الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البَغِيَّ هي التي تُنْكِحُ نفسَها.
لكن إِن اعتقد هذا نكاحاً جائزاً؛ كان الوَطْءُ فيه وَطْءَ شبهة، يلحق الولد فيه، ويرث أباه، وأما العقوبة فإِنهما يستحقان العقوبة على مثل هذا العقد".
الشروط في النكاح
(1)
1 -
ما يجب الوفاء به، وهو ما أمَر الله به من إِمساك بمعروف أو تسريحٍ بإِحسان، وما كان من مُقتضَيات العقد ومقاصده، ولم يتضمّن تغييراً لحُكم الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ كاشتراط العشرة بالمعروف، والإِنفاق عليها، وكسوتها، وألا يقصّر في شيء من حقوقها، وأنها لا تخرج من بيته إِلا بإِذنه، ولا تصوم تطوُّعاً بغير إِذنه
…
وعليه حمَل بعضهم حديث عقبة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أحقّ ما أوفيتم من الشروط (2)؛ أن توفوا به ما استحلَلتُم به الفروج"(3).
(1) ملتقطٌ من "المغني" و"مجموع الفتاوى" و"فقه السّنة" وغيرها بتصرّف وزيادة.
(2)
قال في "فيض القدير"(2/ 418): "يعني الوفاء بالشروط حق، وأحق الشروط بالوفاء الذي استحللتم به الفروج، وهو المهر والنفقة ونحوهما، فإِن الزوج التزمها بالعقد، فكأنها شرطت. هذا ما جرى عليه القاضي في تقريره. ولا يخفى حُسنه. قال الرافعي رحمه الله: وحمَله الأكثر على شرط لا ينافي مقتضى العقد؛ كشرط المعاشرة بالمعروف، ونحو ذلك مما هو من مقاصد العقد ومقتضياته، بخلاف ما يخالف مقتضاه؛ كشرط أن لا يتزوج أو يتسرى عليها، فلا يجب الوفاء به. وأخذ أحمد رضي الله عنه بالعموم، وأوجب الوفاء بكل شرط".
(3)
أخرجه البخاري: 5151، ومسلم:1418.
جاء في "سبل السلام"(3/ 242): "والحديث دليل على أن الشروط المذكورة في عقد النكاح يتعين الوفاء بها، سواء كان الشرط عرضاً (1) أو مالاً، حيث كان الشرط للمرأة، لأنّ استحلال البضع إِنما يكون فيما يتعلق بها أو ترضاه لغيرها".
2 -
ما لا يُوفّى به، وهو ما لا يجب الوفاء به مع صحّة العقد، وهو ما كان منافياً لمقتضى العقد؛ كاشتراط ترْك الإِنفاق، والوطء، أو اشتراط عدم إِعطائها المهر، أو اشتراط إِنفاقها عليه، أو لا يكون عندها في الأسبوع إِلا ليلة، أو أن يكون لها النهار دون الليل.
فهذه الشروط كلّها باطلة في نفسها؛ لأنّها تُنافي العقد، ولأنّها تتضمّن إِسقاط حقوقٍ تجب بالعقد قبل انعقاده".
قلت: لكن هذا إِنْ كان بلا سبب. أمّا إِنْ كان هناك ما يدعو إِليه، فلا بأس.
وسألتُ شيخنا رحمه الله قائلاً: هناك من يقول: لا يجب الوفاء في اشتراط ترْك الإِنفاق.
فسأل شيخنا رحمه الله: قبل الزواج؟
قلت: نعم.
قال رحمه الله: وقَبِل وليّ الأمر والزوجة؟
قلت: نعم.
قال رحمه الله: فهل الفقر الذي حمَل على عدم الإِنفاق مثلاً؟
(1) العَرْض: كلّ شيء سوى الدَّراهم والدَّنانير.
قلت: هل أفهم منكم -شيخنا- إِن كان ثمّة مسوّغ جاز؛ وإلا فلا.
قال رحمه الله: نعم.
