الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: فإِذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريد منها، ممّا أباحه الله له منها، فلا سبيلَ له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها".
وقوله: {إِنّ الله كان عليَّاً كبيراً} تهديد للرجال إِذا بغوا على النساء من غير سبب؛ فإِن الله العلي الكبير وليُّهنَّ، وهو ينتقم ممن ظلمهنّ وبغى عليهنّ.
هل للزَّوجة النَّاشِز نفقة أو كِسْوَة
؟
جاء في "الفتاوى"(32/ 278): "وسئل رحمه الله: عن رجل له زوجة، وهي ناشِز تمنعه نفسها: فهل تسقط نفقتها وكسوتها وما يجب عليها؟
فأجاب: الحمد لله. تسقط نفقتها وكسوتها إِذا لم تُمكِّنه من نفسها، وله أنْ يضربها إِذا أصرَّت على النُّشوز. ولا يحِلُّ لها أن تمنع من ذلك إِذا طالبَها به؛ بل هي عاصِية لله ورسوله".
وفيه (ص 279): "وسئل شيخ الإِسلام رحمه الله: عن رجلٍ له امرأة، وقد نشزت عنه في بيت أبيها من مُدَّة ثمانية شهور، ولم ينتفع بها؟
فأجاب: إِذا نشزت عنه فلا نفقة لها، وله أن يضربها إِذا نشزت؛ أوآذته، أو اعتدت عليه".
ماذا إِذا وقع الشِّقاق بين الزوجين:
قال الله -تعالى-: {وإِنْ خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكَماً من أهله وحكَماً من أهلها إِنْ يريدا إِصلاحاً يوفِّق الله بينهما إِنَّ الله كان عليماً
= ابن ماجه" (1615)، وانظر "المشكاة" (3261)، و"غاية المرام" (251).
خبيراً} (1). قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره"(2): "ذكر -تعالى- الحال الأول، وهو إِذا كان النفور والنشوز من الزوجة؛ ثمّ ذكَر الحال الثاني وهو: إِذا كان النفور من الزوجين فقال -تعالى-: {وإِنْ خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكَماً من أهله وحكَماً من أهلها} .
قال الفقهاء: إِذا وقَع الشقاق بين الزوجين، أسكنهما الحاكم إِلى جنب ثقة، ينظر في أمرهما، ويمنع الظالم منهما من الظلم، فإِنْ تفاقم أمرُهما وطالت خصومتهما، بعَث الحاكم ثقة من أهل المرأة وثقة من قوم الرجل، ليجتمعا وينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق.
وتشوّف الشارع إِلى التوفيق؛ ولهذا قال -تعالى-: {إِنْ يريدا إِصلاحاً يوفق الله بينهما} (3).
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمَر الله عز وجل أن يبعثوا رجلاً صالحاً من أهل الرجل، ورجلاً مِثله من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء، فإِن كان الرجل هو المسيء، حجبوا عنه امرأته وقَصَروه على النفقة، وإنْ كانت المرأة هي المسيئة، قَصَروها على زوجها ومنعوها النفقة. فإِن اجتمع رأيهما على أن يُفَرِّقا أو يَجمَعا؛ فأمرهما جائز
…
".
ثم ساق بإِسناد عبد الرزاق إِلى ابن عباس رضي الله عنه قال: "بُعِثتُ أنا
(1) النساء: 35.
(2)
بتصرّف.
(3)
قال البغوي رحمه الله في "تفسيره": " {يوفق الله بينهما}: يشتمل على الفراق وغيره؛ لأنَّ التَّوفيق أنْ يخرج كلُّ واحدٍ منهما من الوِزر، وذلك تارة يكون بالفراق، وتارةً بِصلاح حالِهما".
ومعاوية حَكَمَين، قال معمر: بلغني أنَّ عثمان بعَثَهما وقال لهما: إِنْ رأيتما أنْ تجمعا جمعتما، وإِنْ رأيتما أن تُفرِّقا فرقتما".
وساق كذلك بإِسناد عبد الرزاق إِلى عَبِيدَةَ قال: "شهدت علياً وجاءته امرأة وزوجها، مع كل واحد منهما فئام من الناس، فأخرج هؤلاء حكَماً وهؤلاء حكَماً، فقال علي للحَكَمين: أتدريان ما عليكما؟ إِنَّ عليكما إِن رأيتما أن تجمعا، جمعتما. فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وَعَلَيَّ. وقال الزوج: أمّا الفرقة فلا. فقال علي: كذبْتَ، والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك".
ثمّ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وقال الحسن البصري: الحَكَمان يَحْكُمان في الجمع ولا يحكمان في التفريق؛ وكذا قال قتادة، وزيد بن أسلم، وبه قال أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وداود، ومأخذهم قوله -تعالى-:{إِنْ يريدا إِصلاحاً يوفِّق الله بينهما} ولم يذكر التفريق.
وأمّا إِذا كانا وكيلين من جهة الزوجين، فإِنه ينفَّذ حُكمهما في الجمع والتفرقة بلا خلاف.
وقد اختلف الأئمة في الحَكَمين: هل هما منصوبان من عند الحاكم، فيحكمان وإِن لم يرض الزوجان، أو هما وكيلان من جهة الزوجين؟ على قولين: فالجمهور على الأول، لقوله -تعالى-:{فابعثوا حكَماً من أهله وحكَماً من أهلها} فسمَّاهما حَكَمين، ومن شأن الحَكَم أن يَحْكُم بغير رضا المحكوم عليه، وهذا ظاهر الآية، والجديد من مذهب الشافعي، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.