المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل الخلع فسخ أم طلاق - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٥

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌النِّكاح

- ‌النِّكاح

- ‌التَّرغيب في النكاح

- ‌حُكم الزواج:

- ‌الزواج الحرام

- ‌هل يقدّم الزواج على الحجّ

- ‌في ذمِّ العِشْق:

- ‌الرغبة عن الزواج:

- ‌اختيار الزّوجة:

- ‌التقارُب في السِّنِّ:

- ‌تزويج الصغار من الكبار

- ‌أيّ النساء خير

- ‌اختيار الزوج:

- ‌عرْض الإِنسان ابنتَه أو أختَه على أهل الخير

- ‌التَّزْيين للتنفيق والتّرغيب في النكاح:

- ‌صلاة المرأة إِدْا خُطِبَت واستخارتُها ربَّها

- ‌الخِطبة

- ‌ماذا يقول إِذا دُعي ليزوِّج

- ‌خِطبة معتدَّة الغير

- ‌تحريم خِطبة الرجل على خِطبة أخيه:

- ‌تفسير ترْك الخِطبة

- ‌إِذا استشارت المرأة رجلاً فيمن يخطبها؛ هل يخبرها بما يعلم

- ‌إِذا استشار رجلٌ رجلاً في المرأة هل يخبره بما يعلم

- ‌النظر إِلى المخطوبة:

- ‌إِلامَ ينظُر

- ‌نظر المرأة إِلى الرجل:

- ‌محادثة الرجل المرأة:

- ‌تحريم الخلوة بالمخطوبة:

- ‌العدولُ عن الخِطْبة وأثره

- ‌أركان عقد النكاح:

- ‌ما يُشترط في الشهود:

- ‌شهادة النساء:

- ‌ألفاظ الإِيجاب والقَبول:

- ‌الخُطبة قبل الزواج

- ‌نيّة الطلاق عند العقد:

- ‌زواج الأخرس

- ‌تزويج الصغير:

- ‌توثيق الزواج بالكتابة:

- ‌الأنكحة المحرّمة

- ‌الزواج الذي تحلُّ به المطلقة للزوج الأول

- ‌فائدة:

- ‌الشروط في النكاح

- ‌هل يحقّ فسْخُ العقد إِذا ثبَتَ العيب

- ‌فائدة:

- ‌المحرّمات من النّساء

- ‌المُحَرَّمات مُؤبَّداً

- ‌أولاً: المحرمات من النسب هنّ:

- ‌ثانياً: المحرّمات بسبب المصاهرة:

- ‌ثالثاً: المحرّمات بسبب الرضاع:

- ‌الرِّضاع الذي يثبُت به التحريم:

- ‌اللبن المختلط بغيره:

- ‌رضاع الكبير:

- ‌قَبول قول المرضعة:

- ‌لبن الفحل:

- ‌المحرمات مؤقَّتاً

- ‌نكاح الكفار

- ‌نكاح الزانية:

- ‌فائدة:

- ‌عقد المُحرم

- ‌نكاح الملاعِنَة:

- ‌نكاح المشرِكة:

- ‌نكاح المسلمة بغير المسلم:

- ‌فائدة:

- ‌تحريم الزيادة على الأربع:

- ‌تعدُّد الزوجات:

- ‌ماذا يُشترط على من يريد التعدّد

- ‌من محاسن التعدّد:

- ‌توجيهات وكلمات مضيئة في التعدّد

- ‌فائدة:

- ‌مسائل في التعدّد:

- ‌1 - مَن أَوْلَمَ على بعض نسائه أكثر من بعض

- ‌2 - إِذا تزوّج البكر على الثيّب، والثيب على البكر:

- ‌3 - القُرْعة بين النّساء إِذا أراد سفراً

- ‌4 - النهي عن افتخار الضَّرَّة

- ‌5 - استئذانُ الرجلِ نساءَهُ في أن يُمرَّض في بيت بعضهنّ:

- ‌فائدة:

