأته

- ‌ماذا إِذا مسّ قبل التَّكفير

- ‌كفّارة الظهار:

- ‌الإِيلاء

- ‌تعريفه:

- ‌الفسخ

- ‌تعريفه:

- ‌اللِّعان

- ‌مشروعيته:

- ‌متى يكون اللّعان

- ‌صفة اللعان

- ‌الحاكم هو الذي يقضي باللعان:

- ‌اشتراط العقل والبلوغ:

- ‌لعان الأخرسَيْن

- ‌مسائل في الامتناع عن اللعان أو عدم إِتمامه:

- ‌ماذا يترتب على اللعان:

- ‌آداب التطليق المستنبطة من الكتاب الكريم والسّنة الصحيحة

- ‌العدّة

- ‌تعريفها:

- ‌حِكمة مشروعيتها:

- ‌أنواع العِدّة:

- ‌عِدَّة غير المدخول بها:

- ‌عدّة المدخول بها:

- ‌عدّة الحائض:

- ‌عِدّة غير الحائض:

- ‌حُكم المرأة الحائض إِذا لم تر الحيض:

- ‌سِنّ اليأس:

- ‌عِدّة الحامل:

- ‌عدة المتوفّى عنها زوجها:

- ‌عِدّة المستحاضة:

- ‌عدة المطلّقة ثلاثاً:

- ‌عدّة المختلعة:

- ‌وجوب العدّة في غير الزواج الصحيح:

- ‌تحول العدة من الحيض إِلى العِدَّة بالأشهر:

- ‌تحول العدة من الأشهر إِلى الحيض:

- ‌ انقضاء العدة [

- ‌لزوم المطلقة المعتدة بيت الزوجية:

- ‌أين تعتد المرأة المتوفَّى زوجها

- ‌لا يجوز للمعتدَّة الرَّجعية الخروج إِلا بإِذن زوجها:

- ‌حِداد المُعْتدَّة:

- ‌فائدة:

- ‌ماذا إِذا نكحت المرأة في عدَّتها

- ‌نَفَقَة المُعْتَدَّة

- ‌الحضانة

- ‌تعريفها:

- ‌الحِضانة حقٌّ مشترك

- ‌الأولى بحضانة الطفل أُمّه ما لم تنكح:

- ‌حضانة الأب:

- ‌إِذا بلغ الصّبي سنَّ التمييز خُيِّر بين أبويه:

- ‌الاقتراع على الولد:

- ‌ضابط باب الحضانة:

الفصل: ‌أين تعتد المرأة المتوفى زوجها

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "طُلِّقت خالتي، فأرادت أن تجُدّ نخلها (1)، فزَجَرها رجل أن تخرج، فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: بلى فجُدِّي نخلك؛ فإِنك عسى أن تصدَّقي أو تفعلي معروفاً"(2).

فيبدو أنّ الأمر عند الحاجة أوسع منه من معتدّة الوفاة.

وسألت شيخنا رحمه الله عنْ ذلك، فأجابني به.

‌أين تعتد المرأة المتوفَّى زوجها

؟

عن زينب بنت كعب بن عجرة "أنّ الفُريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري، أخبَرتها أنها جاءت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إِلى أهلها في بني خُدرة، فإِنَّ زوجها خرج في طلب أعبُد له أبَقوا حتى إِذا كانوا بطرف القَدُوم لحقَهم فقتلوه، فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إِلى أهلي، فإِني لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم.

قالت: فخرجتُ حتى إِذا كانت في الحجرة، أو في المسجد، دعاني أو أمَر بي فدُعيت له فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذَكَرْت من شأن زوجي.

قالت: فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان بن عفان: أرسل إِليّ فسألني

(1) أن تقطع ثمَرَه.

(2)

أخرجه مسلم: 1483.

ص: 395

عن ذلك، فأخبرته فاتَّبعه وقضى به" (1).

قال التِّرمذي رحمه الله عقب هذا الحديث:

والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: لم يروا للمعتدَّة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدَّتها. وهو قول سفيان الثّوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: للمرأة أنْ تعتدّ حيث شاءت، وإنْ لم تعتدّ في بيت زوجها. والقول الأوَّل أصحّ (2).

