المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آداب التطليق المستنبطة من الكتاب الكريم والسنة الصحيحة - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٥

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌النِّكاح

- ‌النِّكاح

- ‌التَّرغيب في النكاح

- ‌حُكم الزواج:

- ‌الزواج الحرام

- ‌هل يقدّم الزواج على الحجّ

- ‌في ذمِّ العِشْق:

- ‌الرغبة عن الزواج:

- ‌اختيار الزّوجة:

- ‌التقارُب في السِّنِّ:

- ‌تزويج الصغار من الكبار

- ‌أيّ النساء خير

- ‌اختيار الزوج:

- ‌عرْض الإِنسان ابنتَه أو أختَه على أهل الخير

- ‌التَّزْيين للتنفيق والتّرغيب في النكاح:

- ‌صلاة المرأة إِدْا خُطِبَت واستخارتُها ربَّها

- ‌الخِطبة

- ‌ماذا يقول إِذا دُعي ليزوِّج

- ‌خِطبة معتدَّة الغير

- ‌تحريم خِطبة الرجل على خِطبة أخيه:

- ‌تفسير ترْك الخِطبة

- ‌إِذا استشارت المرأة رجلاً فيمن يخطبها؛ هل يخبرها بما يعلم

- ‌إِذا استشار رجلٌ رجلاً في المرأة هل يخبره بما يعلم

- ‌النظر إِلى المخطوبة:

- ‌إِلامَ ينظُر

- ‌نظر المرأة إِلى الرجل:

- ‌محادثة الرجل المرأة:

- ‌تحريم الخلوة بالمخطوبة:

- ‌العدولُ عن الخِطْبة وأثره

- ‌أركان عقد النكاح:

- ‌ما يُشترط في الشهود:

- ‌شهادة النساء:

- ‌ألفاظ الإِيجاب والقَبول:

- ‌الخُطبة قبل الزواج

- ‌نيّة الطلاق عند العقد:

- ‌زواج الأخرس

- ‌تزويج الصغير:

- ‌توثيق الزواج بالكتابة:

- ‌الأنكحة المحرّمة

- ‌الزواج الذي تحلُّ به المطلقة للزوج الأول

- ‌فائدة:

- ‌الشروط في النكاح

- ‌هل يحقّ فسْخُ العقد إِذا ثبَتَ العيب

- ‌فائدة:

- ‌المحرّمات من النّساء

- ‌المُحَرَّمات مُؤبَّداً

- ‌أولاً: المحرمات من النسب هنّ:

- ‌ثانياً: المحرّمات بسبب المصاهرة:

- ‌ثالثاً: المحرّمات بسبب الرضاع:

- ‌الرِّضاع الذي يثبُت به التحريم:

- ‌اللبن المختلط بغيره:

- ‌رضاع الكبير:

- ‌قَبول قول المرضعة:

- ‌لبن الفحل:

- ‌المحرمات مؤقَّتاً

- ‌نكاح الكفار

- ‌نكاح الزانية:

- ‌فائدة:

- ‌عقد المُحرم

- ‌نكاح الملاعِنَة:

- ‌نكاح المشرِكة:

- ‌نكاح المسلمة بغير المسلم:

- ‌فائدة:

- ‌تحريم الزيادة على الأربع:

- ‌تعدُّد الزوجات:

- ‌ماذا يُشترط على من يريد التعدّد

- ‌من محاسن التعدّد:

- ‌توجيهات وكلمات مضيئة في التعدّد

- ‌فائدة:

- ‌مسائل في التعدّد:

- ‌1 - مَن أَوْلَمَ على بعض نسائه أكثر من بعض

- ‌2 - إِذا تزوّج البكر على الثيّب، والثيب على البكر:

- ‌3 - القُرْعة بين النّساء إِذا أراد سفراً

- ‌4 - النهي عن افتخار الضَّرَّة

- ‌5 - استئذانُ الرجلِ نساءَهُ في أن يُمرَّض في بيت بعضهنّ:

- ‌فائدة:

- ‌الولاية على الزّواج

- ‌معنى الولاية

- ‌من هو الوليّ

- ‌شروط الوليّ:

- ‌عدم اشتراط العدالة:

- ‌المرأة لا تزوّج نفسها:

- ‌إِذا كان الوليّ هو الخاطب

- ‌غَيْبَةُ الوليّ:

- ‌ولاية غير الآباء على الصغار:

- ‌السلطانُ وليُّ من لا ولي له:

- ‌عضْل الوليّ:

- ‌اليتيمة تُستأمر في نفسها:

- ‌استئذان المرأة قبل النكاح:

