الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصبحت، خرجتُ إِلى قومي فأخبرتُهم الخبر، وقلت: امشوا معي إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: لا والله!
فانطلقتُ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فقال: أنت بذاك يا سلمة؟ قلت: أنا بذاك يا رسول الله -مرتين- وأنا صابر لأمر الله فاحكم فيَّ ما أراك الله، قال: حرِّرْ رقبة قلت: والذي بَعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحةَ رقبتي، قال: فصم شهرين متتابِعَيْن قال: وهل أصبتُ الذي أصبتُ إِلا من الصيام؟ قال: فأطعِم وَسْقاً من تمر بين ستّين مسكيناً قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشَيْن (1) ما لنا طعام.
قال: فانطلقْ إِلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إِليك، فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، وكُلْ أنت وعيالك بقيتها، فرجعتُ إِلى قومي، فقلت: وجدتْ عندكم الضيق، وسوء الرأي، ووجدت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم السعة، وحُسن الرأي. وقد أمرني -أو أمَر لي- بصدقتكم" (2).
هل الظهار مختصٌّ بالأم
؟
*
…
ذهب الجمهور إِلى أنَّ الظِّهار يختص بالأم كما ورد في القرآن، وفي حديث خولة (3) التي ظاهَر منها أوس. فلو قال: كظهر أختي مثلاً لم يكن
(1) أي: جائِعَين لا طعام لنا، وقد أوحش إِذا جاع. وانظر "النِّهاية".
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1933)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(959)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1678)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(3237) وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(2091).
(3)
خولة وقيل: خويلة، والأول أكثر كما فى "أسد الغابة".
ظهاراً، وكذا لو قال: كظهر أبي. وفي رواية عن أحمد: أنه ظهار وطرَّده (1) في كل من يحرُم عليه وطؤه حتى في البهيمة* (2).
وخولة التي أشار إِليها في الحديث هي: خولة بنت مالك بن ثعلبة، قالت: ظاهَر مني زوجي أوس بن الصامت، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إِليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه، ويقول: اتّقي الله فإِنه ابن عمّك، فما برحت حتى نزل القرآن {قد سمع الله قول التي تُجادلك في زوجها} إِلى الفرض فقال: يعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله، إِنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قالت: فأُتي ساعتئذ بعرَقَ (3) من تمر، قلت: يا رسول الله! فإِني أعينه بعرَق آخر، قال: قد أحسنتِ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً، وارجعي إِلى ابن عمّك" (4).
ثمّ ذكر أقوال بعض العلماء -كأبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي والثوري والشافعي في أحد قوليه- الذين قالوا بقياس المحارم على الأمَّ ولو من رضاع.
(1) أمضاه وأجراه.
(2)
انظر "نيل الأوطار"(7/ 51).
(3)
العَرَق: ضفيرة تُنسج من خوص. وفي "صحيح سنن أبي داود"(1936) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال:- يعني بالعَرَق: زنبيلاً يأخذ خمسة عشر صاعاً وفي "سنن أبي داود"(1938) عن أوس أخي عبادة بن الصّامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسة عشر صاعاً من الشَّعير؛ إِطعام ستِّين مسكيناً. وانظر إِن شئت المزيد ما جاء في "عون المعبود"(6/ 217) أحوال اختلاف العَرَق في السّعة والضّيق وأنه قد وكون بعضها أكبر من بعض.
(4)
أخرجه أحمد، وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1934)، غيرهما، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(2087).
*فالظهار عندهم، هو تشبيه الرجل زوجته في التحريم بإِحدى المحرمات عليه، على وجه التأبيد بالنسب، أو المصاهرة، أو الرضاع* (1). إِذ العلة التحريم المؤبد (2).
وإنْ قال: أنتِ كأمّي أو مِثل أمِّي ونوى به الكرامة والتوقير ونحو ذلك؛ فليس بظهار (3).
وذكَر ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(11/ 255) قوله -تعالى-: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمهاتهم إِنْ أمّهاتهم إِلا اللائي ولَدْنهم} ، ثمّ قال رحمه الله:"فهذه الآية تنتظم كلّ ما قلناه، لأن الله عز وجل لم يذكر إِلا الظهر من الأم، ولم يوجب -تعالى- الكفَّارة في ذلك إِلا بالعود لما قال".
وقال (ص 262): "وقالت طائفة -منهم سفيان الثوري، والشافعي-: إنْ ظاهر برأس أُمّه، أو يدها فهو ظهار.
وقال أبو حنيفة: إِنْ ظاهر بشيء لا يحل له أن ينظر إِليه من أمه؛ فهو ظهار، وإِنْ ظاهر بشيء يحل له أن ينظر إِليه من أمه؟ فليس ظهاراً.
قال أبو محمد: وكل هذه مقاييس فاسدة، ليس بعضها أولى من بعض؛ وكذلك قياس قول مالك ذكَره ابن القاسم: أن ما ظاهر به من أعضاء أمه فهو ظهار! والحق من ذلك ما ذكرنا: من أن لا نتعدّى النّص الذي حدّه الله
(1) ما بين نجمتين من "فقه السّنة"(3/ 78).
(2)
انظر "نيل الأوطار" بحذف (7/ 51).
(3)
انظر "المغني"(8/ 559) بتصرّف.
-تعالى-. قال الله -تعالى-: {ومن يتعدَّ حدود الله فقد ظلم نفسه} (1) ".
وجاء في "سبل السلام"(3/ 355): "وقد اتفق العلماء على أنه يقع بتشبيه الزوجة بظهر الأُمِّ، ثمّ اختلفوا فيه في مسائل:
الأولى: إِذا شبَّهها بعضو منها غيره، فذهب الأكثر إِلى أنه يكون ظهاراً أيضاً، وقيل: يكون ظهاراً إِذا شبّهها بعضو يحرم النظر إِليه. وقد عرفت أن النص لم يَرِد إِلا في الظهر.
الثانية: أنهم اختلفوا أيضاً فيما إِذا شبَّهها بغير الأم من المحارم فقالت الهادوية: لا يكون ظهاراً لأن النص ورَد في الأمِّ. وذهب آخرون منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إِلى أنه يكون ظهاراً ولو شبَّهها بمحرم من الرضاع. ودليلهم القياس فإِنَّ العلة التحريم المؤبد، وهو ثابت في المحارم كثبوته في الأمِّ، وقال مالك وأحمد: إِنه ينعقد وإن لم يكن المشبه به مؤبد التحريم كالأجنبية، بل قال أحمد: حتى في البهيمة".
ثمّ قال رحمه الله: "ولا يخفى أنّ النص لم يرد إِلا في الأم. وما ذكر من إِلحاق غيرها بالقياس وملاحظة المعنى، ولا ينتهض دليلاً على الحُكم".
وجاء في "المغني"(8/ 556): "وإذا قال لزوجته: أنت عليّ كظهر أمّي أو كظهر امرأة أجنبية أو أنتِ عليَّ حرام، أو حرَّمَ عُضواً من أعضائها فلا يطؤها حتى يأتي بالكفَّارة". ثمّ فصّل في ذلك.
أمّا شيخنا رحمه الله فهو يرى تقييد الظهار بالأمّ؛ تقيُّداً بالنصّ.
وأقول: إِنَّ لفظ: {يُظاهِرون} له دلالته ولفظ: {إِنْ أمّهاتهم إِلا اللائي
(1) الطلاق: 1.