الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطلاق الرجعي وأحكامه
الطلاق الرجعي: هو الذي يكون فيه الزوج مخيّراً ما دامت زوجته في العدّة بين تركها لا يراجعها حتى تنقضي عدتها، فتملك أمرها، فلا يراجعها إِلا بولي ورضاها، وصَداق، وبين أن يُشهد على ارتجاعها فقط؛ فتكون زوجته -أحبّت أم كرهت- بلا ولي ولا صَداق، لكن بإِشهاد فقط؛ ولو مات أحدهما قبل تمام العدة وقبل الراجعة ورثه الباقي منهما- وهذا لا خلاف فيه من أحد من الأئمة (1).
وجاء في "سبل السلام"(3/ 347): "وقد أجمع العلماء على أنّ الزوج يملك رجعة زوجته في الطلاق الرجعي؛ ما دامت في العدة من غير اعتبار رضاها ورضا وليّها إِذا كان الطلاق بعد المسيس".
[والرجعة] ثابتة بالكتاب والسّنة والإِجماع، أمّا الكتاب فقول الله -سبحانه-:{والمطلقات يتربصنَ بأنفسهنّ ثلاثة قروء} إِلى قوله: {وبعولَتُهُنَّ أحقُّ بردِّهنّ في ذلك إِن أرادوا إِصلاحاً} (2) والمراد به الرجعة عند جماعة العلماء وأهل التفسير، وقال -تعالى-:{وإِذا طلَّقتم النساء فبلغن أجلهنّ فأمسكوهن بمعروف} (3). أي بالرَّجعة ومعناه إِذا قاربن بلوغ أجلهن أي: انقضاء عدتهنّ" (4).
(1) انظر "المحلَّى"(11/ 550)، و"الفتاوى"(33/ 9).
(2)
البقرة: 228.
(3)
البقرة: 231.
(4)
انظر "المغني"(8/ 470).
وقال -تعالى-: {الطلاق مرَّتان فإِمساكٌ بمعروف أو تسريح بإِحسان} (1).
*أي: أنَّ الطلاق الذي شرَعَه الله يكون مرة بعد مرة، وأنه يجوز للزوج أن يمسك زوجته، بعد الطلقة الأولى بالمعروف، كما يجوز له ذلك بعد الطلقة الثانية، والإِمساك بالمعروف معناه مراجعتها وردّها إِلى النكاح، ومعاشرتها بالحسنى، ولا يكون له هذا الحق، إِلا إِذا كان الطلاق رجعياً* (2).
وأمّا السّنة فما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُرْه فليراجعها" متفق عليه (3).
وروى أبو داود عن عمر: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طلَّق حفصة ثمّ راجعَها"(4).
وعن عمران بن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته، ثم يقع بها، ولم يُشهِد على طلاقها، ولا على رجعتها، فقال:"طلّقت لغير سنة، وراجعت لغير سُنة، أشهد على طلاقها، وعلى رجعتها، ولا تَعُد"(5).
(1) البقرة: 229.
(2)
ما بين نجمتين عن "فقه السّنة"(3/ 93).
(3)
أخرجه البخاري: 5251، ومسلم: 1471، وتقدّم.
(4)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1998)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(3332)، وغيرهما، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(2077).
(5)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1915)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1645) وغيرهما، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(2078) وتقدّم.
وتستثنى بعض الحالات من الطلاق الرجعي:
كأن يكون الطلاق مكمّلاً للثلاث؛ فهو *يُبينُ المرأة، ويُحرِّمها على الزوج، ولا يحل له مراجعتها، حتى تنكح زوجاً آخر، نكاحاً لا يقصد به التحليل؛ قال الله -تعالى-:{فإِنْ طلَّقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} (1) أي: فإِن طلقها الطلقة الثالثة، بعد طلقتين، فلا تحل له من بعد الطلاق المكمل للثلاث، حتى تتزوج غيره زواجاً صحيحاً.
والطلاق قبل الدخول يُبِينُهَا كذلك؛ لأن المطلقة في هذه الحالة لا عدة عليها، والمراجعة إِنما تكون في العدة، وحيث انتفت العدة، انتفت المراجعة؛ قال الله -تعالى-:{يا أيها الذين آمنوا إِذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدونها فمتعوهنّ وسرّحوهنّ سراحاً جميلاً} (2) * (3).