- ‌الوكالة في الزواج:

- ‌المهر

- ‌حُكمه:

- ‌قدْر المهر:

- ‌فائدة:

- ‌النهي عن المغالاة في المهور:

- ‌إِثقال الصَّداق يجعل العداوة في نفس الزوج:

- ‌هل يدخل على زوجه إِذا لم يُمْهِرْهَا

- ‌ماذا إِذا دخَل بها ولم يفرض لها صَداقاً

- ‌الزواج بغير ذِكر المهر:

- ‌فيمن تزوّج ولم يُسمِّ صداقاً حتى مات

- ‌مهر المِثل:

- ‌العدْل في المهور:

- ‌العَدْل في صداق اليتيمة:

- ‌الرجل هو الذي يحدّد المهر:

- ‌متى يجب عليه نصف المهر

- ‌ماذا يجب مِن المهر إِذا أغلق الباب وأرخى الستر ولم يدخل بزوجه

- ‌فوائد متفرِّقة:

- ‌الإِمهار عن غيره:

- ‌الرجل هو الذي يُعدّ البيت ويؤثثه ويجهّزه:

- ‌النفقة

- ‌حُكمها:

- ‌ماذا إِذا كان الزوج بخيلاً

- ‌نفقة زوجة الغائب:

- ‌نفقة المعتدة

- ‌لا تنتهك المرأة شيئاً من مالها الا بإِذن زوجها:

- ‌متى يستحبّ البناء بالنساء

- ‌موعظةُ الرّجلِ ابْنَتَهُ لِحَالِ زَوَاجها

- ‌ذهاب النّساء والصبيان إِلى العُرس

- ‌استعارة الثياب للعروس

- ‌الهديّة للعروس

- ‌آداب الزِّفاف

- ‌1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها:

- ‌2 - وضْعُ اليدِ على رأس الزوجة والدعاءُ لها:

- ‌3 - صلاة الزوجين معاً:

- ‌4 - ما يقول حين يجامعها:

- ‌5 - كيف يأتيها

- ‌6 - تحريم الدُّبُر:

- ‌لا كراهة في الكلام حال الجماع:

- ‌7 - الوضوء بين الجماعين:

- ‌8 - الغُسل أفضل:

- ‌9 - اغتسال الزوجين معاً:

- ‌10 - توضُّؤ الجُنُب قبل النوم:

- ‌11 - حُكم هذا الوضوء:

- ‌12 - تيمُّم الجُنُب بدل الوضوء:

- ‌13 - اغتساله قبل النوم أفضل:

- ‌14 - تحريم إِتيان الحائض:

- ‌15 - ما يحِلّ له من الحائض:

- ‌16 - ولا يأتيها بعد الطُّهر إِلا أن تغتسل:

- ‌17 - جواز العزل:

- ‌18 - الأوْلى ترْك العزل:

- ‌19 - ما ينويان بالنكاح:

- ‌20 - ما يفعل صبيحةَ بنائه:

- ‌21 - تحريم نشْر أسرار الاستمتاع:

- ‌22 - وجوب الوليمة:

- ‌23 - السُّنة في الوليمة:

- ‌24 - جواز الوليمة بغير لحم:

- ‌25 - مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة:

- ‌26 - تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة:

- ‌27 - وجوب إِجابة الدعوة:

- ‌28 - ترْك حضور الدعوة التي فيها معصية:

- ‌29 - الدعاء للعروسين بالخير والبركة:

- ‌31 - الغناء والضرب بالدُّفِّ:

- ‌32 - الامتناع من مخالفة الشرع:

- ‌1 - تعليق الصُّوَر:

- ‌2 - نتف الحواجب وغيرها

- ‌3 - تدميم الأظفار وإِطالتها:

- ‌4 - حلْق اللحى:

- ‌5 - خاتم الخطبة:

- ‌إِذا رأى المرء من امرأةٍ ما يعجبه؛ فليأت أهله:

- ‌وصايا الإِمام الألباني رحمه الله إِلى العروسين

- ‌وجوب خدمة المرأة لزوجها

- ‌حقّ الزوجة على زوجها

- ‌1 - حُسن المعاشرة:

- ‌2 - صيانتها

- ‌3 - إِتيانها ووطْؤُها:

- ‌حقّ الزوج على زوجته:

- ‌الطَّلاق

- ‌الطلاق

- ‌معناه:

- ‌مشروعيته

- ‌حُكمه:

- ‌الطلاق من حق الرجل وحده:

- ‌تحريم سؤال الزَّوجة الطَّلاق من غير سبب موجبٍ له:

- ‌من يقع منه الطلاق:

- ‌طلاق المكره والمجنون والسكران والغضبان والمدهوش ونحو ذلك:

- ‌طلاق الهازل:

- ‌الطلاق قبل الزواج:

- ‌بماذا يقع الطلاق:

- ‌الطلاق باللفظ:

- ‌الطلاق بالكناية:

- ‌حُكم الطلاق بلفظ التحريم:

- ‌الطلاق بالكتابة:

- ‌طلاق الأبكم ومن لا يُحسن العربية:

- ‌طلاق كلّ قوم بلسانهم:

- ‌إذا طلّق في نفسه فلا يقع الطلاق:

- ‌الوكالة في الطلاق:

- ‌التعليق والتنجيز

- ‌والتعليق قسمان:

- ‌الطلاق السُّني والبدعي

- ‌يقسم الطلاق إلى قِسمين:

- ‌1 - الطلاق السُّنّي:

- ‌2 - الطّلاق البدعي:

- ‌طلاق الآيسة والصغيرة ومنقطعة الحيض:

- ‌هل يقع طلاق الحائض

- ‌عدد الطلقات:

- ‌هل يقع طلاق الثلاث جملةً أم يُحسب طلقة

- ‌الإِشهاد على الطَّلاق:

- ‌الطلاق الرجعي وأحكامه

- ‌الطلاق البائن وأحكامه

- ‌أقسامه:

- ‌حُكم البائن بينونة صُغرى:

- ‌حُكم الطَّلاق البائن بينونة كُبرى:

- ‌مسألة الهدم:

- ‌هل يقع طلاق المريض مرض الموت

- ‌متى يطلّق القاضي

- ‌1 - عدم الإِنفاق:

- ‌2 - غَيبة الزوج:

- ‌3 - التطليق للضَّرر:

- ‌متعة الطّلاق

- ‌الخُلع

- ‌تعريفه:

- ‌مشروعيته:

- ‌لا يجوز التضييق على الزوجة لأجل الافتداء:

- ‌الخُلع بتراضي الزوجين

- ‌جواز الخُلع في الطُّهر والحيض:

- ‌هل يجوز للزّوج أخْذ الزيادة على المهر

- ‌المختلعة تعتدّ بحيضة واحدة:

- ‌هل الخُلع فسْخٌ أم طلاق

- ‌علاج نشوز الرجل:

- ‌علاج نشوز المرأة:

- ‌هل للزَّوجة النَّاشِز نفقة أو كِسْوَة

- ‌ماذا إِذا وقع الشِّقاق بين الزوجين:

- ‌الظِّهار

- ‌هل الظهار مختصٌّ بالأم

- ‌ماذا يفعل من يُظاهر امرأته

- ‌ماذا إِذا مسّ قبل التَّكفير

- ‌كفّارة الظهار:

- ‌الإِيلاء

- ‌تعريفه:

- ‌الفسخ

- ‌تعريفه:

- ‌اللِّعان

- ‌مشروعيته:

- ‌متى يكون اللّعان

- ‌صفة اللعان

- ‌الحاكم هو الذي يقضي باللعان:

- ‌اشتراط العقل والبلوغ:

- ‌لعان الأخرسَيْن

- ‌مسائل في الامتناع عن اللعان أو عدم إِتمامه:

- ‌ماذا يترتب على اللعان:

- ‌آداب التطليق المستنبطة من الكتاب الكريم والسّنة الصحيحة

- ‌العدّة

- ‌تعريفها:

- ‌حِكمة مشروعيتها:

- ‌أنواع العِدّة:

- ‌عِدَّة غير المدخول بها:

- ‌عدّة المدخول بها:

- ‌عدّة الحائض:

- ‌عِدّة غير الحائض:

- ‌حُكم المرأة الحائض إِذا لم تر الحيض:

- ‌سِنّ اليأس:

- ‌عِدّة الحامل:

- ‌عدة المتوفّى عنها زوجها:

- ‌عِدّة المستحاضة:

- ‌عدة المطلّقة ثلاثاً:

- ‌عدّة المختلعة:

- ‌وجوب العدّة في غير الزواج الصحيح:

- ‌تحول العدة من الحيض إِلى العِدَّة بالأشهر:

- ‌تحول العدة من الأشهر إِلى الحيض:

- ‌ انقضاء العدة [

- ‌لزوم المطلقة المعتدة بيت الزوجية:

- ‌أين تعتد المرأة المتوفَّى زوجها

- ‌لا يجوز للمعتدَّة الرَّجعية الخروج إِلا بإِذن زوجها:

- ‌حِداد المُعْتدَّة:

- ‌فائدة:

- ‌ماذا إِذا نكحت المرأة في عدَّتها

- ‌نَفَقَة المُعْتَدَّة

- ‌الحضانة

- ‌تعريفها:

- ‌الحِضانة حقٌّ مشترك

- ‌الأولى بحضانة الطفل أُمّه ما لم تنكح:

- ‌حضانة الأب:

- ‌إِذا بلغ الصّبي سنَّ التمييز خُيِّر بين أبويه:

- ‌الاقتراع على الولد:

- ‌ضابط باب الحضانة:

الفصل: ‌آداب التطليق المستنبطة من الكتاب الكريم والسنة الصحيحة

3 -

أمّا ما يتعلق بإِلحاق الولد؛ فإِنه حين ينفيه الرجل، يُلحق بأمِّه فيدعى لها فتَرِثه ويَرِث منها ما فرض الله -تعالى- له، وينتفي نسَبُه من أبيه فلا يدعى له، ولا تجب نفقته عليه، ولا توارث بينهما؛ وذلك لحديث سهل بن سعد

وفيه: "قال ابن جريج: قال ابن شهاب: فكانت السُّنة بعدهما أن يُفرَّق بين المتلاعنين، وكانت حاملاً، وكان ابنها يدعى لأمّه. قال: ثم جرت السُّنة في ميراثها أنها ترِثه ويرث منها ما فرض الله له"(1).

قال ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(11/ 418): "فإِنْ كانت المرأة الملاعنة حاملاً؛ فبتمام الالتعان منهما جميعاً ينتفي عنه الحمل -ذكَره أم لم يذكره- إِلا أن يُقرَّ به فيلحقه". انتهى.

وكذا إِذا أكذب نفسه؛ فإِنه يلحقه ويُدعى له.

مسألة: إِذا لم يُتمَّ الرجل اللعان أو تُتمّه هي، فهما على نكاحهما، فلو مات أحدهما قبل تمام اللعان لتوارثا، ولا معنى لتفريق الحاكم بينهما، أو لتركه، لكن بتمام اللعان تقع الفرقة (2).

‌آداب التطليق المستنبطة من الكتاب الكريم والسّنة الصحيحة

(3)

الأدب الأول: هو رعاية المصلحة في إِيقاعه؛ بعد التروي والتحاكُم إِلى

(1) أخرجه البخاري: 5309، ومسلم:1492.

(2)

انظر "المحلّى"(11/ 418) بتصرف يسير.

(3)

عن كتاب "الاستئناس في تصحيح أنكحة الناس" للعلاّمة جمال الدين القاسمي رحمه الله بحذف.

ص: 372

حَكَمَين، فقد دلّ الكتاب الكريم على مشروعية ذلك عند شقاق الزوجين بإِرسال حَكَمَين من أهل الزوجين؛ يُؤْثِران الإِصلاح بالوفاق، على الفراق والطلاق، فينصحان الزوجين ويعظانهما ويؤذنانهما بمفاسد الطلاق ومَضرّاته وخراب ما بُني من المعيشة البيتية، وما يَعْقُبه من الندم ونفرة الحبّ القلبي، وغير ذلك من تَشتُّتِ شمْل البنين والبنات، وتجرّعهم غُصص الحسرات، حتى إِذا لم يُفد نصحهما وأخفَقَ سعيهما، ورأيا الخيرة لهما في الفراق، أَذِنا للزوج بالطلاق.

وهذا كله مستفاد من قوله -تعالى-: {وإِنْ خفتم شِقاق بينهما فابعثوا حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها إِنْ يريدا إِصلاحاً يوفق الله بينهما} (1) فلم يشرع سبحانه وتعالى للزوج أن يعجَل بالطلاق، وأن يبادر به سائق الهوى والهوَس بدون عمل بما أمر -تعالى- به وحَضَّ عليه.

ودلّ الأمر في قوله -تعالى-: {فابعثوا حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها} على أنّ إِرسال الحَكَم فرْض، لأنَّ الأمر للوجوب عند الأكثرين، والأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، والنهي -أعني التلبُّس بخلاف الأمر- يقضي الفساد وعدم الاعتداد كما تقرر في الأصول.

فإِذَنْ؛ من عَجَّل في الشِّقاق، وتلفَّظ بالطَّلاق بدون الرجوع إِلى التحاكم المأمور به؛ فقد تلبس بالمنهي عنه وعصى بمخالفة الأمر، وأمّا من عمل بالأمر ففوّض للحَكَمين الخيرة؛ فلم يجدا سبيلاً لائتلاف الزوجين، ولا طريقاً لجمع شملهما؛ فما جعل الله في ذلك من حرج؛ لقوله:{وإِن يتفرقا يُغنِ اللهُ كلاًّ من سَعته} (2).