- ‌الولاية على الزّواج

- ‌معنى الولاية

- ‌من هو الوليّ

- ‌شروط الوليّ:

- ‌عدم اشتراط العدالة:

- ‌المرأة لا تزوّج نفسها:

- ‌إِذا كان الوليّ هو الخاطب

- ‌غَيْبَةُ الوليّ:

- ‌ولاية غير الآباء على الصغار:

- ‌السلطانُ وليُّ من لا ولي له:

- ‌عضْل الوليّ:

- ‌اليتيمة تُستأمر في نفسها:

- ‌استئذان المرأة قبل النكاح:

- ‌الوكالة في الزواج:

- ‌المهر

- ‌حُكمه:

- ‌قدْر المهر:

- ‌فائدة:

- ‌النهي عن المغالاة في المهور:

- ‌إِثقال الصَّداق يجعل العداوة في نفس الزوج:

- ‌هل يدخل على زوجه إِذا لم يُمْهِرْهَا

- ‌ماذا إِذا دخَل بها ولم يفرض لها صَداقاً

- ‌الزواج بغير ذِكر المهر:

- ‌فيمن تزوّج ولم يُسمِّ صداقاً حتى مات

- ‌مهر المِثل:

- ‌العدْل في المهور:

- ‌العَدْل في صداق اليتيمة:

- ‌الرجل هو الذي يحدّد المهر:

- ‌متى يجب عليه نصف المهر

- ‌ماذا يجب مِن المهر إِذا أغلق الباب وأرخى الستر ولم يدخل بزوجه

- ‌فوائد متفرِّقة:

- ‌الإِمهار عن غيره:

- ‌الرجل هو الذي يُعدّ البيت ويؤثثه ويجهّزه:

- ‌النفقة

- ‌حُكمها:

- ‌ماذا إِذا كان الزوج بخيلاً

- ‌نفقة زوجة الغائب:

- ‌نفقة المعتدة

- ‌لا تنتهك المرأة شيئاً من مالها الا بإِذن زوجها:

- ‌متى يستحبّ البناء بالنساء

- ‌موعظةُ الرّجلِ ابْنَتَهُ لِحَالِ زَوَاجها

- ‌ذهاب النّساء والصبيان إِلى العُرس

- ‌استعارة الثياب للعروس

- ‌الهديّة للعروس

- ‌آداب الزِّفاف

- ‌1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها:

- ‌2 - وضْعُ اليدِ على رأس الزوجة والدعاءُ لها:

- ‌3 - صلاة الزوجين معاً:

- ‌4 - ما يقول حين يجامعها:

- ‌5 - كيف يأتيها

- ‌6 - تحريم الدُّبُر:

- ‌لا كراهة في الكلام حال الجماع:

- ‌7 - الوضوء بين الجماعين:

- ‌8 - الغُسل أفضل:

- ‌9 - اغتسال الزوجين معاً:

- ‌10 - توضُّؤ الجُنُب قبل النوم:

- ‌11 - حُكم هذا الوضوء:

- ‌12 - تيمُّم الجُنُب بدل الوضوء:

- ‌13 - اغتساله قبل النوم أفضل:

- ‌14 - تحريم إِتيان الحائض:

- ‌15 - ما يحِلّ له من الحائض:

- ‌16 - ولا يأتيها بعد الطُّهر إِلا أن تغتسل:

- ‌17 - جواز العزل:

- ‌18 - الأوْلى ترْك العزل:

- ‌19 - ما ينويان بالنكاح:

- ‌20 - ما يفعل صبيحةَ بنائه:

- ‌21 - تحريم نشْر أسرار الاستمتاع:

- ‌22 - وجوب الوليمة:

- ‌23 - السُّنة في الوليمة:

- ‌24 - جواز الوليمة بغير لحم:

- ‌25 - مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة:

- ‌26 - تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة:

- ‌27 - وجوب إِجابة الدعوة:

- ‌28 - ترْك حضور الدعوة التي فيها معصية:

- ‌29 - الدعاء للعروسين بالخير والبركة:

