الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق (1) "، ولا أظن مسلماً سليم الفطرة، لا يرى أن مثل هذا الشرط ينافي مكارم الأخلاق، كيف لا؟! وكثيراً ما يكون سبباً للمتاجرة بالمرأة إِلى أن يحظى الأب أو الولي بالشرط الأوفر، والحظ الأكبر، وإلا أعضلها! وهذا لا يجوز؛ لنهي القرآن عنه" (2). انتهى.
النهي عن المغالاة في المهور:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ مِن يمُن (3) المرأة تيسير خِطبتها، وتيسير صَداقها، وتيسير رحمها". قال عروة: يعني: "تيسير رحمها للولادة". قال عروة: "وأنا أقول مِن عندي: مِن أوّل شُؤمها: أن يكثر صَداقها"(4).
وعن أنس: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه وَضَرٌ (5) من
(1) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد، والحاكم وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(45).
(2)
وانظر -إِن شئت- ما قاله الإِمام ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(11/ 127) تحت المسألة (1855)
(3)
اليُمْنُ؛ أي: البركة، وضدّه الشُّؤم. "النهاية".
(4)
أخرجه أحمد وغيره، وحسّنه شيخنا رحمه الله في "الإرواء" تحت (1928)، وكان شيخنا رحمه الله قد تردد في أسامة بن زيد؛ أهو الليثي أم العدوى؟! وفي التحقيق الثاني "للإرواء" (6/ 350) قال رحمه الله:"ثم رأيت ما يرجّح أنه الليثي، وهو قول السخاوي في "المقاصد" (ص 404)، وسنده جيّد".
(5)
الوضر: لطخ من خلوق، أو طيب له لون، وذلك من فعل العروس إِذا دخل على زوجته، والوضر: الأثر من غير الطيب. "النهاية".
صُفرةٍ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: مَهْيَمْ (1)؟! فقال: يا رسول الله! تزوجت امرأة من الأنصار، قال: ما سُقت إِليها؟ قال: وزن نواة (2) من ذهب، قال: أوْلِمْ ولو بشاة" (3).
وعن أبي سلمة قال: "سألت عائشة: كم كان صَداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صَداقه لأزواجه ثنتي عشرة أُوقية ونشّاً. قالت: أتدري ما النشُّ؟ قال: قلت: لا. قالت: نصف أوقية (4) "(5).
وعن أبي العجفاء السلمي، قال:"خطَبنا عمر فقال: ألا لا تغالوا بصُدُق النساء، فإِنها لو كانت مَكرُمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أُصْدِقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية"(6).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير النكاح أيسره"(7).
(1) أي: ما أمْرُك وشأنك؟ "النهاية".
(2)
جاء في "النهاية": "النواة: اسم لخمسة دراهم، كما قيل للأربعين: أوقية وللعشرين: نشٌّ
…
والنواة في الأصل: عجمة التمرة".
(3)
أخرجه البخاري: 2049، ومسلم:1427.
(4)
النَّشّ: نصف الأوقية، وهو عشرون درهماً، والأوقية: أربعون، فيكون الجميع خمسمائة درهم. "النهاية".
(5)
أخرجه مسلم: 1426.
(6)
أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1852)، والنسائي، والترمذي وصححه، وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(1927).
(7)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1859)، وابن حبان، والحاكم =
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إِلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إِنّي تزوّجتُ امرأةً من الأنصار، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إِليها؟ فإِنّ في عيون الأنصار شيئاً، قال: قد نظرت إِليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربع أواقٍ. فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: على أربع أواقٍ؟ كأنّما تنحِتون الفضّة من عُرْض هذا الجبل"(1).
جاء في "الفتاوى"(32/ 192 - 194): "ويُكره للرجل أن يصدق المرأة صدقاً فيضرّ به إِنْ نَقَده، ويعجز عن وفائه إِنْ كان ديناً. قال أبو هريرة رضي الله عنه: جاء رجل إِلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إِني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال صلى الله عليه وسلم: على كم تزوّجتها؟ قال: على أربع أواقٍ. فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: على أربع أوَاقٍ؟ فكأنما تنحتون الفضة من عُرْض هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك؛ ولكن عسى أن نبعثك في بعْث تصيب منه! قال: فبعث بعثاً إِلى بني عبس، بعث ذلك الرجل فيهم. رواه مسلم في "صحيحه" (2). والأوقية عندهم: أربعون درهماً، وهي مجموع الصَّداق، ليس فيه مقدم ومؤخر.