(1) النساء: 35.

(2)

النساء: 130.

ص: 373

الأدب الثاني: إِيقاعه في حال الخوف من عدم إِقامة حدود الله، وذلك بأنْ تتضرّر المرأة من الرجل فترى منه ما يسوؤها؛ من قول أو فِعل أو أمر يستحيل معه صبرها عليه.

ومنه أن يترك معاشرتها بالمعروف ويتجافى الإِحسان إِليها، أو تُشاهد منه انكباباً على الفحشاء وعملاً بالمنكرات، أو إِغراءً لها بترك الواجبات، أو إِفساداً لصالح تربيتها بمشاهدة ما يأتيه من الموبقات، أو سعياً في إِيذائها بأنواع المضَرّات؛ فتخشى من بقائها على عصمته أن تبوء بإِثم الناشزة والهاجرة، وهي لا تطيق حالتئذٍ ملامسته بوجهٍ ما، وتأبى القُرب منه أشدّ الإِباء، ففي هذه الحالة شُرع مخالعتها؛ بأن تفتدي منه بما يتراضيان به، وإليه الإِشارة بقوله -تعالى-:{فإِنْ خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون} (1).

وتدلّ الآية بمفهومها على أنهما إِذا كانا يقيمان حدود الله في الزوجية؛ فليس له أن يطلب مخالعتها بأخذ ما لا تطيب نفسها به، وليس لها أيضاً أن تفتكر في الاختلاع منه، لأن في ذلك إِفساداً لهما، وإصراراً بهما وبأولادهما -إِن كانوا- وإِنّ ذلك حينئذ من تعدّي حدود الله، أي: مجاوزتها.

ثمّ إِذا خلَعها من عصمته فهل يكون خلْعُه طلاقاً أو فَسْخاً؟ فذهب الجمهور إِلى الأول، وجعلوا عدّتها ثلاثة قروء، وذهب ابن عباس وعثمان وابن عمر والرُّبيِّع بنت معوِّذ وعمُّها رضي الله عنهم إِلى أنَّه فسْخ.

قال الإِمام ابن القيم: ولا يصح أنَّه طلاق البتَّة، وقد أمَر النّبيّ صلى الله عليه وسلم امرأة

(1) البقرة: 229.

ص: 374

ثابت بن شمَّاس لما اختلعت من زوجها أن تعتدّ بحيضة واحدة (1)، وبه قضى عثمان رضي الله عنه (2) وإليه ذهب الإِمام إِسحاق بن راهويه والإِمام أحمد في رواية عنه اختارها شيخ الإِسلام ابن تيمية.

قال: من نظر هذا القول وجَده مقتضى قواعد الشريعة، فإِنَّ العدة إِنما جُعلت ثلاث حيضٍ ليطول زمن الرّجعة ويتروّى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدّة. فإِذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمْل، وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء، قال: ولا ينتقض هذا بالمطلقة ثلاثاً، فإِنَّ باب الطلاق جعل حُكْم العدّة فيه واحدة بائنة ورجعية (3).

الأدب الثالث: أن لا يكون القصْدُ بإِيقاع الطلاق مضارَّة الزوجة، فإِنّ الضِّرار ممنوع شرعاً لحديث:"لا ضرر ولا ضرار"(4)، ولعموم آية: {ولا

(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي"(3272) ولفظه: عن ثابت بن قيس بن شمَّاس: "أنه ضرب امرأته فكَسَر يدها -وهي جميلة بنت عبد الله بن أُبي- فأتى أخوها يشتكيه إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى ثابت، فقال له: خُذ الذي لها عليك، وخلّ سبيلها، قال: نعم. فأمَرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة، فتلحق بأهلها".

(2)

أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1674)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (3273) ولفظه:"عن رُبيِّع بنت معوِّذ قالت: اختلَعْتُ من زوجي، ثمّ جئت عثمان، فسألتُهُ ماذا عليّ من العدة؟ فقال: لا عدة عليك، إِلا أن تكوني حديثة عهد به فتمكثي حتى تحيضي حيضة، قال: وأنا متبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغاليّة؛ كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فاختلعت منه".

(3)

انظر "زاد المعاد"(5/ 197) ونقله جمال الدين القاسي رحمه الله بتصرّف.