وعن سعيد بن المسيب: "أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يَرُدُّ المتوفى عنهنّ أزواجهنّ من البيداء يمنعهنّ الحج"(3).

وقد ضعّف هذا الأثر ابن حزم، وانظر الردّ عليه في "زاد المعاد" و"التلخيص الحبير"(4/ 1291) برقم (1648)، و"نيل الأوطار"(7/ 101)، والتحقيق الثاني "للإِرواء"(2131) لشيخنا (4).

(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2516)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(962)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1651)، والنسائي "صحيح سنن النسائى"(3302، 3303، 3304)، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(2131).

(2)

انظر "صحيح سنن الترمذي"(1/ 355).

(3)

أخرجه مالك والبيهقي وغيرهما، وانظر "الإِرواء"(2132).

(4)

وكان من قبل رحمه الله يضعّف هذا الأثر، ثمّ تراجع عن ذلك. وفي التحقيق الثاني فوائد قيّمة تُثبت صحّته. وذكر شيخنا رحمه الله رواية عبد الرّزّاق في "المصنف"(7/ 33/12072) من طريق آخر صحيح عن سعيد به.

ص: 396

وقال عطاء: قال ابن عباس: "نسخَت هذه الآية عدتها عند أهلها؛ فتعتدّ حيث شاءت، وهو قول الله -تعالى-: {غيرَ إِخراج} قال عطاء: إِن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، لقول الله -تعالى-: {فلا جناح عليكم فيما فعلن} (1) قال عطاء: ثمّ جاء الميراث فنسخ السّكنى، فتعتدُّ حيث شاءت ولا سكنى لها"(2).

ومع هذا الأثر بل وآثار عديدة سيأتي ذِكرها إِن شاء الله -تعالى- بات الخلاف معتبراً.

قال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد"(5/ 681 - 682) - بعد أن ذَكَر حديث زينب بنت كعب في شأن الفريعة بنت مالك رضي الله عنها: "وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم في حُكم هذه المسألة، فروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تُفتي المتوفّى عنها بالخروج في عدَّتها، وخرجت بأختها أم كلثوم حين قُتل عنها طلحة بن عبيد الله إِلى مكة في عمرة.

ومن طريق عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج: أخبرني عطاء عن ابن عباس أنه قال: "إِنما قال الله عز وجل: تعتد أربعة أشهر وعشراً، ولم يقل: تعتد في بيتها، فتعتد حيث شاءت. وهذا الحديث سمعه عطاء من ابن عباس، فإِنَّ علي ابن المديني قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: قال الله -تعالى-: {والذين يُتوفّون منكم ويَذَرون

(1) البقرة: 240.

(2)

أخرجه البخاري: 4531.

ص: 397

أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشْراً} ولم يقل: يعتَدِدْن في بيوتهن، تعتدُّ حيث شاءت، قال سفيان: قاله لنا ابن جريج كما أخبرنا.

وقال عبد الرزاق: حدثنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: تعتدُّ المتوفّى عنها حيث شاءت.

وقال عبد الرزاق عن الثوري عن إِسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يُرحِّل المتوفَّى عنهن في عدتهن.

وذكر عبد الرزاق أيضاً، عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن طاوس وعطاء، قالا جميعاً: المبتوتة والمتوفَّى عنها تَحُجّان وتعتمران، وتنتقلان وتبييتان".

إِلى غير ذلك من الآثار الثابتة بالأسانيد الصحيحة، ثمّ قال (ص 686) منه: "وقال سعيد بن منصور: حدثنا هُشيم: أنبأنا إِسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أنه سُئل عن المتوفّى عنها: أتخرج في عدتها؟ فقال: كان أكثر أصحاب ابن مسعود أشدّ شيء في ذلك، يقولون: لا تخرج، وكان الشيخ -يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُرحلها.

وقال حماد بن سلمة: أخبرنا هشام بن عروة، أن أباه قال: المتوفّى عنها زوجها تعتدُّ في بيتها إِلا أن ينتوي أهلها فتنتوي معهم.

