الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضاً عند جماهير أئمة الإِسلام، وبه قضى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لما طلق عبد الرحمن بن عوف زوجته بنت الأصبغ الكلبية طلقها ثلاثاً في مرض موته، فشاور عثمان الصحابة فأشاروا على أنها ترِث منه، ولم يعرف عن أحد من الصحابة في ذلك خلاف.
وإِنما ظهر الخلاف في خلافة ابن الزبير، فإِنه قال: لو كنت أنا لم أورثها، وابن الزبير قد انعقد الإِجماع قبل أن يصير من أهل الاجتهاد، وإِلى ذلك ذهب أئمة التابعين، ومن بعدهم، وهو مذهب أهل العراق: كالثوري، وأبي حنيفة، وأصحابه، ومذهب أهل المدينة، كمالك، وأصحابه، ومذهب فقهاء الحديث: كأحمد بن حنبل، وأمثاله، وهو القول القديم للشافعي.
وفي الجديد وافق ابن الزبير؛ لأن الطلاق واقع بحيث لو ماتت هي لم يرثها هو بالاتفاق، فكذلك لا ترثه هي، ولأنها حرمت عليه بالطلاق، فلا يحل له وطؤها، ولا الاستمتاع بها، فتكون أجنبية، فلا ترث
…
".
وجاء في "الاختيارات الفقهية"(ص 198): "ونكاح المريض في مرض الموت صحيح، وترث زوجته منه في قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، ولا تستحق إِلا مَهر المِثل، لا الزيادة عليه بالاتفاق". انتهى.
وكما يقع النكاح في مِثل هذا الحال يقع الطلاق، كلاهما بشرطه، والله -تعالى- أعلم.
متى يطلّق القاضي
؟
1 - عدم الإِنفاق:
جاء في "المحلّى"(11/ 326) تحت المسألة (1931): "وَمن منع النفقة
والكسوة وهو قادر عليها؛ فسواء كان غائباً أو حاضراً: هو دَيْن في ذمته يؤخذ منه أبداً، ويُقضى لها به في حياته وبعد موته
…
".
وفيه: (ص 327) تحت المسألة (1932): "فمن قدر على بعض النفقة والكسوة، فسواء قلَّ ما يقدر عليه أو كثُر: الواجب أن يقضي عليه بما قدر، ويسقط عنه ما لا يقدر، فإِن لم يقدر على شيء من ذلك سقط عنه، ولم يجب أن يقضى عليه بشيء، فإِن أيسر بعد ذلك قضى عليه من حين يوسر، ولا يقضى عليه بشيء مما أنفقته على نفسها من نفقة أو كسوة مدة عسره، لقول الله عز وجل:{لا يكلف الله نفساً إِلا وُسْعَها} (1)، وقوله -تعالى-:{لا يكلّف الله نفساً إِلا ما آتاها} (2). فصحَّ يقيناً أن ما ليس في وسعه، ولا آتاه الله -تعالى- إِياه، فلم يكلِّفه الله عز وجل إِياه، وما لم يكلفه الله -تعالى- فهو غير واجب عليه، وما لم يجب عليه؛ فلا يجوز أن يقضى عليه به أبداً أيسر أو لم يوسر.
وهذا بخلاف ما وجب لها من نفقة أو كسوة؛ فمنعها إِياها وهو قادر عليها، فهذا يؤخذ به أبداً أعسر بعد ذلك أو لم يُعسر، لأنه قد كلَّفه الله -تعالى- إِياه، فهو واجب عليه، فلا يسقطه عنه إِعساره، لكن يوجب الإِعسار أن ينظر به إِلى الميسرة فقط، لقوله عز وجل:{وإِن كان ذو عسرة فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرة} (3) ".
(1) البقرة: 286.
(2)
الطلاق: 7.
(3)
البقرة: 280.
وجاء في "السيل الجرار"(2/ 452) -بحذف-: "قد ذهب الجمهور كما حكاه ابن حجر في "فتح الباري" إِلى ثبوت الفسخ إِذا لم يجد الرَّجل ما ينفق على امرأته، وهو الحق لقوله عز وجل:{ولا تُمسكوهنّ ضراراً} (1) والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول. وأي ضرار أعظمِ من أن يبقيها في حَبْسِهِ وتحت نكاحه بغير نفقة؟! فإِنَّ هذا ممسك لها ضراراَ بلا شك ولا شبهة، بل ممسك لها مع أشد أنواع الضرار، فإِنَّ قوام الأنفس لا يكون إِلا بالطعام والشراب. ولقول الله عز وجل:{فإِمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإِحسان} (2) فخيّر الأزواج بين الأمرين، فليس لهم فسحة في المعاملة للزوجات بأحدهما.
فمن لم يُمسك بمعروف كان عليه التسريح بإِحسان، فإِنْ لم يفعل كان على حُكَّام الشريعة أن يوصلوا المُمْسَكَةَ ضراراً بحكم الله عز وجل فيفسخوا نكاحها.
وأين الإِمساك بمعروف من رجل ترك زوجته في مضايق الجوع، ومتالف المخمصة، وعرَّضها للهلاك، وحبَسها عن طلب رزق الله عز وجل وأراد أن تكون له فراشاً، وهي بهذه الحالة المنكرة والصفة المستشنعة، وكل من يعرف الشريعة يعلم أن هذا منكر من منكراتها ومُحرَّم من مُحرَّماتها ولقوله عز وجل:{ولا تضاروهنّ} (3) وهذا من أعظم أنواع الضرار وأشدها كما سلف.
(1) البقرة: 231.
(2)
البقرة: 229.
(3)
الطلاق: 6.
وأيضاً قد شرع الله -سبحانه- بعْث الحَكَمين بين الزَّوجين عند مجرَّد الشِّقاق وفوَّض إِليهما ما فوَّضه إِلى الأزواج، فإِذا كان لهما التفرقة بمجرد وجود الشقاق؛ فكيف لا يكون لحاكم الشريعة الفسخ بعد وصول المرأة إليه؛ تشكو إِليه ما مسَّها من الجوع، ونزَل بها من الفاقة الشديدة.
والحاصل أن بعض ما ذكَرناه يصلح مستنداً لفسخ النكاح في هذه الحالة
…
وأمّا استدلال المانعين من الفسخ بقوله -سبحانه-: {لينفق ذو سَعَةٍ مِن سَعَته ومن قُدِرَ عليه رزقُهُ فلينفق مما آتاه الله} (1) فيجاب عنه بأنا لا نكلفه بأن ينفق زيادة على ما آتاه، بل دفعنا الضرار عن المرأة وخلَّصناها من حباله لتذهب تطلب لنفسها رزق الله عز وجل بالتكسب، أو تتزوّج آخر يقوم بمطعمها ومشربها".
جاء في "الروضة الندية"(2/ 112): "وأمّا التفريق بين المعسِر وبين امرأته، فأقول: إِذا كانت المرأة جائعة، أو عارية في الحالة الراهنة فهي في ضرار، والله -تعالى- يقول:{ولا تضاروهنّ} (2) وهي أيضاً غير معاشَرة بالمعروف، والله يقول:{وعاشروهنّ بالمعروف} (3) وهي أيضاً غير ممسَكة بمعروف، والله يقول:{فإِمساك بمعروف أو تسريحٌ بإِحسان} (4) بل هي ممسَكة
(1) الطلاق: 7.
(2)
الطلاق: 6.
(3)
النساء: 19.
(4)
البقرة: 229.