والطلاق الرجعي لا يمنع الاستمتاع بالزوجة (4) لأنه لا يرفع عقد الزواج، ولا يزيل الملك، ولا يؤثر في الحل، فهو وإن انعقد سبباً للفرقة، إِلا أنه لا يترتب عليه أثره، ما دامت المطلقة في العدة، وإنما يظهر أثره بعد انقضاء العدة دون مراجعة، فإِذا انقضت العدة ولم يراجعها، بانت منه، وإذا كان ذلك كذلك،
(1) البقرة: 230.
(2)
الأحزاب: 49.
(3)
ما بين نجمتين من "فقه السّنة"(3/ 39).
(4)
مع التَّنبيه إِلى أنَّ بعض العلماء يرى أنَّ جِماع الزوجة إِعادة لها، وانظر -إِن شئت- بعد صفحتين.
فإِنَّ الطلاق الرجعي لا يمنع من الاستمتاع بالزوجة، وإِذا مات أحدهما ورثه الآخر، ما دامت العدة لم تَنْقَضِ، ونفقتها واجبة عليه (1).
ومن قال لامرأته: أنت طالق طلقة لا رجعة لي فيها عليك، بل تملكين بها نفسك، فإِن الناس اختلفوا في ذلك.
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلَّى"(11/ 550): "قال أبو حنيفة، والشافعي، وأصحابهما، وابن وهب -صاحب مالك-: هي طلقة يملك فيها زوجها رجعتها، وقوله بخلاف ذلك لغو. وقالت طائفة: هي ثلاث، وهو قول ابن الماجشون -صاحب مالك-. وقالت طائفة: هي كما قال، وهو قول ابن القاسم صاحب مالك.
والذي نقول به: أنه كلام فاسد لا يقع به طلاق أصلاً، لأنه لم يطلق كما أمَره الله عز وجل ولا طلاق إِلا كما أمَر الله -تعالى-.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(2).
ولا بُدّ من الإِشهاد على الرجعة لقوله -تعالى-: {أشهدوا ذَوَي عدْلٍ منكم} (3).
ولحديث عمران بن الحصين رضي الله عنه المتقدّم. "أشهد على طلاقها وعلى رجعتها".
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار"(7/ 42) -بحذف-:
(1) انظر "فقه السنَّة"(3/ 40).
(2)
أخرجه البخاري: 2697، ومسلم: 1718 واللفظ له، وتقدّم.
(3)
الطلاق: 2.
"واختلف السلف فيما يكون به الرجل مراجعاً فقال الأوزاعي: إِذا جامعَها فقد راجعَها، ومثله أيضاً روى عن بعض التابعين. وبه قال مالك وإسحاق بشرط أن ينوي به الرجعة. وقال الكوفيون كالأوزاعى وزادوا: ولو لمسها شهوة أو نظر إِلى فرجها لشهوة، وقال الشافعي: لا تكون الرجعة إِلا بالكلام.
وحُجَّة الشافعي أن الطلاق يزيل النكاح.
وإِلى ذلك ذهب الإِمام يحيى والظاهر ما ذهب إِليه الأولون؛ لأن العدة مدة خيار والاختيار يصح بالقول والفعل.
وأيضاً ظاهر قوله -تعالى-: {وبعولتهن أحق بردهنّ} (1)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"مره فليراجعها": أنها تجوز المراجعة بالفعل؛ لأنه لم يخصَّ قولاً مِنْ فِعْلٍ، ومن ادعى الاختصاص فعليه الدليل، وقد حكى في "البحر" عن العترة ومالك أن الرجعة بالوطء ومقدماته محظورة وإن صحت، ثم قال: قلت: إِن لم يَنوِ بِهِ الرجعة فنعم لعزمه على قبيح وإلا فلا لما مرَّ، وقال أحمد بن حنبل: بل مباح لقوله -تعالى-: {إلَاّ على أزواجهم} (2) والرجعية زوجة بدليل صحة الإِيلاء". انتهى.
وجاء في "الفتاوى"(20/ 381): "
…
ومسألة الرجعة بالفِعْل، كما إِذا طلّقها: فهل يكون الوطء رجعة؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: يكون رجعة كقول أبي حنيفة. والثاني: لا يكون كقول الشافعي. والثالث. يكون رجعة مع النية وهو المشهور عند مالك، وهو أعدل الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد".
(1) البقرة: 228.
(2)
المؤمنون: 6.