وقال سعيد بن منصور: حدثنا هشيم:، أخبرنا يحيى بن مسعود هو الأنصاري، أن القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن المسيب قالوا في المتوفّى عنها: لا تبرح حتى تنقضي عِدَّتها.

وذكر أيضاً عن ابن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء وجابر كلاهما قال

ص: 398

في المتوفّى عنها: لا تخرج".

وقال رحمه الله (ص 686): "وذكر حماد بن زيد، عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين أن امرأة توفي زوجها وهي مريضة، فنقَلها أهلها، ثمّ سألوا فكُلُّهم يأمرهم أن تُردَّ إِلى بيت زوجها، قال ابن سيرين: فرددناها في نمَط. وهذا قول الإِمام أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة رحمهم الله وأصحابهم والأوزاعي وأبي عبيد وإسحاق.

قال أبو عمر بن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز، والشام، والعراق، ومصر".

ثمَّ قال (ص 687): "قالوا: ونحن لا نُنكر النزاع بين السلف في المسألة، ولكن السّنة تفصل بين المتنازعين، قال أبو عمر بن عبد البر: أمّا السّنة، فثابتة بحمد الله. وأمّا الإِجماع، فمستغنى عنه مع السّنة، لأن الاختلاف إِذا نزل في مسألة، كانت الحجة في قول من وافَقَتْهُ السّنة (1).

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: أخذ المترخّصون في المتوفّى عنها بقول عائشة رضي الله عنها، وأخَذ أهل العزم والورع بقول ابن عمر.

فإِن قيل: فهل ملازمة المنزل حقٌّ عليها، أو حقٌّ لها؟ قيل: بل هو حقٌّ عليها إِذا ترَكه لها الورثة، ولم يكن عليها فيه ضررٌ، أو كان المسكن لها، فلو حوّلها الوارث، أو طلبوا منها الأجرة، لم يلزمها السكن، وجاز لها التحول.

(1) وهذا قول عزيز نفيس؛ يجب أن يعضّ طالب العلم عليه بالنّواجذ، وأنْ يسأل الله -سبحانه- أن يهبه العزيمة القوية في طلب الحق ومعرفة الصواب.

ص: 399

ثمّ اختلف أصحاب هذا القول: هل لها أن تتحول حيث شاءت، أو يلزمها التحول إِلى أقرب المساكن إِلى مسكن الوفاة؟ على قولين. فإِن خافت هدماً أو غرقاً، أو عدواً أو نحو ذلك، أو حوَّلها صاحب المنزل لكونه عاريّة رجع فيها، أو بإِجارة انقضت مدتها، أو منَعَها السكنى تعدياً، أو امتنع من إِجارته، أو طلب به أكثر من أجر المِثل، أو لم تجد ما تكتري به، أو لم تجد إِلا من مالها؛ فلها أن تنتقل، لأنها حال عذر، ولا يلزمها بذل أجر المسكن، وإنما الواجب عليها فِعْل السُّكنى لا تحصيل المسكن، وإذا تعذَّرت السّكنى، سقطت. وهذا قول أحمد والشافعي".

وقال رحمه الله (ص 691 - 692): "قال الآخرون: ليس في هذا ما يوجب رد هذه السّنة الصحيحة الصريحة التي تلقّاها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وأكابر الصحابة بالقَبول، ونفَّذها عثمان، وحَكَم بها، ولو كنّا لا نقبل رواية النساء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، لذهبت سنن كثيرة من سنن الإِسلام لا يُعرف أنه رواها عنه إِلا النساء، وهذا كتاب الله ليس فيه ما ينبغي وجوب الاعتداد في المنزل حتى تكون السّنة مخالفة له، بل غايتها أن تكون بياناً لحُكمٍ سكَت عنه الكتاب.

ومثل هذا لا تُردُّ به السنن، وهذا الذي حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه أن تترك السنّة إِذا لم يكن نظير حُكمها في الكتاب.

وأمَّا ترك أمّ المؤمنين رضي الله عنها لحديث الفُريعة، فلعله لم يبلغها. ولو بَلَغَها فلعلها تأولته، ولو لم تتأوله، فلعله قام عندها معارض له.

وبكل حال، فالقائلون به في تركهم لتركها لهذا الحديث؛ أعذر من التاركين له لترك أمّ المؤمنين له، فبين التركين فرقٌ عظيم.