(4)

أخرجه أحمد وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1895) وغيرهما وهو حديث صحيح خرّجه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(896)، و"الصحيحة"(250).

ص: 375

تضاروهنّ} (1) ولقوله -تعالى-: {فإِن أطعْنكُم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً} (2).

وأعظم البغي على النساء تطليقهنّ للمُضارّة والتشفّي والإِيذاء وتخريب بنيان المعيشة.

وقد تنبه لهذا الأدب من رأى أنَّ تطليق المرأة في مرض الموت لا يمنعها من الإِرث، لأنه لما قصَد بطلاقها حرمانها من حقّها المشروع؛ عومل بنقيض قصْده عدلاً ورحمة من الشارع، فقد قال مالك: من حُجَّتنا في الذي يتزوج وهو مريض (3) أنه ليس له ميراث؛ لأنه يُمْنع أنْ يُطلِّق وهو مريض، فكَما يُمْنع من الطَّلاق وهو مريض لحقّ امرأته في الثُّمن؛ فإِنَّه لا ينبغي أن يدخل عليها من يَنقصُها من ثُمنها.

قال ابن رشد: هذا بيِّن لأن المعنى الذي من أجله لم يجز أن يطلق في المرض موجود في النكاح، فلا يجوز له أن يُدخل وارثاً على ورثته؛ كما لا يجوز أن يخرج عنهم وارثاً.

الأدب الرابع: أن يُطلّق لداعٍ لا يتأتّى معه اتخاذها زوجة، كأن يراها لا تردّ يد لامس (4)، أو لا تؤمَّن على مالٍ ولا سرّ، أو لا تحفظ نظام بيته ورعاية حرمته،

(1) الطلاق: 6.

(2)

النساء: 34.

(3)

أقول: ليس للرجل أنْ يُطلِّق أو يَنكَح، في مرض الموت لِيَنقص أو ليمنع الميراث؛ ولكنْ له أنْ يَنكح أو يُطلِّق في مرضه إِذا كان له مصلحة في أيٍّ منهما -والله تعالى أعلم-.

(4)

قيل: إِنها تُعطي من ماله من يطلب منها، وقيل غير ذلك.

ص: 376

أو لا تستجيب لطاعته، إِلى غير ذلك من الأخلاق الفاسدة التي تحقق أنها صارت مَلَكَةً راسخة فيها مُرِّنت عليها وانطبعت فيها، فلا جَرَمَ أنها حينئذ جرثومة النكد، ومادة النقص، ومباءة الفساد والإِفساد للمروءة والدين والدنيا، فمثل هذه المشؤومة مما يُشرع طلاقها ويُندب إِنْ لم يجب، وقد ورد في هذا ما أخرجه البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس -رضي الله- أنه قال:"الطلاق عن وطر"(1).

قال الحافظ ابن حجر: أي: أنه لا ينبغي للرجل أن يُطلِّق امرأته إِلا عند الحاجة كالنشوز.

وقال الإِمام ابن القيّم في "إِعلام الموقعين": "معنى قول ابن عباس: إِنما الطلاق عن وطَر؛ أي: عن غرض من المطلِّق في وقوعه".

الأدب الخامس: أنْ لا يُطلِّق ثلاثاً دفعة واحدة ....... (2).

قال ابن القيّم: ".

[فإِن الله -تعالى- أراد من المرء] أن يُطلّق طلاقاً يملك فيه ردّ المرأة إِذا شاء، فطلّق طلاقاً يريد به أن لا يملك فيه ردّها، وأيضاً فإِن إِيقاعه الثلاثَ دفعةً مخالفٌ لقوله -تعالى-:{الطلاق مرتان} (3)، والمرتان والمرّات في لغة القرآن والسّنة -بل ولغة العرب بل ولغة سائر الأمم- لِما كان مرة بعد مرة، فإِذا جمع المرتين والمرات في مرة واحدة؛ فقد تعدى حدود الله -تعالى- وما دلّ عليه كتابه، فكيف إِذا أراد باللفظ الذي رتَّب عليه الشارع حُكماً ضد

(1) تقدَّم.

(2)

حذفْتُ الحديث الذي ذكَره لعدم ثبوته.

(3)

البقرة: 229.

ص: 377

ما قصَده الشارع.

الأدب السادس: أن يُشهد على الطَّلاق، لقوله -تعالى-:{يا أيها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلقوهنّ لعدّتهنّ وأحصوا العدّة} إِلى قوله: {فإِذا بلغْن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروف أو فارقوهنّ بمعروف وأشهدوا ذَوَيْ عدل منكم وأقيموا الشهادة لله} (1)، فأمَر بالإِشهاد على الرجعة -وهو الإِمساك بمعروف- وعلى الطلاق -وهو المفارقة بمعروف-.