وسألته رحمه الله عن اشتراط ترْك الوطء، أو عدم تقديم المهر، فقال رحمه الله: نفس الجواب.
وسألته عمن يشترط ألا يكون عندها في الأسبوع إِلا ليلة؟
فقال رحمه الله: إِنْ كان لعجز أو سبب جاز. انتهى.
وسألته رحمه الله في موضع آخر عمّن يرى من العلماء فسْخ نكاح من تزوّج بغير ذِكر المهر، أو من اشترط أن لا مهر عليه؟
فأجاب رحمه الله: هذا زنى، أمّا إِذا كان هناك مهْر لم يسمَّ ولم يُحدّد؛ فلا بأس.
وممّا لا يُوفّى به كذلك؛ ما كان ممّا نهى الشرع عنه؛ كاشتراط المرأة عند الزواج طلاق ضرّتها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها؛ لتستفرغ صحفتها (1)، فإِنما لها ما قُدّر لها"(2).
3 -
ما اختُلف فيه؛ كاشتراط أن لا يتزوّج عليها، أو ألا يتسرّى، أو لا ينقلها من منزلها إِلى منزله، أو لا يسافر بها ونحو ذلك.
(1) الصحفة: إِناءٌ كالقصعة المبسوطة ونحوها. وهذا مثل يريد به الاستئثار عليها بحظّها، فتكون كمن استفرغ صحفة غيره، وقلب ما في إِنائه إِلى إِناء نفسه. "النهاية".
(2)
أخرجه البخاري: 5152، ومسلم:1413.
واستدلّ الأحناف والشافعية وكثير من أهل العلم بما يأتي:
أ- إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون على شروطهم؛ إِلا شرطاً حرّم حلالاً، أو أحل حراماً"(1).
ب- قوله صلى الله عليه وسلم: "ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل، وإنْ كان مائةَ شرط"(2).
ولا بُد من بيان بعض الأمور دفْعاً للالتباس، فأقول -وبالله التوفيق-:
المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس كتاب الله"؛ أي: ليس فيه جوازُه أو وجوبه، فالمراد في الحديث: الشروط الجائزة؛ لا المنهيّ عنها، كما بيّن ذلك العلماء.
وقال القرطبي رحمه الله: "قوله: "ليس في كتاب الله"؛ أي: ليس مشروعاً فيه تأصيلاً ولا تفصيلاً، فإِنّ من الأحكام ما لا يوجد تفصيله في الكتاب -كالوضوء-، ومنها ما يوجد تأصيله دون تفصيله -كالصلاة-، ومنها ما أُصّل أصْله -كدلالة الكتاب على أصلية السنّة والإِجماع والقياس-"(3).
ويجب أن نعلم أن الشرط الذي يحل الحرام أو يحرّم الحلال ليس في كتاب الله -تعالى- وليس المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في كتاب الله" أنّ كتاب الله -تعالى- قد نطَق به لفظاً ونصّاً؛ فإِن كثيراً من الشروط على هذا النحو غير منطوقٍ بها، ومع ذلك فهي مشروعة؛ لأنها لا تخالف الكتاب ولا السُّنهّ.
(1) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1089) وغيره، والجملة الأولى رواها البخاري معلّقة بصيغة الجزم، وانظر "الفتح"(4/ 451) و"الإرواء"(5/ 144).
(2)
أخرجه البخاري: 2729، ومسلم:1504.
(3)
انظر "فيض القدير"(5/ 22).
وجاء في "المغني"(7/ 448): "وإذا تزوَّجها وشرّط لها أن لا يخرجها من دارها وبلدها؛ فلها شرطها؛ لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج". وإن تزوجها وشرط لها أن لا يتزوج عليها؛ فلها فراقه إِذا تزوج عليها، وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساماً ثلاثة
…
".
ثمّ فصّل القول في ذلك.
