الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك بنت الأخت.
ثانياً: المحرّمات بسبب المصاهرة:
وهي القرابة الناشئة بسبب الزواج.
1 -
أمّ زوجته، وأم أمّها، وأمّ أبيها وإن علَت؛ لقول الله -تعالى-:{وأُمّهات نسائكم} ، ولا يُشترط في تحريمها الدخول بابنتها، بل مجرّد العقد على ابنتها يحرّمها.
وجاء في "الفتاوى"(32/ 77): "وسئل رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة من مدة سنة ولم يدخل بها، وطلّقها قبل الإِصابة: فهل يجوز له أن يدخل بالأمّ بعد طلاق البنت؟
فأجاب: لا يجوز تزويج أمّ امرأته؛ وإن لم يدخل بها. والله أعلم".
2 -
وابنة زوجته التي دخَل بها، ويدخل في ذلك بنات بناتها، وبنات أبنائها، وإنْ نزلن؛ لأنهنّ مِن بناتها؛ لقول الله -تعالى-:{وربائبكم اللاّتي في حُجُورِكُم من نسائكم اللَاّتي دَخَلتم بِهِنّ فإِن لم تكونوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فلا جُنَاحَ عَلَيْكُم} .
والربائب جمع ربيبة، وربيب الرجل: ولَدُ امرأته من غيره؛ سُمّي ربيباً له؛ لأنه يَرُبّه، كما يَرُبّ ولده؛ أي: يَسُوسُه.
وقوله: {اللاّتي في حُجُورِكُم} : وصْف لبيان الشأن الغالب في الربيبة، وهو أن تكون في حجر زوج أمّها، وليس قيداً. وذَكر ابن كثير رحمه الله أنّ هذا قول جمهور الأئمة.
وعند الظاهرية: أنه قيد، وأنّ الرجل لا تحرُم عليه ربيبته -أي: ابنة امرأته- إِذا لم تكن في حجره.
عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: "كانت عندي امرأة، فتوُفّيت، وقد ولَدت لي، فوَجَدْتُ عليها، فلقيني علي بن أبي طالب فقال: ما لك؟ فقلت: تُوفِّيت المرأة، فقال عليّ: لها ابنة؟ قلت: نعم، وهي بالطائف. قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا، قال: فانْكِحْها، قلت: فأين قول الله: {وربائِبُكم اللاتي في حُجُورِكُم}؟! قال: إِنها لم تكن في حجرك، إِنما ذلك إِذا كانت في حجرك"(1).
وجاء في "الإِرواء"(6/ 287)؛ "وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (2/ 394): "هذا إِسناد قوي ثابت إِلى علي بن أبي طالب، على شرط مسلم، وهو قول غريب جداً.
وإلى هذا ذهب داود بن علي الظاهري وأصحابه، وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك رحمه الله، واختاره ابن حزم، وحكى لي شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه عرض هذا على الشيخ الإِمام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله؟ فاستشكله، وتوقف في ذلك".
وكذلك صحح إِسناده السيوطي في "الدر"(2/ 136)، ومن قبله الحافظ في "الفتح".
وأمّا عن عمر، فلم أقف عليه الآن (2) ".
(1) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"، وابن أبي حاتم في "التفسير"، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(1880).
(2)
وفي التحقيق الثانى "للإِرواء" تفصيلاتٌ طيبة لشيخنا رحمه الله، ذكَر فيها أنه رآه في "مصنّف عبد الرزاق" برقم (10835)، وقال:"وإسناده جيّد".
قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره": "أمّا أمّ المرأة؛ فإِنها تحرُم بمجرد العقد على ابنتها، سواءٌ دخل بها أو لم يدخل. وأمّا الربيبة -وهي بنت المرأة- فلا تحرم بمجرد العقد على أمّها حتى يدخل بها، فإِنْ طلق الأم قبل الدخول بها؛ جاز له أن يتزوّج بنتها".
قال أبو عيسى (1): "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، قالوا: إِذا تزوّج الرجل امرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، حَلَّ له أن ينكح ابنتها، وإِذا تزوّج الرجل الابنة فطلّقها قبل أن يدخل بها؛ لم يحلَّ له نكاح أمها؛ لقول الله -تعالى-: {وأمّهاتُ نسائكم}، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق".
وجاء في "المحلّى"(11/ 155) تحت المسألة (1864): "وأمّا من تزوّج امرأة ولها ابنة، أو ملَكَها ولها ابنة، فإِن كانت الابنة في حجره ودخل بالأم مع ذلك -وطئ أو لم يطأ، لكن خلا بها بالتلذذ-: لم تحل له ابنتها أبداً، فإِنْ دخل بالأمّ، ولم تكن الابنة في حجره، أو كانت الابنة في حجره ولم يدخل بالأمّ، فزواج الابنة له حلال.
وأمّا من تزوّج امرأة لها أمّ، أو ملَك أمة تحلَّ له ولها أمّ؛ فالأمّ حرام عليه بذلك أبد الأبد -وطئ في كل ذلك الابنة أو لم يطأها-.
برهان ذلك: قول الله -تعالى-: {وربائِبُكُم اللاتي في حُجُورِكُم من نسائِكُم
(1) قاله رحمه الله بعد حديث ضعيف: "أيما رجل نكح امرأة فدخل بها، فلا يحل له نكاح ابنتها، فإِن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها، وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها، أو لم يدخل بها؛ فلا يحلّ له نكاح أمّها". أخرجه الترمذي "ضعيف سنن الترمذي"(191) وغيره، وانظر "الإِرواء"(1879).