الأدب السابع: أن لا يكون في حالة الغضب لحديث: "لا طلاق في إِغلاق"(2).

الأدب الثامن: أن ينوي الطلاق لحديث: "إِنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فإِنّ الحديث هو الكلِّيُّ الأعظم في أبواب من الشريعة، قال الحافظ ابن حجر: إِنّ الحكم إِنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر. انتهى.

وأصله من قوله -تعالى-: {وإنْ عزموا الطَّلاق فإِنّ الله سميع عليم} (3) فمن لم يعزم الطلاق بأنْ علّقه أو عبث به؛ لم يُطلّق الطَّلاق المشروع.

الأدب التاسع: أن يكون التطليق مأذوناً فيه من جهة الشارع، فلا يكون محرّماً مبتدعاً، بل مأموراً به، وذلك بمعرفة زمان التطليق لقوله -تعالى-:

(1) الطلاق: 1 - 2.

(2)

أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1919)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1665) والحاكم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(2047).

(3)

البقرة: 227.

ص: 378

{يا أيها النّبيّ إِذا طلّقتم النّساء فطلقوهنّ لعدّتهنّ} أي: لاستقبال عدتهن، يعني: أن يُطلَّقن في وقت يتعقبه شروعهنّ في العدة، وذلك أن تطلّق في طُهر لم تُجامَع فيه.

وأمّا طلاقها في حال الحيض فهو محرّم بالكتاب والسنّة والإِجماع (1)، وليس في تحريمه نزاع، ولهذا أمَر النّبيّ -صلوات الله عليه- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما طلّق امرأته في الحيض أن يراجعها (2)، وتلا عليه هذه الآية تفسيراً للمراد بها؛ إِيذاناً بأن الطلاق لم يُشرع في حيض ولا في طهر وُطِئت فيه، وإنما شرع للعدَّة، وهو أن يطلِّقها في طُهرٍ من غير جماع.

وفي "المدونة" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من أراد أن يُطلِّق للسُّنّة فليطلق امرأته طاهراً في غير جماع تطليقة، ثم ليدَعْها، فإِذا أراد أن يراجعها راجعَها، وإن حاضت ثلاث حيض كان بائناً، وكان خاطباً من الخطَّاب".

قال الإِمام ابن القيّم -رحمه الله تعالى-: وأصْل هذا أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا كان يبغض الطلاق (3)، لما فيه من كسْر الزوجة، وموافقة رضا عدوه إِبليس، ومفارقة طاعته -تعالى- بالنكاح الذي هو واجب أو مستحبٌّ، وتعريض كلٍّ

(1) وتقدَّم تفصيله.

(2)

أخرجه البخاري: 5251، ومسلم:1471.

(3)

لا يقصد ابن القيّم رحمه الله هذا بإِطلاق، لأن الطلاق واجب في بعض الحالات كما لا يخفى، أمّا حديث:"أبغض الحلال إِلى الله الطلاق" فإِنّه ضعيف، وانظر "الإِرواء"(2040).

ص: 379

من الزوجين للفجور والمعصية وغير ذلك من مفاسد الطلاق، وكان مع ذلك قد يحتاج إِليه الزوج أو الزوجة وتكون المصلحة فيه؛ شَرَعَهُ على وجهٍ تحصل به المصلحة وتندفع به المفسدة، وحرَّمه على غير ذلك الوجه، فشرعه على أحسن الوجوه، وأقْربِها لمصلحة الزوج والزوجة، فشرع له أن يطلّقها طاهراً من غير جماع طلقة واحدة؛ ثمّ يدعها حتى تنقضي عدتها، فإِنْ زال الشّرّ بينهما وحصلت الموافقة؛ كان له سبيل إِلى لمِّ الشعث وإعادة الفراش كما كان، وإلا تركها حتى تنقضي عدَّتها، فإِنْ تبعَتها نفسه؛ كان له سبيل إِلى خِطبتها وتجديد العقد عليها برضاها، وإنْ لم تتبعها نفسه؛ تركَها فنكحت من شاءت، وجعل العدّة ثلاثة قروء؛ ليطول زمن المهلة والاختيار.