وجاء في "الفتاوى"(32/ 164): "وسئل رحمه الله عن رجل تزوَّج بامرأةٍ؛ فشُرِط عليه عند النَّكاح أنه لا يتزوج عليها، ولا ينقُلُها من منزلها. وكانت لها ابنةٌ، فشرط عليه أن تكون عند أمّها، وعنده ما تزال، فدخل على ذلك كله، فهل يلزمه الوفاء؟ وإذا أخلف هذا الشرط، فهل للزوجة الفسخ، أم لا؟
فأجاب: الحمد لله. نعم تصحّ هذه الشروط وما في معناها في مذهب الإِمام أحمد، وغيره من الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ كعمر بن الخطاب وعمرو بن العاص رضي الله عنهما، وشريح القاضي، والأوزاعي، وإسحاق، ولهذا يوجد في هذا الوقت صَداقات أَهل المغرب القديمة -لمَّا كانوا على مذهب الأوزاعي- فيها هذه الشروط. ومذهب مالك: إِذا شرط أنه إِذا تزوج عليها أو تسرّى أن يكون أمرها بيدها ونحو ذلك: صح هذا الشرط أيضاً، وملكت الفُرقة به. وهو في المعنى نحو مذهب أحمد في ذلك؛ لما أخرجاه في "الصحيحين" عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إِنّ أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"(1).
وقال عمر بن الخطاب: "مقاطع الحقوق عند الشروط"(1).
(1) تقدّم.
فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما يستحل به الفروج من الشروط أحق بالوفاء من غيره، وهذا نص في مِثل هذه الشروط؛ إِذ ليس هناك شرط يُوفّى به بالإِجماع غير الصَّداق والكلام. فتعيَّن أن تكون هي هذه الشروط.
وأمّا شرط مُقامِ ولدِها عندها، ونفقته عليه؛ فهذا مِثل الزيادة في الصَّداق، والصّداق يحتمل من الجهالة فيه -في المنصوص عن أحمد وهو مذهب أبي حنيفة ومالك- ما لا يحتمل في الثمن والأجرة. وكل جهالة تنقص على جهالة مهر المثل تكون أحق بالجواز؛ لا سيما مثل هذا يجوز في الإِجارة ونحوها في مذهب أحمد وغيره: إِن استأجر الأجير بطعامه وكسوته، ويُرْجَعُ في ذلك إِلى العرف، فكذلك اشتراط النفقة على ولدها يُرْجَعُ فيه إِلى العرف بطريق الأولى.
ومتى لم يُوفِ لها بهذه الشروط فتزوج، وتسرّى، فلها فسْخ النكاح، لكن في توقُّف ذلك على الحاكم نزاع؛ لكونه خياراً مجتهداً فيه، كخيار العنّة والعيوب؛ إِذ فيه خلاف
…
" (1).
وجاء (ص 167) منه: "وسئل شيخ الإِسلام رحمه الله عن رجل تزوج بنتاً عمرها عشر سنين، واشترط عليه أهلها أنه يسكن عندهم، ولا ينقلها عنهم، ولا يدخل عليها إِلا بعد سنة، فأخذها إِليه، واختلف ذلك، ودخل عليها، وذكر الدايات: أنه نقلها، ثمّ سكن بها في مكان يضربها فيه الضَّرْبَ المُبرِّح، ثمّ بعد ذلك سافر بها، ثمّ حضر بها، ومنع أن يدخل أهلها عليها مع مداومته على ضرْبها: فهل يحل أن تدوم معه على هذا الحال؟
(1) وانظر للمزيد -إن شئت- فيما يتعلق بالشروط في "الفتاوى"(29/ 175 - 176) و (29/ 350 - 354) و (32/ 169 - 170).
فأجاب: إِذا كان الأمر على ما ذكَر؛ فلا يحل إِقرارها معه على هذه الحالة؛ بل إِذا تعذر أن يعاشرها بالمعروف فُرّق بينهما؛ وليس له أن يطأها وطأ يضرُّ بها؛ بل إِذا لم يمتنع من العدوان عليها فُرّق بينهما، والله أعلم".