ص: 400

وأمّا من قُتل مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن مات في حياته، فلم يأت قط أن نساءهم كن يعتددن حيث شئن، ولم يأت عنهن ما يُخالف حُكم حديث فُريعة ألبتة، فلا يجوز ترك السنة الثابتة لأمرٍ لا يعلم كيف كان، ولو عُلم أنهن كن يعتددن حيث شئن، ولم يأت عنهن ما يخالف حُكْم حديث الفريعة، فلعل ذلك قبل استقرار هذا الحكم وثبوته حيث كان الأصل براءة الذمة، وعدم الوجوب".

وجاء في "سُبل السلام"(3/ 385) -بعد حديث فُريعة بنت مالك رضي الله عنها: "والحديث دليل على أن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها الذي نوت فيه العدة، ولا تخرج منه إِلى غيره، وإلى هذا ذهب جماعة من السلف والخلف، وفي ذلك عدة روايات وآثار عن الصحابة ومن بعدهم.

وقال بهذا أحمد والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم. وقال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام ومصر والعراق، وقضى به عمر بمحضر من المهاجرين والأنصار".

وجاء في "الروضة الندية"(2/ 150): "وقد ذهَب إِلى العمل بحديث فريعة جماعة من الصحابة فمن بعدهم، وقد روي جواز الخروج للعذر عن جماعة من الصحابة فمن بعدهم، ولم يأت من أجاز ذلك بحجة تصلح لمعارضة حديث فريعة، وغاية ما هناك روايات عن بعض الصحابة وليست بحجة، لا سيما إِذا عارضَت المرفوع".

وقال شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(7/ 207) في (التحقيق الثاني): "ثمّ رأيت ابن القيّم قد انتصر لصحة الحديث

كما انتصر لقول من قال بوجوب العمل به -وهم الجمهور-، ويؤيّده تصحيح من صحّحه من الأئمة دون

ص: 401

مُعارض، وهم الترمذي وابن حبّان وابن الجارود والحاكم والذهبي

(1) ".

وجاء في "الفتاوى"(34/ 28): "وسُئل -رحمه الله تعالى- عن امرأة معتدة عدة الوفاة؛ ولم تعتدّ في بيتها بل تخرج في ضرورتها الشرعية: فهل يجب عليها إعادة العدّة؟ وهل تأثم بذلك؟

فأجاب: العدّة انقضت بمضي أربعة أشهر وعشر من حين الموت، ولا تقضي العدّة. فإِنْ كانت خرجت لأمر يحتاج إِليه ولم تبِتْ إِلا في منزلها فلا شيء عليها، وإِن كانت قد خرجت لغير حاجة وباتت في غير منزلها لغير حاجة، أو باتت في غير ضرورة، أو تركت الإِحداد: فلتستغفر الله وتتوب إِليه من ذلك، ولا إِعادة عليها".

وجاء فيه (ص 29): "وسئل -رحمه الله تعالى- عن رجل توفي وقعدت زوجته في عدته أربعين يوماً؛ فما قدرت تخالف مرسوم السلطان؛ ثمّ سافرت وحضرت إِلى القاهرة، ولم تتزين لا بطيب ولا غيره، فهل تجوز خطبتها؛ أم لا؟

فأجاب: العدة تنقضي بعد أربعة أشهر وعشرة أيام؛ فإِنْ كان قد بقي من هذه شيء فلتتمه في بيتها، ولا تخرج ليلاً ولا نهاراً إِلا لأمر ضروري؛ وتجتنب الزينة والطيب في بيتها وثيابها، ولتأكل ما شاءت من حلال، وتشم الفاكهة، وتجتمع بمن يجوز لها الاجتماع به في غير العدة؛ لكن إِنْ خطَبها إِنسان لا تجيبه صريحاً، والله أعلم".

وفيه (ص 29) أيضاً: "وسئل -رحمه الله تعالى- عن امرأة عزمت على الحج هي وزوجها، فمات زوجها في شعبان: فهل يجوز لها أن تحج؟

(1) انظر المصدر المذكور لبقية الأسماء -إِن شئت-.

ص: 402