فهذا هو الذي شرَعه وأذن فيه، ولم يأذن في إبانتها بعد الدخول إِلا بالتراضي بالفسخ والافتداء، فإِذا طلَّقها مرةً بعد مرةٍ بقي له طلقةٌ واحدة، فإِذا طلقها الثالثة حرَّمها عليه عقوبة له، ولم يحلَّ له أن ينكحها حتى تنكح زوجاً غيره، ويدخل بها ثمّ يفارقها بموت أو طلاق، فإِذا عدمِ أن حبيبه يصير إِلى غيره فيحظى به دونه؛ أمسك عن الطلاق. انتهى ملخصاً.

الأدب العاشر: التطليق بإِحسان، لا بإِساءة ولا فحش من الكلام ولا بغي ولا عدوان، فإِن الله -تعالى- أمَر بالإِحسان في كل شيء، قال -تعالى-:{الطلاق مرَّتان فإِمساكٌ بمعروف أو تسريح بإِحسان} وقد روى ابن جرير "أنّ ابن عباس سئل عن معنى الآية فقال: ليتق الله في التطليقة الثالثة، فإمَّا يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرِّحها فلا يظلمها من حقها شيئاً".

وقال الضحاك: التسريح بإِحسان أن يعطيها مهراً إِنْ كان لها عليه إِذا

ص: 380

طلّقها، والمتعة قدر الميسرة.

ونظير هذه الآية آية: {فإِذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهنّ بمعروف} (1).

وآية: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (2).

فتأمّل هذا الوعيد الشديد لمن اتخذ آيات الله هُزواً أي: اتخذ ما بيّنه من حلاله وحرامه، وأمْره ونهْيه؛ في أمر الإِمساك والتسريح مهزوءاً به؛ بأنْ خالفَه وعصاه ولم يَحْفِلْ به، فضيّعه وتعدّى حدوده، وكيف سجَّل عليه بأنه ظلم نفسه؛ فأكسبها إِثماً وأوجب لها من الله عقوبةً! وتدبر كيف أمَرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم بما أمرهم به ونهاهم عنه؛ مما فيه سعادتهم وفلاحهم!

وفي معنى هذه الآيات قوله -تعالى-: {وللمطلقات متاعٌ بالمعروف حقّاً على المُتقين} (3) قال ابن جرير: يعني -تعالى- بذلك أنّ لمن طُلِّق من النساء على مُطلِّقها من الأزواج متاعاً -وهو ما يستمتع به من ثياب وكسوة ونفقة أو خادم أو غير ذلك مما يُستمتع به- وأكَّد ذلك بقوله: {حقّاً على المتقين}

(1) الطلاق: 2.

(2)

البقرة: 231.

(3)

البقرة: 241.

ص: 381

وهم الذي اتقوا الله في أمره ونهيه وحدوده، فقاموا بها على ما كلّفهم القيام بها؛ خشيةً منهم له ووجلاً منهم من عقابه. انتهى

وكذلك قوله -تعالى-: {ومتّعوهنّ على الموسع قدَرُه وعلى المُقْتِرِ قدَرُه} (1) فأمر -تعالى- المطلِّقين إِذا طلَّقوا الطَّلاق المأذون فيه -وهو المستوفي شروطه- أن يُسرِّحوا نساءهم راضيات عنهم، داعيات لهم، ذاكرات لجميلهم ومعروفهم وإِحسانهم، وذلك بأن يحسن إِليهن بما يتمتعن به على قدر اليُسر والعُسر.

وأكّد ذلك أيضاً بقوله: {متاعاً بالمعروف حقّاً على المحسنين} (2) فجعل ذلك حقاً لازماً على الذين يحسنون إِلى أنفسهم في المسارعة إِلى طاعة الله؛ فيما ألزمهم به وأدائهم ما كلفهم من فرائضه، ويحسنون إِلى المطلقات بالتمتيع على الوجه الذي يحسُن في الشرع والمروءة.

فأين المسلمون من هذه الآداب؟ وما عراهم (3) حتى هجروا أحكام الكتاب! تالله إِنّ القلب يكاد يتفطر ألماً، والعين تدمع دماً على ما أصبحوا فيه من الجهل، ولا من سائق لهم إِلى الفقه والعلم، حتى أصبحت محاكم القضاة تياراً لأمواج شكايات المظلومات، وميداناً لجولان دعاوى الزوجات، حتى صار المسلمون ببغيهم في الطلاق وهضعم حقوق الأزواج عاراً على الإِسلام، وفتنة لسواهم من الأقوام!! {ربنا لا تجعلنا فتنةً للذين كفروا واغفر لنا ربنا إِنك أنت العزيز الحكيم} (4).

(1) البقرة: 236.

(2)

البقرة: 236.

(3)

أي: أصابهم.

(4)

الممتحنة: 5.

ص: 382