الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلبيس على الزّوج؛ لعلِمه بالحال.
وينبغي استنطاقها بالأدب؛ فإِنّ العلماء متنازعون: هل إِذنها -إِذا زالت بكارتها بالزنى- الصمت، أو بالنطق؟ والأول مذهب الشافعي وأحمد كصاحبي أبي حنيفة. وعند أبي حنيفة ومالك: إِذنها الصمات، كالتي لم تزَلْ عذرتها".
هل يحقّ فسْخُ العقد إِذا ثبَتَ العيب
؟
* اختلف الفقهاء في ذلك، فقال داود، وابن حزم، ومن وافَقَهما: لا يُفْسَخ النكاح بعيب ألبتة.
وقال أبو حنيقة: لا يفسخ إِلا بالجَبِّ والعُنّة (1) خاصة.
وقال الشافعي ومالك: يُفْسَخ بالجنون والبرص، والجُذام والقَرَن (2)، والجَبِّ والعُنّة خاصة. وزاد الإِمام أحمد عليهما: أن تكون المرأة فتقاء منخرقة ما بين السبيلين. ولأصحابه في نَتَن الفرج والفم، وانخراق مخرجي البول والمني في الفرج، والقروح السيالة فيه، والبواسير، والنّاصور، والاستحاضة، واستطلاق البول، والنجو (3)، والخصي -وهو قطع البيضتين- والسَّل -وهو سَلُّ البيضتين-، والوَجء -وهو رضُّهما-، وكون أحدهما خُنثى مشكلاً، والعيب الذي بصاحبه
(1) العُنّة: العجز عن وطء النّساء.
(2)
القرناء من النساء: التي في فرجها مانع يمنع من سلوك الذكر فيه، إِمّا غدّة غليظة، أو لحمة مُرْتَتِقة أو عظم، يقال لذلك كله: القرَن. "لسان العرب".
(3)
النجو: ما يخرج من البطن من ريحٍ وغائط. "القاموس المحيط".
مثله من العيوب السبعة، والعيب الحادث بعد العقد: وجهان.
وذهب بعض أصحاب الشافعي إِلى ردّ المرأة بكُلِّ عيبٍ تُردُّ به الجارية في البيع، وأكثرهم لا يَعرف هذا الوجه ولا مظنّته، ولا مَن قاله. وممن حكاه: أبو عاصم العباداني في كتاب "طبقات أصحاب الشافعي"، وهذا القول هو القياس، أو قول ابن حزم ومن وافقه.
وأما الاقتصار على عيبين أو ستة أو سبعة أو ثمانية، دون ما هو أولى منها أو مساوٍ لها، فلا وجه له
…
* (1).
أقول: يحقّ فسْخ العقد إِذا ثبَت -عيب عند الرجل أو المرأة- في الفرج؛ يمنع الوطء والاستمتاع، أو كان به مرض مُنفّر، كالجنون أو البرص أو الجذام
…
وهناك آثار عن عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أن العِنّين (2) يؤجّل سَنة (3).
وجاء في "الإِرواء"(6/ 324): "
…
وأمّا أثر ابن مسعود، فيرويه سفيان عن الركين عن أبيه وحصين بن قبيصة عن عبد الله أنه قال:"يؤجل العنّين سنة، فإِنْ جامع، وإِلا فرّق بينهما"(4).
(1) ما بين نجمتين من "زاد المعاد"(5/ 182).
(2)
هو الذي لا يأتي النساء ولا يريدهنّ. "اللسان".
(3)
انظر "الإِرواء"(1911).
(4)
قال شيخنا رحمه الله في الكتاب المذكور: "أخرجه ابن أبي شيبة: وكيع عن سفيان به. وتابعه شعبة: حدثني الركين عن حصين به؛ لم يذكر عن أبيه. =
وجاء في "سُبُل السلام"(3/ 263): "قال ابن المنذر: اختلفوا في المرأة تطالب الرجل بالجماع، فقال الأكثرون: إِنْ وطِئها بعد أنْ دخَل بها مرة واحدة؛ لم يؤجل أجل العِنِّين، وهو قول الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وإسحاق. وقال أبو ثور: إِنْ ترَك جماعها لعِلّة؛ أُجِّلَ لها سنة، وإنْ كان لغير عِلّة فلا تأجيل. وقال عياض: اتفق كافة العلماء على أنّ للمرأة حقّاً في الجماع، فيثبت الخيار لها إِذا تزوجت المجبوب والممسوح جاهلة بهما، ويضرب للعِنِّين أجل سنة؛ لاختبار زوال ما به". انتهى.