اللاتي دَخَلْتُم بِهِنَّ فإِن لم تكونوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فلا جُنَاحَ عَلَيْكُم} (1)، فلم يُحرِّم الله عز وجل الربيبة بنت الزوجة أو الأمَة إِلا بالدخول بها، وأن تكون هي في حجره، فلا تحرم إِلا بالأمرين معاً، لقوله -تعالى- بعد أن ذكَر ما حرم من النّساء-:{وأُحِلَّ لكم ما وراء ذلكم} (2)، {وما كان ربك نَسِيّاً} (3).
وكونها في حجره ينقسم قسمين:
أحدهما: سكناها معه في منزله، وكونه كافلاً لها.
والثاني: نظره إِلى أمورها نحو الولاية لا بمعنى الوكالة، فكل واحد من هذين الوجهين يقع به عليها كونها في حجره.
وأمّا أمّها؛ فيحرِّمها عليه بالعقد جملةً: قولُ الله -تعالى-: {وأمّهات نسائكم} ، فأجملها عز وجل فلا يجوز تخصيصها، وفي كلّ ذلك اختلاف قديم وحديث
…
".
ثمّ ذكر رحمه الله هذا الاختلاف وناقشه مع بيان الأدلّة.
3 -
زوجة الابن، وابن ابنه، وابن بنته، وإِنْ نزل؛ لقول الله -تعالى-:{وحلائِلُ أبنائِكُم الذين من أَصْلابِكُم} .
والحلائل جمع حليلة، وحليلة الرجل: امرأته، والرجل حليلها؛ لأنها تحُلّ معه ويحل معها. وقيل: لأنّ كلّ واحد منهما يحل للآخر (4).
(1) النساء: 23.
(2)
النساء:24.
(3)
مريم: 64.
(4)
"النهاية".
4 -
زوجة الأب: لقول الله -تعالى-: {ولا تنكحوا ما نكَحَ آباؤُكم من النساء} (1).
ويحرم على الابن التزوج بحليلة أبيه، بمجرد عقْد الأب عليها، ولو لم يدخل بها.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "مرّ بي عمّي الحارث بن عمرو، ومعه لواء قد عقَده له النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقُلت له: أي عمّ! أين بعثك النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟
قال: بعثني إِلى رجل تزوّج امرأة أبيه، فأمَرني أن أضرب عنقه" (2).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله -تعالى-: {ولا تنكحوا ما نكَحَ آباؤُكم من النّساء} : "وقد أجمع العلماء على تحريم من وَطِئَها الأب بتزويج أو ملك أو بشبهة أيضاً. واختلفوا فيمن باشرَها بشهوة دون الجماع، أو نظر ما لا يحلّ له النظر إِليه منها، لو كانت أجنبيية". ثمّ ذَكر أثراً في ذلك.
ويرى بعض الفقهاء أنّ مَن زنى بامرأة، أو لمسها، أو قبَّلها، أو نظر إِلى فرجها بشهوة، حرُم عليه أصولها وفروعها، وتحرُم هي على أصوله وفروعه؛ إِذ إِنّ حرمة المصاهرة تثبت عندهم بالزنى، ومِثله مقدماته ودواعيه؛ قالوا: ولو زنى الرجل بأمّ زوجته أو بنتها، حرمت عليه حرمة مؤبّدة.
ويرى [المخالفون] أنّ الزنى لا تثبت به حرمة المصاهرة، وممّا استدلّوا به:
(1) النساء: 22.
(2)
أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1098)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2111) وغيرهما، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(2351).
1 -
قول الله -تعالى-: {وأُحلَّ لكم ما وَرَاءَ ذلكم} (1). فهذا بيان عما يحلّ من النساء بعد بيان ما حُرّم منهن، ولم يذكر أن الزنى من أسباب التحريم.
2 -
أن ما ذكروه من الأحكام في ذلك: هو مما تمس إِليه الحاجة، وتعمُّ به البلوى أحياناً، وما كان الشارع ليسكت عنه، فلا ينزل به قرآن، ولا تمضي به سنة، ولا يصح فيه خبر، ولا أثر عن الصحابة، وقد كانوا قريبى عهد بالجاهلية التي كان الزنى فيها فاشياً بينهم، فلو فهم أحد منهم أن لذلك مدركاً في الشرع، أو تدل عليه عِلّهَ وحكمة لسألوا عن ذلك، وتوفّرت الدواعي على نقل ما يفتنون به (2).
واستدلوا بحديث لا يثبت ولا يصح عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يتبع المرأة حراماً؛ أينكح ابنتها؟ أو يتبع الابنة حراماً؛ أينكَح أمّها؟ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يُحَرِّمُ الحرام؛ إِنما يُحرم ما كان بنكاحٍ حلال".
قال شيخنا رحمه الله في "الضعيفة"(388): "باطل"؛ وأفاض في تخريجه، ثمّ قال رحمه الله: "وقد استدل بالحديث الشافعية وغيرهم على أنه يجوز للرجل أن يتزوج ابنته من الزنى، وقد علمتَ أنه ضعيف؛ فلا حُجّة فيه.
(1) النساء: 24.
(2)
انظر "المنار"(4/ 479).