الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأصحابه رضي الله عنهم! غير أنّ رقّة الدّين التي أصابت كثيراً من الناس؛ تدعو إِلى هذه الكتابة؛ كما هو شأن المحاكم الآن.
وليس يخفى ما يتبع هذا من تحقيق المصالح؛ التي لا تتمّ في عصرنا الحاضر إِلا بالتدوين؛ كالحصول على وثائق السفر وشهادات الميلاد وغير ذلك.
ومن فوائد الكتابة؛ حِفظ حقوق المرأة إِذا ساء دين زوجها، فقد يأكل حقوقها ويطلّقها، فالكتابة تضمن الحقوق.
الأنكحة المحرّمة
1 -
نكاح المتعة: هو النكاح إِلى أجل مُعيَّن، وهو من التمتُّع بالشيء: الانتفاع به (1).
وقد كان رخّص فيها صلى الله عليه وسلم أيّاماً، ثمّ نهى عنها.
عن سَبْرة الجُهني: أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قال: فأقمنا بها خمس عشرة -ثلاثين بين ليلة ويوم-، فأَذِن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء
…
فلم أخرج حتى حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وفي رواية: "يا أيها الناس! إِنّي قد كنت أذِنْت لكم في الاستمتاع من النساء، وإِنّ الله قد حرَّم ذلك إِلى يوم القيامة"(3).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مُتعة
(1)"النهاية".
(2)
أخرجه مسلم: 1406.
(3)
أخرجه مسلم: 1406.
النساء يوم خيبر، وعن أكْل لحوم الحُمُرِ الإِنسية" (1).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما وَلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال: إِنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَذِن لنا في المتعة ثلاثاً ثمّ حرّمها. والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو مُحصَن إلَاّ رجمته بالحجارة، إِلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلّها بعد إِذ حرَّمها"(2).
وعن عروة بن الزبير: "أنّ عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال: إِنّ ناساً أعمى الله قُلُوبهم، كما أعمى أبصارهم، يُفتون بالمتعة -يُعرِّض برَجُل-، فناداهُ فقال: إِنَك لَجِلْفٌ جاف (3)! فَلَعَمْري! لقد كانت المتعة تُفعلُ على عهد إِمام المتقين (يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقال له ابن الزبير: فجرِّب بنفسك؛ فوالله! لئن فعلتَها لأرجمنَك بأحجارك.
قال ابن أبي شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله؛ أنه بيْنا هو جالس عند رجل؛ جاءه رجلٌ فاستفتاه في المُتعة، فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلاً! قال: ما هي؟ والله لقد فُعلت في عهد إِمام المتقين!
قال ابن أبي عمرة: إِنها كانت رُخصةً في أول الإِسلام لمن اضطُرَّ إِليها، كالميتة والدّم ولحم الخنزير، ثمّ أحكَم الله الدّين ونهى عنها" (4).
(1) أخرجه البخاري: 4216، ومسلم:1407.
(2)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1598).
(3)
قال ابن السكّيت وغيره: الجلف هو الجافي. وعلى هذا قيل: إِنما جمَع بينهما توكيداً لاختلاف اللفظ. والجافي. هو الغليظ الطبع القليل الفهم والعلم والأدب لبُعده عن أهل ذلك. "شرح النووي".
(4)
أخرجه مسلم: 1406.
وجاء في "السيل الجرّار"(2/ 268): "ثمّ قد أجمع المسلمون على التحريم، ولم يبق على الجواز إِلا الرافضة، وليسوا ممن يُحتاج إِلى دفع أقوالهم، ولا هم ممّن يقدح في الإِجماع، فإِنهم في غالب ما هم عليه مخالفون للكتاب والسنة ولجميع المسلمين. قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها -يعني المتعة-، ولا أعلم اليوم أحداً يجيزها إِلا بعض الرافضة. وقال القاضي عياض: أجمع العلماء على تحريمها إِلا الروافض
…
".
2 -
نكاح التحليل: وهو أن يتزوج المطلّقة ثلاثاً بعد انقضاء عدَّتها، أو يدخل بها، ثمّ يطلقها؛ ليُحلّها للزوج الأول، وهذا النوع من الزواج كبيرة من كبائر الإِثم والفواحش، حرّمه الله، ولعَن فاعله (1).
عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَعَن الله المحلِّلَ والمحلَّلَ له"(2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعَن رسولا الله صلى الله عليه وسلم المحلِّل والمحلَّل له"(3).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُخبِركم
(1)"فقه السنة"(2/ 364).
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1827)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(894)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1571)، وانظر "الإِرواء"(1897).
(3)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1570)، والترمذي وغيرهما، وانظر "الإرواء"(1897).
بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: هو المحلّل والمحلّل له" (1). وعن عمر بن نافع عن أبيه أنه قال: "جاء رجل إِلى ابن عمر رضي الله عنهما، فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليُحلّها لأخيه، هل تحلّ للأول؟ قال: لا، إِلا نكاح رغبة، كنا نعدّ هذا سِفاحاً (2) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" (3).
جاء في "الروضة الندية"(2/ 38): "وصحّ عن عمر أنه قال: لا أوتى بمحلّل ومحلّل له إِلا رجمتهما.
رواه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، في "مصنّفيهما"، وابن المنذر في "الأوسط".
وروى ابن أبي شيبة، عن ابن عمر: أنه سئل عن ذلك؟ فقال: كلاهما زانٍ.
والكلام في ذلك عن الصحابة والتابعين طويل، قد أطال شيخ الإِسلام تقي الدين ابن تيمية الكلام عليه، وأفرده مصنفاً سماه:(بيان الدليل على إِبطال التحليل) ". انتهى.
وجاء فيه أيضاً (ص 38 - 39): "أقول [أي: صاحب الروضة]: حديث
(1) أخرجه أحمد، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1572)، والبيهقي وغيرهم، وانظر "الإرواء"(6/ 309).
(2)
سفاحاً؛ أي: زنىً.
(3)
أخرجه الطبراني في "الأوسط"، والحاكم، والبيهقي
…
وصححه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(1898).
لعْن المحلّل: مرويٌّ من طريق جماعة من الصحابة بأسانيد بعضها صحيح، وبعضها حسن، واللعن لا يكون إِلا على أمر غير جائز في الشريعة المطهرة، بل على ذنب هو من أشد الذنوب. فالتحليل غير جائز في الشرع، ولو كان جائزاً لم يلعن فاعله والراضي به. وإذا كان لعْن الفاعل لا يدل على تحريم فِعْله؛ لم تبق صيغة تدل على التحريم قطّ، وإذا كان هذا الفعل حراماً غير جائز في الشريعة؛ فليس هو النكاح الذي ذكَره الله في قوله:{حتى تَنْكِحَ زوجاً غيره} (1)، كما أنه لو قال: لعَن الله بائع الخمر، لم يلزم من لفظ:(بائع) أنه قد جاز بيعه، وصار من البيع الذي أَذِن فيه بقوله:{وأحلَّ اللهُ البيعَ} (2). والأمر ظاهر.
قال ابن القيم: ونكاح المحلّل لم يُبَح في مِلّة من المِلَل قطّ، ولم يفعله أحد من الصحابة، ولا أفتى به واحد منهم. ثمّ سَلْ من له أدنى اطلاع على أحوال الناس: كم من حُرَّة مصونة، أنشب فيها المحلل مخالب إِرادته؛ فصارت له بعد الطلاق من الأخدان. وكان بعلها منفرداً بوطئها، فإِذا هو والمحلل ببركة التحليل شريكان! فلعمر الله كم أخرج التحليل مخَدَّرةً من سترها إِلى البغاء، ولولا التحليل لكان منال الثريا دون منالها، والتدرع بالأكفان دون التدرع بجمالها، وعناق القنا دون عناقها، والأخذ بذراع الأسد دون الأخذ بساقها. وأمّا هذه الأزمان التي شَكَتِ الفروجُ فيها إِلى ربها من مفسدة التحليل، وقُبح ما يرتكبه المحلِّلون، مما هو رمد -بل عمَى- في عين الدين، وَشَجاً في حلوق المؤمنين، من
(1) البقرة: 230.
(2)
البقرة: 275.