وعن أبي عمرو الأسلمي: أنه أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستعينه في مهر امرأة، فقال: كم أمهرتها؟ فقال: مائتي درهم. فقال: لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم (3).
= وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(1924).
(1)
أخرجه مسلم: 1424.
(2)
برقم: 1424.
(3)
أخرجه الحاكم، وأحمد وقال الحاكم:"صحيح الإِسناد"، ووافقه الذهبي، وانظر "الصحيحة"(2173).
رواه الإِمام أحمد في "مسنده". وإذا أصدقها ديناً كثيراً في ذمته وهو ينوي أن لا يعطيها إِياه؛ كان ذلك حراماً عليه (1).
وما يفعله بعض أهل الجفاء والخيلاء والرياء، من تكثير الهر للرياء والفخر، وهم لا يقصدون أخْذه من الزوج، وهو ينوي أن لا يعطيهم إِياه؛ فهذا منكر قبيح، مخالف للسنة، خارج عن الشريعة.
وإِنْ قصد الزوج أن يؤديه، وهو في الغالب لا يطيقه؛ فقد حمَّل نفسه، وشغل ذمّته، وتعرّض لنقص حسناته، وارتهانه بالدَّين؛ وأهل المرأة قد آذوا صهرهم وضرّوه.
والمستحب في الصَّداق -مع القدرة واليسار- أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إِلى خمسمائة بالدراهم الخالصة، نحواً من تسعة عشر ديناراً. فهذه سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. مَنْ فَعَلَ ذلك فقد استن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصَّداق، قال أبو هريرة رضي الله عنه: كان صَداقنا إِذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أواق، وطبق بيديه، وذلك أربعمائة درهم. رواه الإِمام أحمد في "مسنده"، وهذا لفظ أبي داود في "سننه"(2).
وقال أبو سلمة: سألْت عائشة: كم كان صَداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان
(1) وفي الحديث: "مَنْ تزوَّج امرأة على صَدَاق؛ وهو ينوي أنْ لا يُؤدِّيه إِليها، فهو زانٍ" أخرجه البزّار وغيره وانظر "صحيح الترغيب والترهيب"(1806 - 1807).
(2)
وهو في سنن النسائي "صحيح سنن النسائي"(3140) ولفظه: "كان الصَّداق إِذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أواق".
صَداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً. قالت: أتدري ما النشّ؟ قال: قلت: لا. قالت: نصف أوقية: فتلك خمسمائة درهم. رواه مسلم (1) في "صحيحه". وقد تقدّم عن عمر أن صَداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نحواً من ذلك. فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صَداق ابنته على صَداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهنّ أفضل نساء العالمين في كل صفة: فهو جاهل أحمق. وكذلك صَداق أمهات المؤمنين، وهذا مع القدرة واليَسار. فأمّا الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إِلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة.
والأولى فعجيل الصَّداق كله للمرأة قبل الدخول إِذا أمكن، فإِنْ قدّم البعض وأخّر البعض: فهو جائز، وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصَّداق. فتزوّج عبد الرحمن بن عوف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وزن نواة من ذهب. قالوا: وزنها ثلاثة دراهم وثلث. وزوّج سعيد بن المسيب بنته على درهمين، وهي من أفضل أَيِّمِ من قريش، بعد أن خطبها الخليفة لابنه، فأبى أن يزوجها به، والذي نُقل عن بعض السلف من تكثير صَداق النّساء؛ فإِنما كان ذلك لأن المال اتسع عليهم، وكانوا يعجلون الصَّداق كلّه قبل الدخول؛ لم يكونوا يؤخرون منه شيئاً. ومن كان له يَسار ووجد، فأحب أن يعطي امرأته صَداقاً كثيرًا؛ فلا بأس بذلك، كما قال -تعالى-:{وآتيتم إِحداهنّ قِنْطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} (2). أمّا من يشغل ذمّته بصَداق لا يريد أن يؤديه، أو يعجز عن وفائه، فهذا مكروه، كما تقدّم. وكذلك من جعل في ذمّته صَداقاً كثيراً
(1) برقم: 1426.
(2)
النساء: 20.