الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يضاف إِلى ذلك من توثيق الصِّلات، وإِيجاد أسباب المودة والرحمة* (1).
وقال الله -تعالى-: {وآتوا النِّساء صَدُقاتِهِنَّ نحْلَة فإِنْ طبْنَ لكم عن شيء مِنْهُ نَفْساً فكُلوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} (2).
أي: آتوا النساء مهورهن فريضةً مُسمّاة.
قال ابن كثير رحمه الله بعد ذِكْر عدد من أقوال السلف: "ومضمون كلامهم: أنّ الرجل يجب عليه دفْع الصَّداق إلى المرأة حتماً، وأن يكون طَيِّبَ النفس بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النِّحلة طَيِّباً بها، كذلك يجب أن يعطي المرأة صَداقها طيِّباً بذلك، فإِن طابت هي له به بعد تسميته، أو عن شيء منه؛ فليأكله حلالاً طيبّاً، ولهذا قال: {فإِن طِبْنَ لكم عن شيء منه نَفْساً فكلوه هَنِيئاً مَرِيئاً} ".
قدْر المهر:
*لم تجعل الشريعة حدّاً لقلّته ولا لكثرته، إِذ الناس يختلفون في الغنى والفقر، ويتفاوتون في السعة والضيق، ولكل جهة عاداتها وتقاليدها، فترَكت التحديد؛ ليعطي كل واحد على قدر طاقته، وحسب حالته
…
وكل النصوص جاءت تشير إِلى أنّ المهر لا يشترط فيه إِلا أن يكون شيئاً له قيمة [وثمن]؛ بقطع النظر عن القلة والكثرة؛ فيجوز أن يكون خاتماً من حديد [مبالغة في تقليله]، أو قدحاً من تمر، أو تعليماً لكتاب الله، وما شابَه ذلك،
(1) ما بين نجمتين عن كتاب "فقه السنّة"(2/ 478).
(2)
النساء: 4.
إِذا تراضى عليه المتعاقدان* (1).
وقال ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(11/ 97) تحت المسألة (1851) فيما يجوز من الصَّداق."
…
ولو أنه حبَّة بُرٍّ أو حبَّة شعير أو غير ذلك، وكذلك كل عمل حلال موصوف؛ كتعليم شيء من القرآن أو من العلم أو البناء أو الخياطة أو غير ذلك إِذا تراضيا بذلك. وورد في هذا اختلاف".
وقوله -تعالى-: {
…
وآتَيتُم إِحْداهُنَّ قِنْطَاراً} (2) يدل على جواز الكثرة، وعدم تحريم ذلك.
قال العلامة السعدى رحمه الله: "مع أنّ الأفضل واللائق؛ الاقتداء بالنّبيِّ صلى الله عليه وسلم في تخفيف المهر
…
لكن قد يُنهى عن كثرة الصَّداق؛ إِذا تضمّن مفسدةَ دينية، وعدم مصلحة تُقاوَم".
وجاء في "الفتاوى"(32/ 192): "السُّنّة تخفيف الصّداق وأن لا يزيد على نساء النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبناته
…
".
وجاء في "الروضة الندية"(2/ 73): "قال: في "الحجة": ولم يضبط النّبيّ صلى الله عليه وسلم المهر بحدٍّ لا يزيد ولا ينقص؛ إِذ العادات في إِظهار الاهتمام مختلفة، والرغبات لها مراتب شتى، ولهم في المشاحَّة طبقات؛ فلا يمكن تحديده عليهم؛ كما لا يمكن أن يضبط ثمن الأشياء المرغوبة بحدٍّ مخصوص".
عن سهل بن سعد الساعدي يقول: "إِني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إِذْ
(1) ما بين نجمتين عن "فقه السُّنَّة"(2/ 478) بحذفٍ يسير.
(2)
النساء: 20.
قامت امرأة فقالت: يا رسول الله! إِنها قد وَهَبت نفسها لك، فرَ (1) فيها رأيك، فلم يجبها شيئاً، ثم قامت فقالت: يا رسول الله! إِتها قد وَهَبت نفسها لك، فرَ فيها رأيك، فلم يُجبها شيئاً، ثمّ قامت الثالثة فقالت: إِنها قد وَهَبت لك، فرَ فيها رأيك، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! أنكِحْنيها، قال: هل عندك من شيء؟ قال: لا، قال: اذهب فاطلب ولو خاتماً من حديد، فذهب وطلب، ثمّ جاء فقال: ما وجدتُ شيئاً، ولا خاتماً في حديد، قال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا، قال: اذهب فقد أنكحتُكها بما معك من القرآن" (2).
وعن أنس قال: "خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: والله ما مِثلك يا أبا طلحة! يُردّ، ولكنك رجل كافر، وأنا مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوجك، فإِنْ تُسلِم فذاك مهري، وما أسألك غيره. فأسلَم؛ فكان ذلك مهرها"(3).
وقد يكون المهر على العمل يُعمل؛ وجاء في تبويب "سنن أبي داود": (باب، في التزويج على العمل يُعمَل).
ثم ذكر حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه؛ وفيه: "هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا -لسُورٍ سمّاها-، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد زوجتُكَها بما معك من القرآن"(4).
(1) فعل أمرٍ من (رأى)؛ أي: انظر.
(2)
أخرجه البخاري: 5149، ومسلم:1425.
(3)
أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي"(3133)، وانظر تخريجه في "أحكام الجنائز"(ص 38).
(4)
أخرجه البخاري: 5149، ومسلم، 1425، وهذا لفظ أبي داود "صحيح سنن أبي داود"(1856)، وتقدّم.
و (العمل يُعمل) هنا: إِفادة زوجِهِ من السور التي يحفظها، وذلك أنّ المهر المادّي إِنما هو بما يستحلّه الرجل من فرج المرأة، فينبغي إِذاً أن نحمل المهر هنا؛ على إِفادتها من خلال تعليمه لها ما استطاع من هذه السُّور، وانتفاعها بعمله بمقتضاها -ما استطاع إِلى ذلك سبيلاً-. فليس المراد من حفظه القرآن الا ما تستفيد منه هي ليكون مهرها.
وبذا، فيفيدنا ما جاء من تبويب في "سنن أبي داود" قوله:"التزويج على العمل يُعمل" أن يقدّم أعمالاً أو خدماتٍ معيّنة للزوجة؛ فقد يعلّمها القراءة أو الكتابة، وقد يتعهّد بعلاجها إِنْ كان مختصاً بذلك
…
إِلخ. والله -تعالى- أعلم.
مسألة: إِذا اختلف ما اتفق عليه العاقدان في السرّ والعلانية.
جاء في "الفتاوى"(32/ 199): "وسئل رحمه الله عن رجل تزوج امرأة وأعطاها المهر، وكُتب عليه صَداقاً ألف دينار، وشرطوا عليه أننا ما نأخذ منك شيئاً إِلا عندنا عادة وسمعة، والآن توفي الزوج، وطلبت المرأة كتابها من الورثة على التمام والكمال؟
فأجاب: إِذا كانت الصورة ما ذُكِر؛ لم يجُز لها أن تطالب إِلا ما اتفقا عليه، وأمّا ما ذُكر على الوجه المذكور؛ فلا يحلّ لها المطالبة به، بل يجب لها ما اتفقا عليه".
وسألت شيخنا رحمه الله: إِذا اتفق العاقدان في السرّ على المهر، ثمّ تعاقدا في العلانية بأكثر منه واختلفا؛ فبِمَ يكون الحُكم؟
فأجابني شيخنا رحمه الله: الحُكم بالمعلَن.