قال شيخ الإِسلام رحمه الله في "الفتاوى"(28/ 383): "ومن الحقوق الأبضاع، فالواجب الحُكم بين الزوجين بما أمَر الله -تعالى- به، من إِمساكٍ بمعروف أو تسريحٍ بإِحسان، فيجب على كلٍّ من الزوجين أن يؤدي إِلى الآخر حقوقه، بطيب نفس وانشراح صدر؛ فإِنّ للمرأة على الرجل حقّاً في ماله؛ وهو الصَّداق والنفقة بالمعروف، وحقّاً في بدنه؛ وهو العشرة والمتعة؛ بحيث لو آلى منها استحقت الفرقة بإِجماع المسلمين، وكذلك لو كان مجبوباً أو عنّيناً لا يمكنه جماعها فلها الفرقة؛ ووطؤها واجب عليه عند أكثر العلماء".
وقال رحمه الله (29/ 175): "وكذلك يوجب العقدُ المُطْلَق: سلامةَ الزوج من الجَبِّ والعُنَّةِ عند عامة الفقهاء، وكذلك يوجب عند الجمهور: سلامتها من موانع الوطء كالرتق (1)، وسلامتها من الجنون، والجذام، والبرص،
= قلت: وهذا إِسناد صحيح على شرط مسلم، فإِن رجاله كلهم ثقات من رجاله سوى حصين بن قبيصة، لكن روايته متابعة، ثم هو ثقة".
(1)
المرأة الرتقاء: هي المرأة المنضمّة الفرج، التي لا يكاد الذّكر يجوز فرجها؛ لشدّة انضمامه. "لسان العرب".
وكذلك سلامتهما من العيوب التي تمنع كماله، كخروج النجاسات منه أو منها، ونحو ذلك في أحد الوجهين في مذهب أحمد وغيره".
وجاء فيه (32/ 173): "وسئل رحمه الله عن رجل تزوج امرأة على أنها بِكر، فبانت ثيباً؛ فهل له فسخ النكاح ويرجع على مَن غرَّه أم لا؟
فأجاب: له فسْخ النكاح، وله أن يطالب بأرش (1) الصَّداق -وهو تفاوُتُ ما بين مهر البِكر والثيب؛ فينقص بنسبته من المسمّى-، وإذا فسخ قبل الدخول سقط المهر، والله أعلم".
وجاء فيه (32/ 171): "وسئل رحمه الله عن امرأة تزوجت برجل، فلما دخل رأت بجسمه برصاً: فهل لها أن تفسخ عليه النكاح؟
فأجاب: إِذا ظهر بأحد الزوجين جنون، أو جذام، أو برص: فللآخر فسْخ النكاح؛ لكن إِذا رضي بعد ظهور العيب فلا فسْخ له. وإذا فسخت فليس لها أن تأخذ شيئاً من جهازها، وإنْ فسخت قبل الدخول سقط مهرها. وإنْ فسخت بعده لم يسقط".
وجاء (ص 171) منه: "وسئل رحمه الله عن رجل متزوج بامرأة فظهر مجذوماً: فهل لها فسْخ النكاح؟
فأجاب: الحمد لله. إِذا ظهر أن الزوج مجذوم، فللمرأة فسْخ النكاح بغير اختيار الزوج. والله أعلم".
(1) الأرش: هو اسم للمال الواجب على ما دون النفس، كما في "التعريفات". هذا في القصاص. وهو ما يستردّ من ثمن المبيع إذا ظهر فيه عيب. وهذا في البيوع. والمراد هنا: ما يسترد من المهر بعد ظهور العيب.
وقال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد"(5/ 184): "
…
وأمّا إِذا اشترط السلامة، أو شرَط الجمال، فبانت شوهاء، أو شرَطها شابة حديثة السن، فبانت عجوزاً شمطاء، أو شرَطها بيضاء، فبانت سوداء، أو بِكراً فبانت ثيِّباً، فله الفسْخُ في ذلك كلّه.
فإِنْ كان قبل الدخول، فلا مهر لها. وإنْ كان بعده، فلها المهر، وهو غُرْمٌ على وليها إِنْ كان غرّه، وإنْ كانت هي الغارّهّ، سقط مهرها، أو رجع عليها به إِن كانت قبضته. ونص على هذا أحمد في إِحدى الروايتين عنه، وهو أقيسهما وأولاهما بأصوله فيما إذا كان الزوج هو المشترط".
وقال رحمه الله (ص 183): " [إِنّ] كُلّ عيب يُنفّر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع، وما ألزم الله ورسوله مغروراً قطُّ، ولا مغبوناً بما غُرَّ به وغُبن به، ومن تدبّر مقاصد الشرع في مصادره وموارده وعدْله وحكمته، وما اشتمل عليه من المصالح؛ لم يَخْفَ عليه رجحان هذا القول، وقُربه من قواعد الشريعة".
وقال رحمه الله (ص 185): "وإذا كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم حرّم على البائع كِتمان عيب سلعته، وحرّم على مَن علمه أن يكتمه من المشتري، فكيف بالعيوب في النكاح، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين استشارته في نكاح معاوية، أو أبي الجهم: "أمّا معاوية، فصعلوك لا مال له، وأمّا أبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه" (1)، فعُلم أنّ بيان العيب في النكاح أولى وأوجب،
(1) أخرجه مسلم: 1480.