الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضاع الكبير:
وبما تقدّم من الأدلّة؛ يتبيّن لنا أن رضاع الكبير لا يُحرِّم؛ بيْد أنّ بعض النصوص تدلّ على جوازه لحاجة.
عن عائشة رضي الله عنها: "أنّ أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس -وكان ممّن شهد بدراً مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم- تبنّى سالماً، وأنكحه بنت أخيه هنداً بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة -وهو مولى لامرأة من الأنصار-، كما تبنّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم زيداً، وكان من تبنّى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إِليه، وورث من ميراثه، حتى أنزل الله {ادْعُوهُم لآبَائِهِم} إِلى قوله:{وَمَوَالِيْكُم} ، فرُدُّوا إلى آبائهم، فمن لم يُعلم له أب، كان مولى وأخاً في الدّين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثمّ العامري -وهي امرأة أبي حذيفة بن عتبة- النّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إِنّا كنّا نرى سالماً ولداً، وقد أنزل الله فيه ما قد علِمتَ
…
" (1) فذكر الحديث.
وساق الحديثَ بتمامه أبو داود بلفظ: "
…
فكيف ترى فيه؟ فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أرضعيه. فأرضعته خَمْس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة" (2).
وفي رواية عن عائشة: "أنّ سالماً مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتت (تعني ابنة سهيل) النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: إِنّ سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظنّ أنّ في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً؟! فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب
(1) أخرجه البخاري: 5088.
(2)
"صحيح سنن أبي داود"(1815).
الذي في نفس أبي حذيفة. فرجعت فقالت: إِنّي قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة" (1).
وعن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت لعائشة رضي الله عنها: إِنه يدخل عليك الغلام الأيْفع (2) الذي ما أحب أن يدخل عليّ! فقالت عائشة: أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة؟ قالت: إِنّ امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله! إِنّ سالماً يدخل عليّ وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرضعيه حتى يدخل عليك"(3).
وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 149): "
…
وقال عبد الرزاق عن ابن جريج: قال رجل لعطاء: إِنّ امرأة سقتني من لبنها بعدما كبِرْتُ؛ أَفَأَنْكِحُهَا؟ قال: لا. قال ابن جريج: فقلت له: هذا رأيك؟ قال: نعم. كانت عائشة تأمر بذلك بنات أخيها. وهو قول الليث بن سعد. وقال ابن عبد البر: لم يختلف عنه في ذلك. قلت: وذكر الطبري في "تهذيب الآثار" في "مسند عليٍّ" هذه المسألة، وساق بإِسناده الصحيح عن حفصة مثل قول عائشة
…
".
جاء في "الروضة الندية"(2/ 179): "ويجوز إِرضاع الكبير -ولو كان ذا لحية-، لتجويز النظر، ثمّ حديث أم سلمة المتقدّم؛ وفيه: "أرضعيه حتى يدخل عليك".
قال: "وقد أخرج نحوه البخاري من حديث عائشة أيضاً -وقد تقدّم كذلك-".
(1) انظر "صحيح مسلم"(1453).
(2)
هو الذي قارب البُلوغ ولم يبلُغ. "شرح النووي".
(3)
أخرجه مسلم: 1453.
ثمّ قال: "وقد روى هذا الحديث من الصحابة أمّهات المؤمنين، وسهلة بنت سهيل، وزينب بنت أم سلمة. ورواه من التابعين جماعة كثيرة، ثمّ رواه عنهم الجمع الجمّ. وقد ذهب إِلى ذلك علي وعائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن عُلَيَّةَ وداود الظاهري وابن حزم. وهو الحقّ. وذهب الجمهور إِلي خلاف ذلك. قال ابن القيّم: "أخذ طائفة من السلف بهذه الفتوى، منهم عائشة. ولم يأخذ به أكثر أهل العلم، وقدَّموا عليها أحاديث توقيت الرّضاع المحرِّم بما قبل الفطام وبالصغر وبالحولين؛ لوجوه:
أحدها: كثرتها، وانفراد حديث سالم.
الثاني: أن جميع أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم -سوى عائشة- في شِقِّ المنع.
الثالث: أنه أحوط.
الرابع: أنّ رضاع الكبير لا يُنبِت لحماً ولا يُنشِز عظماً؛ فلا يحصل به البعضية التي هي سبب التحريم.
الخامس: أنه يحتمل أن هذا كان مختصاً بسالم وحده، ولهذا لم يجئ ذلك إِلا في قصته.
السادس: "أن وسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وعندها رجل قاعد، فاشتدَّ ذلك عليه وغضب، فقالت: إِنه أخي من الرّضاعة! فقال: انظرن مَن إِخوانكن من الرّضاعة؟ فإِنما الرّضاعة من المجاعة". متفق عليه واللفظ لمسلم.
وفي قصة سالم مسلك، وهو أن هذا كان موضع حاجة، فإِنّ سالماً كان قد تبنّاه أبو حذيفة وربّاه، ولم يكن له منه ومن الدخول على أهلهِ بدٌّ، فإِذا دعَت الحاجة إِلي مِثل ذلك؛ فالقول به مما يسوغ فيه الاجتهاد. ولعل هذا المسلك