الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأنت في حِلٍّ من النفقة عليّ والقسمة لي، فذلك قوله -تعالى-:{فلا جناح عليهما أن يُصْلحا بينهما صلحاً والصُّلح خير} " (1).
ثمّ قال رحمه الله: "وقوله {والصُّلح خير}: الظاهر من الآية: أنّ صُلحهما على ترْك بعض حقّها للزوج، وقَبول الزوج ذلك خير من المفارقة بالكلية، كما أمسَك النّبيّ صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة على أن تركَت يومها لعائشة رضي الله عنها ولم يفارقها بل ترَكَها من جملة نسائه، وفِعله ذلك لتتأسى به أمّته في مشروعية ذلك وجوازه، فهو أفضل في حقّه عليه الصلاة والسلام ولما كان الوفاق أحبَّ إِلى الله عز وجل من الفراق قال: {والصلح خير} ".
ثمّ قال رحمه الله: "وقوله: {وإِن تُحسنوا وتتّقوا فإِنّ الله كان بما تعملون خبيراً} أي: وإن تتجشَّموا مشقة الصبر على من تكرهون منهن، وتَقسموا لهن أسوة أمثالهنّ، فإِنَّ الله عالم بذلك، وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء".
علاج نشوز المرأة:
قال الله -تعالى-: {واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهن واهجروهنّ في المضاجع واضربوهن فإِنْ أطعْنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً إِنّ الله كان عليّاً كبيراً} (2).
قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره": "وقوله: {واللاتي تخافون نشوزهنّ} أي: والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهنّ -والنشوز:
(1) أخرجه البخاري: 5206، ومسلم:3021.
(2)
النساء: 34.
هو الارتفاع- فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له؛ [وتقدَّم] فمتى ظَهَر له منها أمارات النشوز؛ فليَعظها وليُخوِّفها عقاب الله في عصيانه، فإِنّ الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحَرَّم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإِفضال.
وقوله: {واهجروهنّ في المضاجع} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الهجران: ألَاّ يجامعها، ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره.
وكذا قال غير واحد، وزاد آخرون منهم، السدي، والضحاك، وعكرمة، وابن عباس -في رواية:-: "ولا يُكَلِّمها مع ذلك ولا يُحدِّثها".
قال علي بن أبي طلحة -أيضاً- عن ابن عباس: يَعِظها، فإِنْ هي قَبِلت وإلا هجَرها في المضجع، ولا يكلّمها من غير أن يذر نكاحها، وذلك عليها شديد.
وقال مجاهد، والشعبي، وإبراهيم، ومحمد بن كعب، ومقسم، وقتادة: الهجر: هو ألا يضاجعها.
ثمّ ساق الحديث: "فإِن خفتم نشوزهنّ فاهجروهنّ في المضاجع، قال حماد: يعني النكاح"(1).
ثم ذكَر حديث معاوية بن حيدة القشيري قال: "قلت: يا رسول الله! ما حقُّ زوجة أحدِنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه ولا تقبِّح ولا تهجر إِلا في البيت"(2).
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2027) وانظر "الإرواء"(2027)
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1875)، وابن ماجه "سنن ابن ماجه"(1500)، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(2033)، وتقدّم.
ثم قال رحمه الله: "وقوله: {واضربوهنّ} أي: إِذا لم يرتدِعْن بالموعظة ولا بالهجران، فلكم أن تضربوهنّ ضرباً غير مبرِّح كما ثبت في "صحيح مسلم" (1) عن جابر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "أنه قال في حَجّة الوداع: فاتقوا الله في النّساء، فإِنكم أخذتموهُنّ بأمان الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فُرُشَكُم أحداً تكرهونه، فإِنْ فعلن ذلك فاضربوهنّ ضرباً غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف".
وكذا قال ابن عباس وغير واحد: ضرباً غير مبرِّح؛ قال الحسن البصري: يعني: غير مؤثِّر. وقال الفقهاء: هو أن لا يكسر فيها عضواً، ولا يؤثر فيها شيئاً.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يهجرها في المضجع، فإِنْ أقبلت وإلا فقد أذِن الله لك أن تضرب ضرباً غير مبرح، ولا تكسر لها عظماً، فإِنْ أقبلت وإِلا فقد حل لك منها الفدية.
ثمّ ذكر الحديث: "لا تضربوا إِماء الله، فجاء عمر رضي الله عنه إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْن (2) النساء على أزواجهنّ، فرخصّ في ضربهنّ، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهنّ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهنّ، ليس أولئك بخياركم"(3).
ثمّ قال رحمه الله: "وقوله: {فإِنْ أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً}
(1) برقم: 1218.
(2)
ذَئرْن: أي: اجترأن ونشزن وغلبن. "عون".
(3)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1879)، وابن ماجه "صحيح سنن =