- ‌31 - الغناء والضرب بالدُّفِّ:

- ‌32 - الامتناع من مخالفة الشرع:

- ‌1 - تعليق الصُّوَر:

- ‌2 - نتف الحواجب وغيرها

- ‌3 - تدميم الأظفار وإِطالتها:

- ‌4 - حلْق اللحى:

- ‌5 - خاتم الخطبة:

- ‌إِذا رأى المرء من امرأةٍ ما يعجبه؛ فليأت أهله:

- ‌وصايا الإِمام الألباني رحمه الله إِلى العروسين

- ‌وجوب خدمة المرأة لزوجها

- ‌حقّ الزوجة على زوجها

- ‌1 - حُسن المعاشرة:

- ‌2 - صيانتها

- ‌3 - إِتيانها ووطْؤُها:

- ‌حقّ الزوج على زوجته:

- ‌الطَّلاق

- ‌الطلاق

- ‌معناه:

- ‌مشروعيته

- ‌حُكمه:

- ‌الطلاق من حق الرجل وحده:

- ‌تحريم سؤال الزَّوجة الطَّلاق من غير سبب موجبٍ له:

- ‌من يقع منه الطلاق:

- ‌طلاق المكره والمجنون والسكران والغضبان والمدهوش ونحو ذلك:

- ‌طلاق الهازل:

- ‌الطلاق قبل الزواج:

- ‌بماذا يقع الطلاق:

- ‌الطلاق باللفظ:

- ‌الطلاق بالكناية:

- ‌حُكم الطلاق بلفظ التحريم:

- ‌الطلاق بالكتابة:

- ‌طلاق الأبكم ومن لا يُحسن العربية:

- ‌طلاق كلّ قوم بلسانهم:

- ‌إذا طلّق في نفسه فلا يقع الطلاق:

- ‌الوكالة في الطلاق:

- ‌التعليق والتنجيز

- ‌والتعليق قسمان:

- ‌الطلاق السُّني والبدعي

- ‌يقسم الطلاق إلى قِسمين:

- ‌1 - الطلاق السُّنّي:

- ‌2 - الطّلاق البدعي:

- ‌طلاق الآيسة والصغيرة ومنقطعة الحيض:

- ‌هل يقع طلاق الحائض

- ‌عدد الطلقات:

- ‌هل يقع طلاق الثلاث جملةً أم يُحسب طلقة

- ‌الإِشهاد على الطَّلاق:

- ‌الطلاق الرجعي وأحكامه

- ‌الطلاق البائن وأحكامه

- ‌أقسامه:

- ‌حُكم البائن بينونة صُغرى:

- ‌حُكم الطَّلاق البائن بينونة كُبرى:

- ‌مسألة الهدم:

- ‌هل يقع طلاق المريض مرض الموت

- ‌متى يطلّق القاضي

- ‌1 - عدم الإِنفاق:

- ‌2 - غَيبة الزوج:

- ‌3 - التطليق للضَّرر:

- ‌متعة الطّلاق

- ‌الخُلع

- ‌تعريفه:

- ‌مشروعيته:

- ‌لا يجوز التضييق على الزوجة لأجل الافتداء:

- ‌الخُلع بتراضي الزوجين

- ‌جواز الخُلع في الطُّهر والحيض:

- ‌هل يجوز للزّوج أخْذ الزيادة على المهر

- ‌المختلعة تعتدّ بحيضة واحدة:

- ‌هل الخُلع فسْخٌ أم طلاق

- ‌علاج نشوز الرجل:

- ‌علاج نشوز المرأة:

- ‌هل للزَّوجة النَّاشِز نفقة أو كِسْوَة

- ‌ماذا إِذا وقع الشِّقاق بين الزوجين:

- ‌الظِّهار

- ‌هل الظهار مختصٌّ بالأم

- ‌ماذا يفعل من يُظاهر امرأته

- ‌ماذا إِذا مسّ قبل التَّكفير

- ‌كفّارة الظهار:

- ‌الإِيلاء

- ‌تعريفه:

