الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "غزا نبيٌّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يَتبعْني رجل قد ملَك بُضع (1) امرأة وهو يُريد أن يبنيَ بها ولمّا يَبْنِ بها، ولا آخرُ قد بنى بُنياناً ولمّا يرفَعْ سقُفَها
…
" (2).
جاء في "الصحيحة" تحت هذا الحديث (202): "قال ابن المنيِّر: يستفاد منه الردّ على العامّة في تقديمهم الحجّ على الزواج، ظنّاً منهم أنّ التعفّف إِنّما يتأكّد بعد الحجّ، بل الأولى أن يتعفّف ثمّ يحجّ".
وسألتُ شيخنا رحمه الله: هل يقدّم الزواج على الحج؟
فأجاب: إِذا خشي العنَت قدّمه، وإلا فلا.
في ذمِّ العِشْق:
قال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد"(4/ 265) -بحذف-: "هذا مرض من أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكّن واستحكم، عزّ على الأطباء دواؤه، وأعْيَا العليلَ داؤُه، وإنما حكاه الله -سبحانه- في كتابه عن طائفتين من النّاس؛ من النّساء، وعُشّاق الصبيان المُردان، فحكاه عن امرأة العزيز في شأن يوسف، وحكاه عن قوم لوط، فقال -تعالى- إِخباراً عنهم لمّا جاءت الملائكة لوطاً:{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (3).
(1) البُضع: فرج المرأة.
(2)
أخرجه مسلم: 1747.
(3)
الحجر: 67 - 72.
نعم؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحبُّ نِساءه، وكان أحبهنّ إِليه عائشة رضي الله عنها ولم تكن تبلُغُ محبتُه -لها ولا لأحد سوى ربه- نهايةَ الحبّ.
وعِشق الصور إِنما تُبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله -تعالى-، المُعرضة عنه، المتعوّضة بغيره عنه، فإِذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إِلى لقائه، دفع ذلك عنه مَرَضَ عِشْق الصور، ولهذا قال -تعالى- في حقّ يوسف:{كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إِنّه من عبادنا المُخلَصين} (1)، فدل على أن الإِخلاص سبب لدفع العشق؛ وما يترتّب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته، فصرف المسبَّب صرف لسَبَبِهِ، ولهذا قال بعض السلف: العشق حركة قلب فارغ، يعني: فارغاً مما سوى معشوقه. قال -تعالى-: {وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغاً إِن كادت لتبدي به} (2) أي: فارغاً من كل شيء إِلا من موسى؛ لِفَرْطِ محبتها له، وتعلّق قلبها به.
والمحبة أنواع متعددة: فأفضلها وأجلها: المحبة في الله ولله، وهي تستلزم محبة ما أحبّ الله، وتستلزم محبة الله ورسوله.
ومنها: محبة الاتفاق في طريقةٍ، أو دينٍ، أو مذهب، أو نِحلة، أو قرابة، أو صناعة، أو مرادٍ ما.
ومنها: محبة لنيل غرض من المحبوب، إِمّا مِن جاهه أو من ماله أو مِن تعليمه وإرشاده، أو قضاء وَطَرٍ منه، وهذه هي المحبة العَرَضِيَّةُ التي تزول بزوال مُوجِبِها، فإِنَّ مَنْ ودَّك لأمرٍ ولّى عنك عند انقضائه.
(1) يوسف: 24.
(2)
القصص: 11.
وأمّا محبةُ المشاكلة والمناسبة التي بين المحب والمحبوب، فمحبة لازمة لا تزول إِلا لعارض يُزيلها، ومحبة العشق من هذا النوع، فإِنها استحسان روحاني، وامتزاج نفساني، ولا يَعْرِضُ في شيء من أنواع المحبة -من الوسواس والنحول، وشغل البال، والتلف- ما يَعْرِضُ من العشق". انتهى.
قلت: وبهذا؛ فالعِشق مَشْغَلةٌ عن الله -سبحانه- الذي ينبغي أن يكون أحبَّ إِليك من نفسك ومالك والناس أجمعين.
وهو عذابٌ لا يُؤجر المرء عليه، وقد يدفع بعضَ الناس إِلى الشرك بالله، وتقديم ذلك المحبوب على الله -تعالى- أو رسوله صلى الله عليه وسلم. ولو قيل لبعضهم: لو طُلب منك الكُفر لِنَيْلِ محبوبك، أكنتَ فاعلَهُ؟ لقال: نعم! نعوذ بالله -تعالى- من الخِذلان.
قال الشاعر:
فما في الأرض أشقى من مُحِبٍّ
…
وإِنْ وجَدَ الهوى حُلْوَ المذاقِ
تراه باكياً في كلّ حينٍ
…
مخافةَ فُرقةٍ أو لاشتياقِ
والعِشق يوقع صاحبه في الذُّل؛ فإِنه لا يرضى إِلا بالمعشوق، فكلما تقدّم الخُطّاب -ومهما كانوا متحلّين بحُسن الدين والخُلُق-؛ كان الكذب في إِبداء المعاذير وردّهم.
وخيرُ ما يفعله الشابُّ أو الشابّة؛ عدم التعلّق بمعشوق، والجِدّ والمثابرة في النكاح الصحيح؛ في ضوء قوله صلى الله عليه وسلم:"إِذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه"(1).
مع إضافة ما يمكن الحصول عليه من الرغبة في الجمال ونحوه.
(1) سيأتي تخريجه -إِن شاء الله تعالى-.