الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأجاب الشيخ رحمه الله بعدم الجواز. ثمّ قال السائل: وإنْ تابا؟
فأجاب: لا يجوز. وقد لمسْتُ من شيخنا رحمه الله أنه يشكُّ في صحّة التوبة. فقلتُ له: إِذا عُلِم صدق توبتهما من خلال بعض القرائن؟ فقال: يجوز.
وسُئل شيخنا رحمه الله في بعض مجالسه: رجل فعَل الفاحشة بامرأة، ثمّ حملت، هل يستطيع أن يتزوجها؟
فأجاب: لا أرى هذا؛ لأنّه بالتالي تخطيط لإِلحاق الولد بهما.
عقد المُحرم
*يحرُم على المُحْرِمِ أن يعقد النكاح لنفسه أو لغيره؛ بولاية أو وكالة، ويقع العقد باطلاً* (1).
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَنكِح المحرم ولا يُنْكَح ولا يخطُب"(2).
وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم"(3)؛ فهو معارض بحديث ميمونة رضي الله عنها نفسها: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال"(4).
(1) ما بين نجمتين عن "فقه السّنّة"(2/ 412).
(2)
أخرجه مسلم: 1409.
(3)
أخرجه البخاري: 1837، ومسلم:1410.
(4)
أخرجه مسلم: 1411.
وقال شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(4/ 237): "تنبيه: أخرج الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم".
قال الحافظ في "الفتح"(4/ 45): "وصحّ نحوه عن عائشة وأبي هريرة وجاء عن ميمونة نفسها أنه كان حلالاً. وعن أبي رافع مثله، وأنه كان الرسول إِليها (1). واختلف العلماء في هذه المسألة، فالجمهور على المنع لحديث عثمان (يعني: هذا)، وأجابوا عن حديث ميمونة بأنه اختلف في الواقعة كيف كانت، فلا تقوم بها الحجة، ولأنها تحتمل الخصوصية، فكان الحديث في النهي عن ذلك أولى بأن يؤخَذ به. وقال عطاء وعكرمة وأهل الكوفة: يجوز للمحرم أن يتزوج، كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطْءِ؛ فتعقب بالتصريح فيه بقوله: (ولا يُنكح) بضم أوله. وبقوله فيه (ولا يخطُب) ".
وقال الحافظ ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(2/ 104/1) -وقد ذكر حديث ابن عباس-:
"وقد عُدَّ هذا من الغلطات التي وقعت في "الصحيح"، وميمونة أخبرت أن هذا ما وقع، والإِنسان أعرف بحال نفسه، قالت: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حلال بعدما رجعنا من مكة". رواه أبو داود عن موسى بن إِسماعيل نحوه: "تزوجني النّبيّ صلى الله عليه وسلم ونحن حلال بِسَرِفَ".
(1) قال شيخنا رحمه الله في التعليق: "في إِسناد حديث أبي رافع: مطر الوراق، وهو ضعيف، وقد خالفه مالك فأرسله، كما يأتي بيانه في "النكاح"، في أول الفصل الذي يلي "باب النكاح وشروطه". رقم (1849) ".
قلت [أي: شيخنا رحمه الله]: وسند أبي داود صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في "صحيحه"(4/ 137 - 138) دون ذكر سَرِفَ، وأخرجه أحمد (6/ 332، 335) باللفظ الأول الذي في "التنقيح"، وهو على شرط مسلم أيضاً".
وأضاف رحمه الله في التحقيق الثاني على "الإِرواء"(4/ 228): "وذكر ابن القيّم في "الزاد" (5/ 112 - 113) سبعة أوجه لترجيح حديث ميمونة رضي الله عنها؛ منها: أن الصحابة رضي الله عنهم غلّطوا ابن عباس، ولم يغلّطوا أبا رافع، كذا قال. وانظر "الفتح" (9/ 165) ".
وجاء في "الإِرواء" تحت الحديث (1038): "وعن أبي غطفان عن أبيه: أنّ عمر رضي الله عنه فرّق بينهما؛ يعني: رجلاً تزوّج وهو مُحْرِم".
وقال شيخنا رحمه الله: "صحيح، أخرجه مالك وعنه البيهقي والدارقطني.
…
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
ثمّ روى مالك عن نافع أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "لا ينكح المُحْرِم، ولا يخطب على نفسه، ولا على غيره". وسنده صحيح. وروى البيهقي عن علي قال: "لا ينكح المحرم؛ فإِن نكح رُدّ نكاحه"، وسنده صحيح أيضاً".
ثمّ قال شيخنا رحمه الله: "واتفاق هؤلاء الصحابة على العمل بحديث عثمان رضي الله عنه مما يؤيد صحته. وثبوت العمل به عند الخلفاء الراشدين يدفع احتمال خطأ الحديث أو نسْخه، فذلك يدلّ على خطأ حديث ابن عباس رضي الله عنه، وإليه ذهَب الإِمام الطحاوي في كتابه "الناسخ والمنسوخ"؛ خلافاً لصنيعه في "شرح المعاني". انظر "نصب الراية" (3/ 174). انتهى.