- ‌الفسخ

- ‌تعريفه:

- ‌اللِّعان

- ‌مشروعيته:

- ‌متى يكون اللّعان

- ‌صفة اللعان

- ‌الحاكم هو الذي يقضي باللعان:

- ‌اشتراط العقل والبلوغ:

- ‌لعان الأخرسَيْن

- ‌مسائل في الامتناع عن اللعان أو عدم إِتمامه:

- ‌ماذا يترتب على اللعان:

- ‌آداب التطليق المستنبطة من الكتاب الكريم والسّنة الصحيحة

- ‌العدّة

- ‌تعريفها:

- ‌حِكمة مشروعيتها:

- ‌أنواع العِدّة:

- ‌عِدَّة غير المدخول بها:

- ‌عدّة المدخول بها:

- ‌عدّة الحائض:

- ‌عِدّة غير الحائض:

- ‌حُكم المرأة الحائض إِذا لم تر الحيض:

- ‌سِنّ اليأس:

- ‌عِدّة الحامل:

- ‌عدة المتوفّى عنها زوجها:

- ‌عِدّة المستحاضة:

- ‌عدة المطلّقة ثلاثاً:

- ‌عدّة المختلعة:

- ‌وجوب العدّة في غير الزواج الصحيح:

- ‌تحول العدة من الحيض إِلى العِدَّة بالأشهر:

- ‌تحول العدة من الأشهر إِلى الحيض:

- ‌ انقضاء العدة [

- ‌لزوم المطلقة المعتدة بيت الزوجية:

- ‌أين تعتد المرأة المتوفَّى زوجها

- ‌لا يجوز للمعتدَّة الرَّجعية الخروج إِلا بإِذن زوجها:

- ‌حِداد المُعْتدَّة:

- ‌فائدة:

- ‌ماذا إِذا نكحت المرأة في عدَّتها

- ‌نَفَقَة المُعْتَدَّة

- ‌الحضانة

- ‌تعريفها:

- ‌الحِضانة حقٌّ مشترك

- ‌الأولى بحضانة الطفل أُمّه ما لم تنكح:

- ‌حضانة الأب:

- ‌إِذا بلغ الصّبي سنَّ التمييز خُيِّر بين أبويه:

- ‌الاقتراع على الولد:

- ‌ضابط باب الحضانة:

الفصل: ‌هل الخلع فسخ أم طلاق

رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى ثابت، فقال له: خُذ الذي لها عليك، وخلّ سبيلها، قال: نعم. فأمَرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة، فتلحق بأهلها" (1).

‌هل الخُلع فسْخٌ أم طلاق

(2):

جاء في "الفتاوى"(32/ 289). "وسئل -رحمه الله تعالى-: عن الخُلع هل هو طلاق محسوب من الثلاث؟ وهل يشترط كونه بغير لفظ الطلاق ونيته؟

فأجاب -رحمه الله تعالى-: هذه المسألة فيها نزاع مشهور بين السلف والخلف، فظاهر مذهب الإِمام أحمد وأصحابه؛ أنه فرقة بائنة وفسخٌ للنِّكاح، وليس من الطلاق الثلاث. فلو خلَعها عشر مرات كان له أن يتزوجها بعقد جديد قبل أن تنكح زوجاً غيره، وهو أحد قولي الشافعي، واختاره طائفة من أصحابه ونصروه، وطائفة نصروه ولم يختاروه؛ وهذا قول جمهور فقهاء الحديث: كإِسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وداود، وابن المنذر، وابن خزيمة؛ وهو ثابت عن ابن عباس وأصحابه: كطاوس، وعكرمة.

والقول الثاني: أنه طلاق بائن محسوب من الثلاث، وهو قول كثير من السلف، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، والشافعي في قوله الآخر؛ ويقال: إِنه الجديد، وهو الرواية الأخرى عن أحمد، ويُنقل ذلك عن عمر، وعثمان،

(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي"(3272) وأبو داود نحوه "صحيح سنن أبي داود"(1949).