وجاء (ص 168) منه: "وسئل رحمه الله عن رجل شرط على امرأته بالشهود أن لا يُسكنها في منزل أبيه، فكانت مدة السكنى منفردة، وهو عاجز عن ذلك: فهل يجب عليه ذلك؟ وهل لها أن تفسخ النكاح إِذا أراد إِبطال الشرط؟ وهل يجب عليه أن يمكّن أمها أو أختها من الدخول عليها والمبيت عندها، أو لا؟
فأجاب: لا يجب عليه ما هو عاجز عنه؛ لا سيما إِذا شرطت الرضا بذلك؛ بل [إِذا] كان قادراً على مسكن آخر؛ لم يكن لها عند كثير من أهل العلم -كمالك وأحد القولين في مذهب أحمد وغيرهما- غير ما شرط لها، فكيف إِذا كان عاجزاً؟ وليس لها أن تفسخ النكاح عند هؤلاء وإنْ كان قادراً. فأمّا إِذا كان ذلك للسكن، ويصلح لسكنى الفقير، وهو عاجز عن غيره؛ فليس لها أن تفسخ بلا نزاع بين الفقهاء، وليس عليه أن يمكِّن من الدخول إِلى منزله: لا أمّها ولا أختها، إِذا كان معاشراً لها بالمعروف، والله أعلم".
وجاء في تعليق شيخنا على "الروضة الندية"(2/ 175) بعد نقْل كلام شيخ الإِسلام -رحمهما الله-: "وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما لم يكن واجباً بدونه، فمقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجباً ولا حراماً، وعدم الإِيجاب ليس نفياً للإِيجاب، حتى يكون المشترط مناقضاً للشرع، وكل شرط صحيح فلا بد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجباً، ويباح أيضاً لكل منهما ما
لم يكن مباحاً، ويحرم على كل منهما ما لم يكن حراماً، وكذلك كل من المتآجرين والمتناكحين، وكذلك إِذا اشترط صفة في المبيع أو رهناً، أو اشترطت المرأة زيادة على مهر مِثلها؛ فإِنه يجب ويحرُم ويباح بهذا الشرط؛ ما لم يكن كذلك؛ كذا في "الفتاوى"(3/ 333) ".
وقال الإِمام ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(11/ 139) بعد حديث: "إِنّ أحق الشروط أن توفّوا
…
": "فقد صحّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُرِدْ قط في هذا الخبر شرطاً فيه تحريم حلال، أو تحليل حرام، أو إِسقاط فرض، أو إِيجاب غير فرض، لأنّ كل ذلك خلاف لأوامر الله -تعالى- ولأوامره عليه الصلاة والسلام.
واشتراط المرأة أن لا يتزوج، أو أن لا يتسرى، أو أن لا يغيب عنها، أو أن لا يرحِّلها عن دارها؛ كل ذلك تحريم حلال، وهو وتحليل الخنزير والميتة سواء في أنّ كلّ ذلك خلاف لحكم الله عز وجل".
وخلاصة القول التي بدت لي:
إِنّ الأعمال إِمّا أن تكون واجبة، وإِمّا أن تكون حراماً، وإمّا أن تكون جائزة.
فاشتراط المرأة ترْك الواجب باطل، واشتراطها فِعْل الحرام باطل كذلك، فيبقى البحث في الأمور الجائزة؛ فيجوز ذلك. والله -تعالى- أعلم.
مسألة: جاء في "الفتاوى"(32/ 42): "وسئل رحمه الله عن بنت زالت بكارتها بمكروه، ولم يُعْقَدْ عليها عَقْدٌ قطّ، وطلبها من يتزوّجها؛ فذكر له ذلك فرضي: فهل يصح العقد بما ذكر إِذا شهد المعروفون أنها بنت؛ لتسهيل الأمر في ذلك؟
فأجاب: إِذا شهدوا أنها ما زُوجت؛ كانوا صادقين، ولم يكن في ذلك