(2)

انظر للمزيد -إِن شْئت- ما قاله ابن حزم رحمه الله في "المحلى" تحت المسألة (1982).

ص: 341

وعلي، وابن مسعود؛ لكن ضعف أحمد وغيره من أئمة العلم بالحديث كابن المنذر، وابن خزيمة، والبيهقي وغيرهم النقل عن هؤلاء؛ ولم يصححوا إِلا قول ابن عباس: إِنه فسْخ وليس بطلاق.

وأمّا الشافعي وغيره فقال: لا نعرف حال من روى هذا عن عثمان: هل هو ثقة أم ليس بثقة؟ فما صححوا ما نقل عن الصحابة؛ بل اعترفوا أنهم لا يعلمون صحته، وما علمت أحداً من أهل العلم بالنقل صَحَّحَ ما نُقل عن الصحابة من أنه طلاق بائن محسوب من الثلاث؛ بل أثبت ما في هذا عندهم ما نُقل عن عثمان، وقد نُقل عن عثمان بالإِسناد الصحيح أنه أمر المختلعة أن تستبرئ بحيضة، وقال: لا عليك عدة.

وهذا يوجب أنه عنده فرقة بائنة؛ وليس بطلاق؛ إذ الطلاق بعد الدخول يوجب الاعتداد بثلاثة قروء بنص القرآن واتفاق المسلمين؛ بخلاف الخلع؛ فإِنه قد ثبت بالسّنة وآثار الصحابة أن العدة فيها استبراء بحيضة، وهو مذهب إِسحاق، وابن المنذر، وغيرهما، وإحدى الروايتين عن أحمد.

وقد رد ابن عباس امرأة على زوجها بعد طلقتين وخُلْع مرة قبل أن تنكح زوجاً غيره، وسأله إِبراهيم بن سعد بن أبي وقاص لما ولَاّه الزبير على اليمن عن هذه المسألة وقال له: إِنّ عامّة طلاق أهل اليمن هو الفداء؟ فأجابه ابن عباس بأن الفداء ليس بطلاق؛ ولكن الناس غلطوا في اسمه.

واستدل ابن عباس بأن الله -تعالى- قال: {الطلاق مرتان فإِمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإِحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إِلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإِن خفتم ألا يُقيما حدود الله فلا جناح

ص: 342

عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظلمون * فإِنّ طلّقها فلا تحل له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره} (1).

قال ابن عباس: فقد ذكر الله -تعالى- الفدية بعد الطلاق مرتين، ثمّ قال:{فإِنّ طلّقها فلا تحل له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره} وهذا يدخل في الفدية خُصوصاً، وغيرها عموماً، فلو كانت الفدية طلاقاً لكان الطلاق أربعاً. وأحمد في المشهور عنه هو ومن تقدّم اتبعوا ابن عباس".

وقال شيخ الإِسلام رحمه الله في "الفتاوى"(32/ 91): "

ولهذا ذهب كثير من السلف والخلف إِلى أن الخلع فسْخ للنكاح؛ وليس هو من الطلقات الثلاث، كقول ابن عباس، والشافعي وأحمد في أحد قوليهما لأن المرأة افتدت نفسها من الزوج كافتداء الأسير؛ وليس هو من الطلاق المكروه في الأصل، ولهذا يباح في الحيض؛ بخلاف الطلاق. وأمّا إِذا عدل هو عن الخلع وطلقها إِحدى الثلاث بعِوَض فالتفريط منه".

وقال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد"(5/ 196): "وفي أمره صلى الله عليه وسلم المختلعة أن تعتدَّ بحيضة واحدة دليل على حُكمين: أحدهما (2): أنه لا يجب عليها ثلاث حيض، بل تكفيها حيضةٌ واحدة.

وهذا كما أنه صريحُ السنة، فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، والرُّبَيِّع بِنْت مُعوّذ، وعمها وهو من كبار

(1) البقرة: 229 - 230.

(2)

لم أجِد كلمة ثانيهما أو ما في معناها فلعلّ فِعلَه مضمنٌ في السياق.

ص: 343

الصحابة، لا يُعرف لهم مخالف منهم، كما رواه الليث بن سعد، عن نافع مولى ابن عمر، أنه سمع الرُّبَيِّعْ بِنْت مُعوّذ بن عفراء وهي تُخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان، فجاء عمّها إِلى عثمان بت عفان، فقال له: إِن ابنة مُعَوّذ اختلعت من زوجها اليوم، أفتنتقل؟ فقال عثمان: لتنتقل ولا ميراث بينهما، ولا عدة عليها إِلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حَبَلٌ، فقال عبد الله بن عمر: فعثمان خيرنا وأعلمنا.

وذهب إِلى هذا المذهب إِسحاق بن راهويه، والإِمام أحمد في رواية عنه، اختارها شيخ الإِسلام ابن تيمية.

قال من نصر هذا القول: هو مقتضى قواعِدِ الشريعة، فإِن العدة إِنما جُعلت ثلاثَ حيض لِيَطُول زمن الرّجعة، فيتروّى الزوج، ويتمكّن من الرجعة في مدة العِدة، فإِذا لم تكن عليها رجعة، فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل، وذلك يكفي فيه حيضة، كالاستبراء، قالوا: ولا ينتقض هذا علينا بالمطلقة ثلاثاً، فإِن باب الطلاق جُعِلَ حكمُ العدة فيه واحداً بائنة ورجعية.

قالوا: وهذا دليل على أن الخلع فسخ، وليس بطلاق، وهو مذهب ابن عباس، وعثمان، وابن عمر، والرُّبَيِّع، وعمّها، ولا يصحّ عن صحابى أنه طلاق البتة، فروى الإِمام أحمد، عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه قال: الخُلع تفريق، وليس بطلاق.

وذكر عبد الرزاق، عن سفيان، عن عمرو، عن طاوس، أن إِبراهيم بن سعد ابن أبي وقاص سأله عن رجل طلق امرأته تطليقتين، ثمّ اختلعت منه:

ص: 344

أينكحِها؟ قال ابن عباس: نعم، ذكَر الله الطلاق في أوّل الآية وآخرها، والخلع بين ذلك.

وإذا كانت أحكام الفدية غير أحكام الطلاق، دلّ على أنها من غير جنسه، فهذا مقتضى النصّ، والقياس، وأقوال الصحابة، ثمّ مَن نَظر إِلى حقائق العقود ومقاصدها دون ألفاظها؛ يَعُدُّ الخُلع فسخاً بأي لفظ كان حتى بلفظ الطلاق، وهذا أحدُ الوجهين لأصحاب أحمد، وهو اختيار شيخنا، قال: وهذا ظاهر كلام أحمد، وكلام ابن عباس وأصحابه.

قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار، أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول: ما أجازه المال، فليس بطلاق. قال عبد الله بن أحمد: رأيت أبي كان يذهب إِلى قول ابن عباس، وقال عمرو عن طاوس عن ابن عباس: الخلعُ تفريقٌ وليس بطلاق. وقال ابن جريج عن ابن طاوس: كان أبي لا يرى الفداء طلاقاً ويُخَيّرُهُ.

ومن اعتبر الألفاظ ووقف معها، واعتبرها في أحكام العُقود، جعله بلفظ الطلاق طلاقاً، وقواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعيّ في العقود حقائقها ومعانيها لا صورها وألفاظها، وبالله التوفيق.

ومما يدلُّ على هذا، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمَر ثابت بن قيس أن يطلق امرأته في الخلع تطليقة، ومع هذا أمرها أن تعتدّ بحيضة، وهذا صريح في أنه فسْخ، ولو وقع بلفظ الطلاق.

وأيضاً فإِنه -سبحانه- علّق عليه أحكام الفِدية بكونه فدية، ومعلوم أنّ الفدية لا تختص بلفظ، ولم يُعيِّن الله -سبحانه- لها لفظاً معيّناً، وطلاق الفداء

ص: 345